الخميس، 9 يناير 2020

الروح والنَسَمة والنفس (في اليهودية) #הרוח_והנשמה_והנפש

تختلط ثلاثة مصطلحات مع بعضها البعض في العبرية, وكلها تتعلق بالإنسان ككائن حيّ , هى الروح (روَّحْ : רוח), والنسمة (نِشَاما : נשמה), والنفس (نِفِشْ : נפש).
وهذه المصطلحات أو التسميات تشكّل عائقًا كبيرًا للباحث في كنه الروح وكينونتها, لما بينها من تشابه وتداخل كبير في المصادر العبرية, وهو ما جعلنا نخوض في غمار بحثها لمحاولة فكّ الاشتباك بينها وتيسير الأمر على القاريء والباحث. فنقول:
الروح كينونة غير واضحة المعالم، وليس هناك من يمكنه وصفها على وجه الدقّة!. يمكن تشبيهها بالشمس؛ فجوهر الشمس غير واضح لنا، لكننا جميعًا نشعر بضوئها ونستضيء به، ونشعر جميعًا بحرارتها. يمكن قول الشيء نفسه عن الروح، نحن لفا نعرف بالضبط ما هي، لكننا جميعًا نشعر بالقدرة والطاقة التي تمنحها للجسم.
وإذا حاولنا وصف الروح لقلنا: الروح هى ما يحي النفس. والنفس هى الجزء الذي تظهر فيه هذه الحياة, وهى ما تسمّى أيضًا الجسم, ولكن ليس المقصود بالنفس الجزء المادي في الإنسان بل الجزء الذي تحل فيه الحياة؛ أي الروح والجسد : تمنح الحياة وتستقبلها. 
وهناك وجهات نظر عدّة عن تصوّر كينونة الروح, فالروح هى جوهر الحياة وعلى ذلك فإن الروح هى حقيقة أن شخصًا ما حيّ, وعلى قيد الحياة, وليس مجرد جسم فيزيائي بسيط. وهذا الوصف يقلل من وصف الروح لحقيقة أن الإنسان يمكنه إيجاد معنى في الواقع حوله.
فالروح كتعبير عن الوعي, بناء على ذلك هى جزء من وعي الإنسان يعبر عن قدرته على النظر إلى نفسه وإلى العالم حوله, ليكون على دراية ووعي بما حوله على العكس من أجزاء في الوعي جوهرهم الاستجابة له. وبهذا المعنى فإن الروح تتضاهى مع مفهوم النفس, كتعبير عن الوجه الشعوري والعاطفي, الذي يدل على أن كينونة ما هى كائن حيّ, يختلف من الناحية الفلسفية عن آلية معقدة أخرى. ووفقًا لهذا المفهوم، فإن الروح هي العامل المميِّز بين الشخص والآلة المعقدة، وتضعه كعامل شخصي، له قيم يمكنه اسباغها على الواقع الخارجي. 
والروح على هذا التصوّر ككينونة مستقلة حقيقة, لا صورة لها ولا شكل, غير متعلقة بالوجود الجسماني أو المادي للإنسان. وحين تكون قائمة بالجسم تكون هى المحرّك الداخلي له ومركز التحكّم والسيطرة, أما حين تتركه وقتيًا (عند النوم مثلا), أو تتركة للأبد (عند الموت), فإن الجسم يفقد حيويته ويصبح كائنًا فاقدًا حيويته وطاقته ويتحوّل إلى جماد, لا تيار وعيّ شخصي فيه. 
ووفقًا لهذا المفهوم، فإن الروح لها وجود في العوالم غير المادية، وبالتالي فهي تخضع لمنظومة سيطرة وتشغيل أخرى مختلفة عن المنظومية التي تتحكم في الجسد (على سبيل المثال ، يمكن أن تكون الروح في عدة أماكن في وقت واحد). وعلى هذه النظرة للروح فإن ذلك يجعل هناك من يعتقد في بقاء الروح بعد مغادرتها للجسد, بكينونة منفصلة عن كينونة الجسد الطبيعي/ المادي. وهذا هو ما يسمح بوجود معتقدات مثل: إصلاح النفس, حياة الأبدية والخلود, حياة العالم الآتي/الآخرة والثواب والعقاب, وتناسخ الأرواح.
وبناء على ذلك فإن لكل إنسان "أنا" وشخصيته الذاتية. والـ (أنا) هى كيان وعيي وظيفته إدراك العالم حول الإنسان وملاحظة الخارج, بحيث تكون العيون تستعمل كأداة مراقبة والآذان كأداة للسمع, لكن الـ (أنا), وراء ذلك.
بالإضافة إلى معرفة الوعي الذاتي للشخص الذي يشمل أفكارا وكلمات وصورًا وأحاسيس موجودة في كل لحظة, والتي تنقطع أثناء النوم أو عند فقدان الوعي, وتعود عند الاستيقاظ في الصباح إلى النقطة الأخيرة التي كانت عليها قبل النوم والاهتداء النفسي الواضح دون أي بلبلة أو نسيان. فالشخص عند استيقاظه من النوم يكون ذاكرًا من هو؟ وما يريده, وما رغباته, والأشياء الأخيرة التي قام بها قبل نومه.وتفسير ذلك هو خروج الروح الواعية بشكل مؤقت وصعودها إلى العالم العلوي الغامض, وعند التيقظ تعود إلى الجسد لتحلّ به. وهذا هو سبب وجود رؤى عدّة حول سلوك الروح من حيث مغادرتها للجسد وعودتها. إن وصية قراءة ال شِمَاع على السرير قبل النوم ترجع في أحد أسبابها إلى حقيقة أن الروح يمكن ألا تعود إلى الجسد. وفي الصباح عند قراءة بركات السحر يقال: 
"إلهي إن الروح التي وهبتني إياها طاهرة, أنت خلقتها ونفختها فيّ وأنت حافظها بداخلي وأنت الذي سيأخذها مني ومن سيعيدها إلىّ في المستقبل وطالما أن الروح لدىّ فأنا أشكرك واحمدك إلهي وإله آبائي يا سيد كل شيء وسيد الرواح مبارك أنت يارب الذي يعيد الأرواح إلى الأجساد الميتة" .
ما سبق هى صلاة شكر على إعادة الروح. يرددها اليهودي عند قراءة بركات الصباح.
هناك أمر آخر يفسَّر بناء على هذا المفهوم هو عملية تحويل الأفكار المجرّدة المعنوية التي لا مكان لها إلى ترجمات وأفعال عملية. فما الذي يحدث حين يفكر الإنسان في إرادة الجري, الذي كنتيجة له تُنفّذ عمليات فيزيائية في جسده, هذه العمليات التي ليس لها وجود حقيقي ملموس؟) تنتج نبضات كهربية الى الخلايا العصبية في خلايا المخ تبدأ سلسلة العمليات إلى أن تصل إى العضلات التي تنقبض وتنبسط ويبدأ الإنسان بالجري. إن هذه العمليات تستلزم وجود قوى ميتافيزيقية (غير مرئية/ فوق الطبيعة) مستقل. 
يرد في التلمود، وفي الفلسفة اليهودية بالعصور الوسطى، أن الإنسان يتكون من جزأين متميزين - الجسد والروح.
كما تعود الروح لتعيش في جسد الإنسان للمستقبل القادم, عند إحياء الموتى, باستثناء العصاة والمجرمين الذين لن تكون لهم قيامة. فالروح هى جزء مختلف تمامًا عن الجسد وليست كيانًا ماديًا. وينبع الاختيار الحرّ من الروح ولذا فإن الحيوانات لأنها لا تملك اختيارًا حرًا ليس لها أرواح, ولها أجساد فقط!. بل أبعد من ذلك فإن الروح التي هى جوهر الإنسان وعظمته وجوهر هيئته بها ما هو من الإله. وهكذا فهم الحكماء عبارة "من عند القدير في العالي" (أيوب 31 : 2). وبفضل الروح التي في الإنسان يستطيع الإنسان التواصل غير المحدود من الإله.
يتبع
د. سامي الإمام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق