الخميس، 19 يونيو 2014

التطبيع – فقاعات من هواء !!

إلى دارسي العبرية في مصر – لا تحزنوا !!
ازعجني بشدة ما حدث في برنامج الأستاذ/ وائل البراشي, في موضوع يخصّ دارسي اللغة العبرية والمتخصصين فيها؛ لأن ما شاهدته وسمعته هو نتيجة طبيعية لعدم دراية كثير من الناس بما يقوم به المتخصصون في اللغة العبرية, بفروعها المختلفة وما يتبعها من دراسة تاريخ بني إسرائيل, وتاريخ اليهود في العصور المختلفة, والأدب العبري بحقبه المتنوعة القديم, والوسيط, والحديث, والديانة اليهودية بمصادرها المختلفة؛ التوراة والمشنا والتلمود, وما لها من دور رئيسي في تشكيل الشخصية اليهودية, فضلا عن استخدامها في ترسيخ مفاهيم الصهيونية التي اتخذت حجة لاحتلال فلسطين. هذا فضلا عن معلومات خاطئة عن أهمية تعلم اللغة العبرية واستخدامها في كشف العدو الاستراتيجي؛ إسرائيل.


ومن المؤسف أن تخصص وسائل الإعلام الساعات الطوال لمن لا يستحقونها وتقتر على من يستحقونها, ومنهم من جندوا أنفسهم لخدمة الوطن بكل تفان وإخلاص وهذا أصدق تعبير عن إهمال الدولة لثرواتها البشرية!! فضلا عن الوصم بتهمة هلاميّة اسمها التطبيع؛ يختلف على تعريفها الناس, كما يختلفون في تقيمها بين مؤيد ومعارض!
مع التأكيد على اننا لا نقبل بالتطبيع مع العدو الصهيوني أبدًا.

وأود في البداية أن أؤكد على أن خريجي اللغة العبرية ودارسيها فضلا عمّن يقومون عليها من الأساتذة, في كل جامعات مصر تقريبً, هم وطنيون شرفاء بكل المقاييس, ولا تقلّ وطنيتهم عن أي مواطن مصري في أي مكان, بل تزيد وطنيتهم بحكم معرفتهم بالعدوّ وإلمامهم بمخططاته التوسعيّة في المنطقة, بالإضافة إلى استهدافه للدين والأخلاق في منطقتنا العربية وخاصة مصر منها.
وهو الأمر الذي يجعلنا لا نقبل بنظرات الشكّ والريبة نحوهم فضلا عن الاتهام بعدم الوطنية, أو التخوين, أو ما يسمى بالتطبيع وهو مفهوم "مائع" لا يبتعد عن كونه فقاعات في الهواء حين تنفجر لا يسقط منها شيء على الأرض!!
ويأتي في مقدمة هؤلاء الوطنيين الشرفاء, الأستاذ/منير محمود – وحكمي عليه من خلال سيرته الوظيفية, ونشاطه الوطني المميز على صفحات التواصل الاجتماعي, بمتابعته لأفراد مجموعته التي أسماها "الكتيبة العبرية"؛ صنو "الكتيبة العسكرية" في إشارة منه إلى طبيعة عملها القتالي في مواجهة العدوّ الصهيوني الخبيث, ومن خلال آرائه الوطنية التي يبديها تعليقًا على الأحداث السياسية وما يدور على الأرض المحتلة وفي الصحافة الإسرائيلية, وهو أمر لا محالة أن يتعرض له المتخصصون في اللغة العبرية وما يقتضيه دراستها وفهمها من مجالات أخرى, فلابد من الإدلاء بالرأي فيها والاجتهاد حولها.
والأستاذ/منير محمود, هو شخصية على درجة عالية جدًا من الوطنية, والفهم لمصلحة الوطن؛ مصر, ولا يزايد على وطنيته, فضلا عن تمتعه بأخلاق عالية رفيعة تزكيه لأن يكون شخصية وطنية سامية المكانة بل لا يطاوله فيها كثيرون ممن يعيشون على أرض هذا الوطن.
وأما ما قامت به الأستاذة هبة, من الظهور على شاشات التلفاز الإسرائيلي في بث مباشر من ميدان التحرير, فهو في اعتقادي خطأ غير متعمد, لأنه من غير المقبول أبدًا نقل أحداث في مصر سواء من ميدان التحرير أو من غيره من الأماكن, دون إذن أو تصريح من الجهات السيادية في الدولة. ومع ذلك فقد جاءت كلماتها التي نقلتها والتي استمعت إليها باللغة العبرية معبرة عن درجة عالية من الوطنية تجعلنا نفخر بوطنيتها. ويبقى ما قامت به عملا غير مشروع, وخطأ يجب ألا يتكرر!!
وأما حكمي على الأستاذ وائل الأبراشي, مع عدم التشكيك في وطنيته, فأرى أنه لم يكن موفقًا في إدارة الحوار بشكل محايد, وهو ما ينبغي أن يقوم به, وترك معلقين مختارين من الخارج يكيلون الاتهامات بغير حقّ للضيفين, ومنهم من اغتاب الزعيم الراحل محمد أنور السادات, عليه رحمة الله تعالى, الذي لا يختلف عليه اثنان بأنه رجل الحرب والسلام, ليس في نظر المصريين فقط, بل في نظر كثيرين على مستوى العالم, فكيف يقذفه بعبارة لا تليق بزعيم يشار إليه بالبنان كانت زيارته للقدس من أجل إحلال السلام بكل المنطقة العربية؟!
بالإضافة إلى جوره على السيدة المعلقة التي قالت كلمة حق في تصرف الأستاذة/هبة, بأنه كان ينبغي أن يستمع إلي ترجمة ما قالته بالعبرية حتى يكون الحكم صحيحًا في جانب من تصرفها الخاطيء إجمالا.

كنت انتظر أن يقدم البرنامج بإخلاص وتفان صورة حقيقية عن معاناة خريجي أقسام اللغة العبرية وهم بعشرات الآلاف ولم تقدم لهم الدولة أي عون وأي اهتمام بمشكلات تشغيلهم في مجال الدراسة التي أفنوا أعمارهم فيها, وهو ما لم يحدث, ومن المؤسف أن أذكر طلابًا تخرجوا بامتياز وأفاجأ بعد فترة من الزمن بمن يعمل كـ "محصل لفواتير الكهرباء"!, أو كـ "بائع أحذية", أو كـ "مندوب مبيعات"! مع تأكيدي على أن العمل في أي مجال ليس عيبًا في حد ذاته, ومع كامل احترامي وتقديري لهم جميعًا. لكن هل هكذا تكون الأمور سويّة, وتكون الدولة قامت بما عليها من واجب نحو أبنائها؟ وننتظر أن تنهض مصر !!
ولغياب الدولة وتقاعسها في حق خريجي أقسام اللغة العبرية جوانب أخرى عدة وليس مجالاها اللحظة بكل تأكيد.
أدعو الله أن ينصر الحقّ في ربوع هذا الوطن الغالي؛ مصرنا العزيزة.
وبالله التوفيق.
الأستاذ الدكتور/سامي الإمام
أستاذ اللغة العبرية والديانة اليهودية/كلية اللغات والترجمة/جامعة الأزهـر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق