تعرض اليهود, عبر تاريخهم الطويل, لحدثين كان لهما أكبر الأثر في مسيرتهم,
الحدث الأول هو السبي , والحدث الثاني هو الشتات. وهذان الحدثان حفّزا
فيهم التفكير في الغيبيات/المستورات في اتجاهين:
1. نهاية العالم.
2. الخلاص على يد المسيح المنتظر.
في الوقت الذي كانوا يركزون اهتمامهم على مسألتين كبيرتين؛ هما :
الأولى: أن الدنيا تبدو بعيدة عن الكمال بالمقارنة بما كان الله قد طالبهم به. وهذا يقتضي أن يحدث تنسيق بقدر الإمكان بين نقص الدنيا ومتطلبات الرب (الآخرة).
ولن يكون هذا إلا بأن يُنزل الرب عقابًا صارمًا على كل الذين تركوا سواء السبيل.
الثانية: أن الله قد اختار إسرائيل شعبًا له ومع ذلك فإن الشعب المختار لم يكن دائمًا من حيث الاستقامة والهداية على مستوى المسئولية التي يلقيها عليه هذا الاختيار. وبالتالي فإنه لم يفلح في ريادة شعوب الأرض جميعًا كما كان متوقعًا, بل كثيرًا ما حدث العكس فاضطهدته شعوب الأرض جميعًا.
وعلى الرغم من كل ما يبدو في العالم من دنس, وما يبدو من شعب الله المختار, طبقًا لليهودية, من إصرار على التفريط في عهده مع الرب, فإن الرب أخيرًا سيكون له مع الدنيا يوم عظيم, تذكره التوراة :
(يوم الرب لكم ظلمة لا نور. كما إذا هرب إنسان من وجه الأسد فلقيه الدب, أو دخل البيت وأسند يده إلى الحائط فلسعته حيّة أليس يوم الرب ظلمة لا نور ؟ بل هو ديجور لا ضياء له!).
يقول "جينيبر": إنه يبدو من هذه العبارة أن اليهود ينتظرون يوم الرب ليحمل لهم بشرى انتصارهم بصفتهم شعب الله المختار على الأمم الأخرى التي قد دانت لهم بالخضوع. لكن يتضح من الفقرة أن يوم الرب سوف يمتاز بانتصار العدالة الإلهية التي سيرتعد منها الشعب الإسرائيلي نفسه رعبًا بسبب ما اقترفه من جرائم وآثام.
ويبقى الاضطراب في مفهوم يوم الرب لدى الأنبياء المتأخرين؛ فقد ورد :
(ولْولُوا، فإن يوم الرب بات وشيكاً قادمًا من عند الرب محمّلا بالدمار...ها هو يوم الرب آتٍ مفعماً بالقسوة والسخط والغضب العنيف، ليجعل الأرض خرابًا ويبيد منها العصاة. فإن نجوم السماء وكواكبها لا تشرق بنورِها، والشمس تظلم عند بزوغها، والْقمر لا يُشعُّ بضوئه. وأُعاقب العالم على شَرِّه والمُنافقين على آثامهم).
فـ "يوم الرب" بهذا المعنى الذي جاء وصفه لدى الأنبياء, يعنى التهديد والوعيد والانتقام من العصاة وفي مقدمتهم الشعب الإسرائيلي نفسه, هذا اليوم كان موضع تهكم وسخرية من الكثيرين, وكانوا يرون أنه بعيد جدًا ولذلك أطلقوا عليه لتأكيد هذا البعد (آخرة الأيام/آخر الأيام), وهو يوم لم تذكر التوراة عنه شيئًا. وكان اليهود يسخرون من أخبار هذا اليوم مما جعل الرب يخاطبهم بقوله :
(ياابن آدم...لأني أنا الرب أتكلم، والكلمة التي أقضي بها تتمّ، من غير مماطلة، بل ها أنا أنطق بقضائي في أيامكم أيّها الشعب المتمرِّد وأُنفّذه في حينه، يقول السيد الرب).
ومع ذلك يرتب اليهود سيناريوهات الحرب الأخيرة بناء على ما يُعِدُّونها إرهاصات وردت في مواضع عدّة في "العهد القديم". فبعد أن يعيد الرب اليهود إلى إسرائيل (من الشتات), وهو ما تحقق في العصر الراهن تقريبًا – سوف يجعل الرب شعوب الشمال, التي تفسّر بفارس/إيران حاليًا, - التي على وشك تطوير سلاح نووي, قادر على الوصول لأوربا, وبالتأكيد إلى إسرائيل – تخوض حربًا تستمر لزمن طويل, قد يصل لأكثر من عام, تسيطر خلالها جيوش أجنبية على منطقة إسرائيل!, وكما يقول المتكهنون : هاهى قوات فارس موجودة في الشمال؛ يقصد بذلك "حزب الله" في جنوب لبنان, وبحوزته آلاف الصواريخ, ويعاضده "حماس" في غزّة – فمن الشمال يأتي الخراب, طبقًا لنبوءة النبي "حزقيال", وفي القريب سيبدأ الهجوم.
ومن أسباب اندلاع حرب آخر الأيام ما ورد في "العهد القديم" :
"ها أنا مزمع أن أجعل أُورشليم كأس خمر تترنح منها جميع الشعوب المحيطة بها، فتحاصر يهوذا أيضًا في أَثناء حصارها لأُورشليم. في ذلك اليوم أجعل أُورشليم كصخرة ثقيلة تعجز عن حملها جميع الشعوب. وكل من يحاول حملها ينشقُّ شقًا، ويتألب عليها جميع شعوب الأرض".
أي أن السبب الرئيس للصراع المرتقب – بين العالم أجمع وإسرائيل, الذي يجعل شعوب العالم تتألب على أورشليم هو السيطرة على أورشليم, لأن إسرائيل لن تتنازل عنها على الرغم من الضغوط الهائلة الصعبة التي ستمارس عليها في المستقبل القريب من جانب شعوب العالم في إطار "تسوية سلمية شاملة".
معالم النهاية, كما جاءت في سفر دانيال:
"كل من كان اسمُه مدوّنًا في الكتاب من شعبك ينجو في ذلك الزمان. ويستيقظ كثيرون من الأموات المدفونين في تراب الأرض، بعضهم ليثابوا بالحياة الأبدية وبعضهم ليساموا ذلّ العار والازدراء إلى الأبد. ويضيء الحكماء (أي شعب الله) كضياء الجلد".
والمقصود بالحكماء, في الفقرات السابقة هم المؤمنون من بني إسرائيل آنذاك, قديمًا, في زمن موسى عليه السلام, وبعده, قبل نزول رسالة عيسى عليه السلام.
متى تنتهي أحداث النهاية ؟
والإجابة التي وردت في سفر دانيال؛ هى:
"تنقضي هذه العجائب بعد ثلاث سنين ونصف السنة، حين يتم تشتيت قوّة الشعب المقدس. فسمعت ما قاله ولكنني لم أفهم، فسألت: ياسيدي ما هي آخر هذه؟ فأجاب: اذهب يا دانيال لأن الكلمات مكتومة ومختومة إلى وقت النهاية. كثيرون يتطهّرون ويتنقون ويمحصون بالتجارب، أما الأشرار فيرتكبون شرًا ولا يفهمون. إنما ذوو الفطْنة يدركون. أَما الفترة ما بين إزالة المحرقة الدائمة وإقامة رجس المُخرب، فهي أَلف ومئتان وتسعون يومًا. فطوبى لمن ينتظر حتى يبلغ إلى الألف والثّلاث مئة والخمسة والثّلاثين يومًا. وأما أنت فاذهب إلى آخرتك فتستريح، ثم تقوم في نهاية الأيام لتثاب بما قسم لك».
وهذه الأرقام المذكورة في الآيات الأخيرة هى التي جعلت اليهود على مرّ العصور يخمنون موعدًا للنهاية أو ليوم القيامة. وحددوا تواريخ عدة لهذا اليوم وباءت جميعها بالخسران المبين. وهو ما يفهم أيضًا من عبارة واردة في الفقرة التي أمامنا؛ وهى :
"لأن الكلمات مكتومة ومختومة إلى وقت النهاية"
فكلمة "مكتومة" فيها إشارة إلى أن موعد هذه الأحداث هو سرّ مكتوم غير مباح, أي في علم الغيب, وكلمة "مختوم" أي أنه لا يُزال هذا الختم إلا حين يريد الرب ويأذن بالبوح بهذا الغيب, وهذا ما نفهمه من العبارة المذكورة.
وهذا الحدث؛ حرب آخر الأيام, مرتبط, في اليهودية, بحرب "جوج وماجوج" وقد تحدثنا عنها سابقًا.
د. سامي الإمام
أستاذ الديانة اليهودية
1. نهاية العالم.
2. الخلاص على يد المسيح المنتظر.
في الوقت الذي كانوا يركزون اهتمامهم على مسألتين كبيرتين؛ هما :
الأولى: أن الدنيا تبدو بعيدة عن الكمال بالمقارنة بما كان الله قد طالبهم به. وهذا يقتضي أن يحدث تنسيق بقدر الإمكان بين نقص الدنيا ومتطلبات الرب (الآخرة).
ولن يكون هذا إلا بأن يُنزل الرب عقابًا صارمًا على كل الذين تركوا سواء السبيل.
الثانية: أن الله قد اختار إسرائيل شعبًا له ومع ذلك فإن الشعب المختار لم يكن دائمًا من حيث الاستقامة والهداية على مستوى المسئولية التي يلقيها عليه هذا الاختيار. وبالتالي فإنه لم يفلح في ريادة شعوب الأرض جميعًا كما كان متوقعًا, بل كثيرًا ما حدث العكس فاضطهدته شعوب الأرض جميعًا.
وعلى الرغم من كل ما يبدو في العالم من دنس, وما يبدو من شعب الله المختار, طبقًا لليهودية, من إصرار على التفريط في عهده مع الرب, فإن الرب أخيرًا سيكون له مع الدنيا يوم عظيم, تذكره التوراة :
(يوم الرب لكم ظلمة لا نور. كما إذا هرب إنسان من وجه الأسد فلقيه الدب, أو دخل البيت وأسند يده إلى الحائط فلسعته حيّة أليس يوم الرب ظلمة لا نور ؟ بل هو ديجور لا ضياء له!).
يقول "جينيبر": إنه يبدو من هذه العبارة أن اليهود ينتظرون يوم الرب ليحمل لهم بشرى انتصارهم بصفتهم شعب الله المختار على الأمم الأخرى التي قد دانت لهم بالخضوع. لكن يتضح من الفقرة أن يوم الرب سوف يمتاز بانتصار العدالة الإلهية التي سيرتعد منها الشعب الإسرائيلي نفسه رعبًا بسبب ما اقترفه من جرائم وآثام.
ويبقى الاضطراب في مفهوم يوم الرب لدى الأنبياء المتأخرين؛ فقد ورد :
(ولْولُوا، فإن يوم الرب بات وشيكاً قادمًا من عند الرب محمّلا بالدمار...ها هو يوم الرب آتٍ مفعماً بالقسوة والسخط والغضب العنيف، ليجعل الأرض خرابًا ويبيد منها العصاة. فإن نجوم السماء وكواكبها لا تشرق بنورِها، والشمس تظلم عند بزوغها، والْقمر لا يُشعُّ بضوئه. وأُعاقب العالم على شَرِّه والمُنافقين على آثامهم).
فـ "يوم الرب" بهذا المعنى الذي جاء وصفه لدى الأنبياء, يعنى التهديد والوعيد والانتقام من العصاة وفي مقدمتهم الشعب الإسرائيلي نفسه, هذا اليوم كان موضع تهكم وسخرية من الكثيرين, وكانوا يرون أنه بعيد جدًا ولذلك أطلقوا عليه لتأكيد هذا البعد (آخرة الأيام/آخر الأيام), وهو يوم لم تذكر التوراة عنه شيئًا. وكان اليهود يسخرون من أخبار هذا اليوم مما جعل الرب يخاطبهم بقوله :
(ياابن آدم...لأني أنا الرب أتكلم، والكلمة التي أقضي بها تتمّ، من غير مماطلة، بل ها أنا أنطق بقضائي في أيامكم أيّها الشعب المتمرِّد وأُنفّذه في حينه، يقول السيد الرب).
ومع ذلك يرتب اليهود سيناريوهات الحرب الأخيرة بناء على ما يُعِدُّونها إرهاصات وردت في مواضع عدّة في "العهد القديم". فبعد أن يعيد الرب اليهود إلى إسرائيل (من الشتات), وهو ما تحقق في العصر الراهن تقريبًا – سوف يجعل الرب شعوب الشمال, التي تفسّر بفارس/إيران حاليًا, - التي على وشك تطوير سلاح نووي, قادر على الوصول لأوربا, وبالتأكيد إلى إسرائيل – تخوض حربًا تستمر لزمن طويل, قد يصل لأكثر من عام, تسيطر خلالها جيوش أجنبية على منطقة إسرائيل!, وكما يقول المتكهنون : هاهى قوات فارس موجودة في الشمال؛ يقصد بذلك "حزب الله" في جنوب لبنان, وبحوزته آلاف الصواريخ, ويعاضده "حماس" في غزّة – فمن الشمال يأتي الخراب, طبقًا لنبوءة النبي "حزقيال", وفي القريب سيبدأ الهجوم.
ومن أسباب اندلاع حرب آخر الأيام ما ورد في "العهد القديم" :
"ها أنا مزمع أن أجعل أُورشليم كأس خمر تترنح منها جميع الشعوب المحيطة بها، فتحاصر يهوذا أيضًا في أَثناء حصارها لأُورشليم. في ذلك اليوم أجعل أُورشليم كصخرة ثقيلة تعجز عن حملها جميع الشعوب. وكل من يحاول حملها ينشقُّ شقًا، ويتألب عليها جميع شعوب الأرض".
أي أن السبب الرئيس للصراع المرتقب – بين العالم أجمع وإسرائيل, الذي يجعل شعوب العالم تتألب على أورشليم هو السيطرة على أورشليم, لأن إسرائيل لن تتنازل عنها على الرغم من الضغوط الهائلة الصعبة التي ستمارس عليها في المستقبل القريب من جانب شعوب العالم في إطار "تسوية سلمية شاملة".
معالم النهاية, كما جاءت في سفر دانيال:
"كل من كان اسمُه مدوّنًا في الكتاب من شعبك ينجو في ذلك الزمان. ويستيقظ كثيرون من الأموات المدفونين في تراب الأرض، بعضهم ليثابوا بالحياة الأبدية وبعضهم ليساموا ذلّ العار والازدراء إلى الأبد. ويضيء الحكماء (أي شعب الله) كضياء الجلد".
والمقصود بالحكماء, في الفقرات السابقة هم المؤمنون من بني إسرائيل آنذاك, قديمًا, في زمن موسى عليه السلام, وبعده, قبل نزول رسالة عيسى عليه السلام.
متى تنتهي أحداث النهاية ؟
والإجابة التي وردت في سفر دانيال؛ هى:
"تنقضي هذه العجائب بعد ثلاث سنين ونصف السنة، حين يتم تشتيت قوّة الشعب المقدس. فسمعت ما قاله ولكنني لم أفهم، فسألت: ياسيدي ما هي آخر هذه؟ فأجاب: اذهب يا دانيال لأن الكلمات مكتومة ومختومة إلى وقت النهاية. كثيرون يتطهّرون ويتنقون ويمحصون بالتجارب، أما الأشرار فيرتكبون شرًا ولا يفهمون. إنما ذوو الفطْنة يدركون. أَما الفترة ما بين إزالة المحرقة الدائمة وإقامة رجس المُخرب، فهي أَلف ومئتان وتسعون يومًا. فطوبى لمن ينتظر حتى يبلغ إلى الألف والثّلاث مئة والخمسة والثّلاثين يومًا. وأما أنت فاذهب إلى آخرتك فتستريح، ثم تقوم في نهاية الأيام لتثاب بما قسم لك».
وهذه الأرقام المذكورة في الآيات الأخيرة هى التي جعلت اليهود على مرّ العصور يخمنون موعدًا للنهاية أو ليوم القيامة. وحددوا تواريخ عدة لهذا اليوم وباءت جميعها بالخسران المبين. وهو ما يفهم أيضًا من عبارة واردة في الفقرة التي أمامنا؛ وهى :
"لأن الكلمات مكتومة ومختومة إلى وقت النهاية"
فكلمة "مكتومة" فيها إشارة إلى أن موعد هذه الأحداث هو سرّ مكتوم غير مباح, أي في علم الغيب, وكلمة "مختوم" أي أنه لا يُزال هذا الختم إلا حين يريد الرب ويأذن بالبوح بهذا الغيب, وهذا ما نفهمه من العبارة المذكورة.
وهذا الحدث؛ حرب آخر الأيام, مرتبط, في اليهودية, بحرب "جوج وماجوج" وقد تحدثنا عنها سابقًا.
د. سامي الإمام
أستاذ الديانة اليهودية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق