الخزر : هم مجموعة من القبائل الجوّالة يتحدثون اللغة التركية, يقال إنهم تمكنوا من إرساء قواعد مملكة امتد تاريخها من القرن السابع حتى القرن الثاني عشر الميلاديين, وكان تحت لوائها مناطق شاسعة تخضع الآن للأراضي الروسيّة والأوكرانية, وتقع بين بحر قزوين والبحر الأسود امتدادًا لجهتي الشمال والغرب.
يقال إن هذه الدولة كانت متقدمة نسبيًا حتى القرون الوسطى, وتمتعت بجهاز حكومي منظم, وتجارة متشعبة, وجيش نظامي. وذكر أن جزءًا من سكانها تهودوا.
يرجع أصل الخزر – كما تشير المراجع العبرية – إلى منطقة شمال القوقاز, ويحتمل أنهم قدموا من وسط أسيا؛ حيث نزح من هناك في حدود القرن الخامس, قبائل عدّة تعود أصولها إلى وسط أسيا, إلى جهة الشمال, والشمال الغربي, باتجاه جبال القوقاز وجنوب روسيا, وأوكراينا وهونغاريا. ويعزى سبب هجرة تلك القبائل إلى انهيار إمبراطورية "الهون" بزعامة "اتيلا", التي خلفت فراغًا كبيرًا. وكان الخزر بعد انهيار تلك الامبراطورية جزءًا من الإمبراطورية التركية الغربية التي حكمت هناك.
عاش الخزر في باديء الأمر على طبيعتهم التجوالية وكانوا مترابطين, لكن ما لبثوا بمرور الزمن أن ذاب جزء كبير منهم مع السكان الأصليين وتبنّوا عاداتهم وتقاليدهم.
تمكن الخزر من الالتئام وتكوين "مملكة الخزر", بعد انقسام الامبراطورية التركية في أعقاب حرب أهلية وقعت في نهاية القرن السابع. عاون الخزر البيزنطيين في حربهم ضد الامبراطورية الفارسية. وفي 627م استطاع البيزنطيون بزعامة القيصر "هيركولس" من هزيمة الفرس الساسانيين في نينوى.
استولى الخزر على جزء من الأراضي التي فقدها الفرس في (ما يسمى اليوم أوزباكستان).
ومع انتشار الإسلام إلى جهة الشمال في النصف الثاني من القرن السابع الميلادي, وقعت مصادمات متتالية بين الخزر والعرب. وعلى الرغم من أن الخزر تمكنوا من إحراز بعض الانتصارات على العرب غير إن الخزر انسحبوا تدريجيًا نحو الشمال بفعل الضغط العربي, مما جعلهم يفقدون البلدة الاستراتيجية "دربند", لكنهم استعادوها في 785م, واستولوا على أجزاء كبيرة من القوقاز.
خرج العرب في هجوم مضاد كبير في العقد الثالث من القرن الثامن للميلاد, سنة 723, مما اضطر الخزر إلى ترك عاصمتهم (بالنجار). وفي 728 فقدوا ثانية بلدة "دربند", وفي نهاية المطاف غادروا أيضًا عاصمتهم الواقعة على شواطيء بحر قزوين (سمندر). لكن أوقف تقدم العرب نحو الشمال حاجز طبيعي؛ جبال القوقاز الشاهقة.
وينسب للخزر – على حد قول عدد من المؤرخين – وقوفهم في وجه العرب كحاجز أخير منع انتشار الإسلام في روسيا وأوربا الشرقية, بالضبط كما حالت مرتفعات "البرانس" ومملكة الفرنجة (مجموعة القبائل الجرمانية الغربية) بحاكمها شارلمان/ شارل الكبير, في القرن الثامن انتشار المسلمين من اسبانيا الى جهة الشمال إلى اوروبا الغربية. اتحد الخزر مع البيزنطيين, في تلك الحقبة, ضد عدوهم المشترك المسلمين.
في النصف الثاني من القرن الثامن الميلادي خرج الخزر في حملة موسعة لاحتلال المناطق الشمالية الغربية من منطقة القوقاز. وفي أوج قوتهم في القرن التاسع تمكنوا من بسط نفوذهم في امبراطورية ممتدة الأطراف شملت أجزاء من جنوب روسيا وشرق أوكرانيا, وشمال القوقاز, وغرب كازاخستان, وأوزباكستان, وشبه جزيرة القرم. سمي بحر قزوين في تلك الحقبة التاريخية "بحر الخزر".
كما ضم أقليم أو امبراطورية الخزر خليطًا من أجناس عدة واثنيات مختلفة وديانات كثيرة, اعترفوا بسلطان الخزر وبعضهم دفعوا ضرائب لنظامهم التجاري؛ منهم السلاف, والهنجار, والعرب, والبلغار, والجركس, والأرمن, والروس.!!
تذكر المصادر أن الخزر وطَّدوا أركان سلطانهم حتى عام 1000م, بحروب دموية, وكان سكان الإمبراطورية يعبدون مع ملكهم "الخاقان بولان", كانوا يعبدون "قضيب الرجل". لكن الملك الخاقان رأى ضرورة أن يترك أبناء مملكته عباة الأوثان والعبادات القذرة تلك, وأن يوحد سكان مملكته تحت عقيدة اليهودية, فتهودت مملكته. ومنذ ذلك الحين عرفت مملكتهم بـ "مملكة الخزر اليهودية"!
يهود الخزر/ويهود الدونمة
הכוזרים/והדונמה
بعد سقوط مملكة الخزر, في القرن العاشر الميلادي, بعد استيلاء الروس بمعاونة البيزنطيين على مناطقهم الشاسعة, توجه حاكم الخزر والعائلات الغنية معه إلى غرب أوروبا, أخذين معهم كل ما استطاعوا حمله من ثروات وأموال وذهب. بينما انتشر ما تبقى من الخزر في شرق أوروبا.
ولذلك يرى بعض الباحثين أن يهود غرب أوروبا (الإشكنازيم), واللذين يشكلون غالبية يهود العالم في أوروبا وأمريكا اليوم, لا يمكن عدّهم امتدادًا لعرق بني إسرائيل القديم, كما أن ليست هناك صلة تاريخية أو اجتماعية بهم على الإطلاق.
وتقدر نسبة يهود الاشكناز, الذين يرجعون إلى أصول خزريّة, بـ 90% من يهود العالم, وإذا كان البحث يرجح أن يكون الخزر من أصول تركية سلجوقية, فهذا يعدّ سببًا في حرصهم على استمرار علاقتهم بيهود الشرق في اليمن, والعراق, والشام, وأفغانستان, وإيران, وغيرها من البلاد التي تدين بالإسلام. وهذا ما سهل مهمة انتشار اليهود بعد ذلك في الإمبراطورية العثمانية.
كان "سليمان القانوني"؛ السلطان العاشر للدولة العثمانية, في القرن الخامس عشر, تزوج من فتاة بالغة الجمال, تدعى "روكسلان", يقال إنها كانت يهوديّة خزرية وقعت في أسر المسلمين, في حروب بمنطقة القرم, فقدموها هدية للسلطان فتزوجها، ولما كان يهيم بحبها فقد سمح لها بالتدخل في شئون الحكم، فطلبت من السلطان أن يسمح لليهود الذين طُردوا من الأندلس مع المسلمين, بالاستيطان في أرجاء الدولة العثمانية، والذين يطلق عليهم "يهود الدونمة"، الذين سيكون لهم دور رئيسي فيما بعد في سقوط الخلافة العثمانية!!
والدونمة هم طائفة من يهود تركيا, من أتباع يهودي ادّعى أنه المسيح المنتظر اليهودي، اسمه "شفتاي تسيفي", لكنه أسلم بعد أن تم القبض عليه، فتبعه قسم من اليهود الذين عرفو لاحقاً بالشفتيين أو الدونمة, والدونمة "Dönmeh" كلمة تركية تعني "العائد" أو "المرتد"، وقد أختارها الأتراك وأطلقوها على هؤلاء اليهود المتظاهريين بالإسلام، حيث أضمروا اليهودية في نفوسهم.
ولد "شفتاي" في مدينة إزمير التركية, في الربع الأول من القرن السابع عشر الميلادي, لأبوين يهوديين مهاجرين من أسبانيا، وقام بنشاط كبير في تنشيط الفكرة وتأصيلها، وبعد أن توفي سار أتباعه على دربه في محاولة للحفاظ على وحدة وتواصل الجماعة.
مسلمو (يهود) الدونمة
מוסלמי (יהודי) דונמה
قلنا في تقديمنا لمنشور يهود الدونمة : إن الـ "دونمة" كلمة باللغة التركية تعني "المرتدون/العائدون" ولست أدري ما سبب التسمية؟ أو ربما تحمل الكلمة في التركية معنى "المتحوّلون!".
أرى أن التسمية الأكثر مناسبة لحالهم هى "المنافقون/المتحولون" لأنهم يهود أظهروا الإسلام, وبطنوا اليهودية! فالأولى تسميتهم بإحدى هاتين التسميتين.
أما تسميتهم بالمرتدين, بحسب المصادر, فلا تجوز! ذلك لأن تعريف المرتد في اليهودية هو من رجع عن اليهودية إلى الوثنية وانخرط في عبادة الأوثان.
ولا يقام حدّ الردّة على مدينة يسكنها المرتدون, بالإبادة عن آخرها وإضرام النار فيها, إلا إذا استجاب معظم أهلها لدعوة الأشرار (بني بليعال) بالارتداد عن اليهودية إلى عبادة الأوثان! فإن لم يكونوا أغلبية فلا يقام حدّ إبادة كل أهل المدينة, بل يقتصر على المرتدين فقط فيقتلوا بحدّ السيف.
وأما كل مالهم فيجمع في ساحة المدينة وتضرم فيه النار حتى يتحول إلى كومة من رماد لا تزال أبدًا إلى أبد الآبدين ليكون تلا من رماد شاهدًا على واقعة الارتداد والعقاب!
تذكر المصادر العبرية أن الدونمة طائفة من المسلمين, أحفاد الحسيديم المؤمنون بالمسيح الكذّاب "شبتاي تسيفي", من حركة الشبتائيىن الذين تأسلموا. يطلق عليهم الأتراك اسم يحمل معنى السخرية والتهكم "دونمه" الذي يعني المنقلبون/المتحولون. والمقصود أولئك الذين بدلوا دينهم.
أما اليهود فأطلقوا عليهم "اليهود القدماء", ويقصد بالقدماء الذين كانوا يهودًا, وهو معنى يتضمن أنهم تحولوا إلى غير اليهودية!. وأما هم فيطلقون على أنفسهم "المؤمنون" وباللادينو (خليط من العبرية والإسبانية) "لوس مامينوس".
يقدّر عدد الدونمة في تركيا بـ 60 ألف دونمي, وهو ضعف عدد يهود تركيا. وهم غير معروفين إلا لبعضهم البعض, وهذا يوحي بأن عبادتهم الطائفية! سريّة لذلك يتحفظون في كشف طبيعة عقيدتهم, لمن ليس منهم, أو من خارج طائفتهم, أما المظهر الخارجي فهم مسلمون في كل شيء.
كان مركز الدونمة الذي نشأت فيه هو مدينة "سالونيك" التابعة لليونان. وفي سنة 1924م انتقلوا إلى تركيا بمقتضى اتفاق تبادل السكان بين اليونان وتركيا. أما الآن فيتركزون في مدينة اسطنبول.
ليس هناك ما يربطهم بيهود تركيا, فهم يتزوجون من داخل الطائفة ويدفن موتاهم في مقابر خاصة بهم. يأتون بالميت قبل الجنازة إلى مسجد معين وهى المرة الوحيدة في سيرة الفرد التي يذكر فيها اسم مسجد!. يصلون في معابد, يسمى واحدهم (قاهال), أي الجَمْع/المجمع. وهو عبارة عن منزل خاص, يصلون مرتين في اليوم الواحد. ولا صلاة جماعة دون السبت. وهم ينتظرون عودة مسيحهم الكذاب.
بدّل الدونمة مظاهر حياتهم الخارجية اليهودية بالمظهر الإسلامي, واعتادوا على ممارسة طقوس اليهودية وشعائرها باطنيًا. ويتبوأ الدونمة مناصب شديدة الحساسية في تركيا, ويخشاهم الحكام الاتراك.
جدير بالذكر في هذا المقام التنويه إلى أن كمال أتاتورك الزعيم التركي الأشهر الذي بنى تركيا الحديثة العلمانية كان من يهود الدونمة, وفي هذا بلا شكّ تعليل لما اتخذه من مواقف متشددة ضد الإسلام وشعائره وتراثه ومظاهره في تركيا؛ وعلى رأس ذلك كله مسألة حظر ارتداء الحجاب, ومنع الأذان في المساجد باللغة العربية! وربما يفسر هذا أيضًا أن تركيا كانت أول دولة إسلامية تعترف بالكيان الصهيوني!
بعد وفاة مؤسس الدونمة؛ الدجّال "شبتاي تسيفي", ادّعى متبعوه أنه لم يمت, مثلهم مثل كل المدعين اتباع الكذابين, وهكذا يفعل الدونمة اتباع "شبتاي تسيفي" فهم ينتظرون عودته بصبر, ومنهم من يمارس ما يمكن أن نشبهه بالدروشة فينتظرون قدومه على شواطيء البحار والأنهار, عساهم أن يلمحوا طيفه قادمًا في أفق السماء!
د. سامي الإمام
أستاذ الديانة اليهودية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق