المن هو طعام كان الله ينزله على بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر مع موسى وهارون عليهما السلام, ويسمى أيضًا (خبز السماء) حيث كان ينزل في الصباح الباكر ويستقر على الأرض متكتلا كالثلج بين طبقتين من الطلّ. وقيل في سبب التسمية إنها من اسم الاستفهام (مَنْ) لأنهم لم يكونوا يعرفون ماهو؟ فراحوا يتساءلون (وقال بعْضهم لِبعض (مَنْهُو) أَي ما هذا؟).
لكن لماذا أنزل الله عليهم المنّ؟ نقرأ ما ورد بالتوراة:
(وَهُنَاكَ فِي الصَّحْرَاءِ تَذَمَّرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى مُوسَى وَهَرُونَ، وَقَالُوا لَهُمَا: لَيْتَ الرَّبَّ أَمَاتَنَا فِي أَرْضِ مِصْرَ، فَهُنَاكَ كُنَّا نَجْلِسُ حَوْلَ قُدُورِ اللَّحْمِ نَأْكُلُ خُبْزاً حَتَّى الشَّبْعِ. وَهَا أَنْتُمَا قَدْ أَخْرَجْتُمَانَا إِلَى هَذِهِ الصَّحْرَاءِ لِتُمِيتَا كُلَّ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ جوعًا)!.
يقرّون بأنفسهم وبألسنتهم بأنهم كانوا متخمين من أكل الطعام في مصر يأكلون لحمًا وخبزًا حتى الشبع, وهو ما ينفي أنهم كانوا مضطهدين طيلة حقبة مكوثهم بمصر والتي امتدّت لـ 400 سنة.
وقد ورد ذكر المنّ في التوراة في سفر الخروج:
«هَا أَنَا أُمْطِرُ عَلَيْكُمْ خُبْزاً مِنَ السَّمَاءِ، فَيَخْرُجُ الشَّعْبُ وَيَلْتَقِطُ حَاجَةَ كُلِّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ، لِكَيْ أَمْتَحِنَهُمْ، فَأَرَى إنْ كَانُوا يَسْلُكُونَ فِي شَرِيعَتِي أَمْ لا. 5وَلَكِنْ لِيَكُنْ مَا يَلْتَقِطُونَهُ فِي الْيَوْمِ السَّادِسِ ضِعْفَ مَا يَجْمَعُونَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ». الخروج 16 / 4 -5
توضح الآيات التوراتية أن الله أمطر عليهم المنّ خبزًا من السماء وأوصت بأن يخرجوا لالتقاطه من على الأرض يومًا بيوم, وهذا القيد هو اختبار لهم كما يتبين من عبارة (فَأَرَى إنْ كَانُوا يَسْلُكُونَ فِي شَرِيعَتِي أَمْ لا)؟ وأنزل عليهم, في اليوم السادس, الجمعة, ضعف ما ينزله في كل يوم آخر, والسبب هو أن يجعلهم يخزنون منه ليوم السبت الذي أمروا أن يسْبٍتوا فيه أي؛ لا يعملون عملا قط, ولذا لم يكن المن ينزل فيه. وفهم بنو إسرائيل أيضًا من عدم نزول المن يوم السبت أن السبت راحة عند الرب أيضًا وانطبع في عقولهم الطابع المقدّس ليوم الراحةز
وعلى الرغم من ذلك خرج بعض منهم يوم السبت ليجمعوا المن فسأل الرب: إلى متى تأبون أن تحفظوا وصاياي وشرائعي؟
وحُذروا أيضًا من ادخار المنّ كما ذكرنا في الآيات السابقات, (ومع ذلك، فإِن بعضهم لم يسمع لموسى، بل أبقوا منْه للصباح، فتولَّد فيه دودٌ وأنتنَ).
وجاء أن المنّ لم يكن بالإمكان تخزينه وادخاره ليوم آخر لذلك أمروا بأكله في اليوم ذاته يوم نزوله لأنه يفسد بمجرد حلول المساء ويتغير طعمه بدرجة تجعله غير مستساغ للأكل, باستثناء ما ينزل في اليوم السادس من الأسبوع يوم الجمعة لأنه سيخزّن منه للسبت فلم يكن يفسد وهذه معجزة ربانية أخرى! وكان ما يتبقى على الأرض منه يذوب بمجرد اشتداد حرارة الشمس.
ولما كانت الكمية التي يجمعها كل فرد تتفاوت من فرد إلى فرد زيادة ونقصانًا بحسب نهمه في الجمع أو حالته الصحيّة أو إمكاناته الجسدية, أو ظروفه فقد جعل الله الكميات متساوية عند المكيال وهو ما يفهم من عبارة (وَلَكِنْ عِنْدَمَا كَالُوا بِالعُمِرِ (مكيال حجمه حوالي لترين ونصف اللتر) ما التقطوه، فإن المُكَثّر لم يَفضُل عنْه، والمُقلّ لم ينقُصْهُ شيء) خروج 16 / 18.
فمراد الله إذًا هو الخروج للجمع وبمعنى آخر الخروج للحصول على الرزق وستكفي جميع الأرزاق كثرت أو قلّت!
وأمّا عن شكله فكان رقيقًا كالقشور, وعن طعمه فكان كرقاق مغموس مدهون بالعسل, لكنه كان يميل إلى السيولة عن الصلابة, وقيل إن طعمه كان بحسب ما يريد الآكل منه!
وورد أن المنّ سمي في المزامير (خبز الملائكة) والمقصود بالمعنى الطعام أو الخبز الذي أعدّته الملائكة.
فكان المن هو طعام الصباح والنهار أمّا الليل فكان طعامه لحم السلوى وهو طائر حدده المفسرون بأنه طائر السمّاني, الآن حيث كان يغطّي محلة بني إسرائيل في المساء بأعداد كبيرة. واستمر هذا الطعام الرباني ينزل عليهم لمدة أربعين سنة منذ خروجهم من مصر مع موسى عليه السلام إلى أن وصلوا مشارف كنعان في جهة الشرق من نهر الأردن.
ومع كل تلك الرفاهية التي نعم بها بنو إسرائيل فقد كانوا يعصون الرب ويخالفون أوامره ويتحدّون رسوله. وكانت اختبارات بني إسرائيل وابتلاءاتهم كثيرة لأن الله أراد أن يمتحن إيمانهم بعد أن أظهر لهم قدرته وعظمتها وتعدد أشكالها فنجاهم من العبودية وعبر بهم البحر وأغرق فرعون وجنوده وأنزل ضربات مميتة بمصر, وغير ذلك كثير وكان يريد من ذلك جعلهم مؤمنين به وتأهيلهم للاختيار من بين كل تلك الشعوب الوثنية المحيطة بهم, لكنهم أبوا أن يثقوا في الرب إلا إذا كانوا يرون ويعاينون أدلّة ومعجزات وبراهين مستمرة على قدرته!
وعلى الرغم من أن الله يعرف طبيعتهم وطوياتهم وما بأنفسهم فقد استجاب لهم على مرّ مسيرتهم منذ لحظة بعث رسوله الكريم موسى عليه السلام, تأكيدًا على أنه تعالى يمنح فرص التوبة لعبادة فرصة تلو الأخرى, لكنهم لم يحافظوا على العهود والمواثيق مع الله ولم يطيعوا وصاياه ولم ينفذوا أوامره ويجتنبوا نواهيه فكان عقابهم تدمير بيت المقدس/هيكلهم, وسبي بعضهم, وقتل بعضهم الآخر, وتشريد وشتات بعضهم الأخير في الأرض ونزع اختيارهم وتوريث كل ذلك للمسلمين.
د. سامي الإمام
أستاذ الديانة اليهودية
كلية اللغات والترجمة/جامعة الأزهر.
لكن لماذا أنزل الله عليهم المنّ؟ نقرأ ما ورد بالتوراة:
(وَهُنَاكَ فِي الصَّحْرَاءِ تَذَمَّرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى مُوسَى وَهَرُونَ، وَقَالُوا لَهُمَا: لَيْتَ الرَّبَّ أَمَاتَنَا فِي أَرْضِ مِصْرَ، فَهُنَاكَ كُنَّا نَجْلِسُ حَوْلَ قُدُورِ اللَّحْمِ نَأْكُلُ خُبْزاً حَتَّى الشَّبْعِ. وَهَا أَنْتُمَا قَدْ أَخْرَجْتُمَانَا إِلَى هَذِهِ الصَّحْرَاءِ لِتُمِيتَا كُلَّ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ جوعًا)!.
يقرّون بأنفسهم وبألسنتهم بأنهم كانوا متخمين من أكل الطعام في مصر يأكلون لحمًا وخبزًا حتى الشبع, وهو ما ينفي أنهم كانوا مضطهدين طيلة حقبة مكوثهم بمصر والتي امتدّت لـ 400 سنة.
وقد ورد ذكر المنّ في التوراة في سفر الخروج:
«هَا أَنَا أُمْطِرُ عَلَيْكُمْ خُبْزاً مِنَ السَّمَاءِ، فَيَخْرُجُ الشَّعْبُ وَيَلْتَقِطُ حَاجَةَ كُلِّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ، لِكَيْ أَمْتَحِنَهُمْ، فَأَرَى إنْ كَانُوا يَسْلُكُونَ فِي شَرِيعَتِي أَمْ لا. 5وَلَكِنْ لِيَكُنْ مَا يَلْتَقِطُونَهُ فِي الْيَوْمِ السَّادِسِ ضِعْفَ مَا يَجْمَعُونَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ». الخروج 16 / 4 -5
توضح الآيات التوراتية أن الله أمطر عليهم المنّ خبزًا من السماء وأوصت بأن يخرجوا لالتقاطه من على الأرض يومًا بيوم, وهذا القيد هو اختبار لهم كما يتبين من عبارة (فَأَرَى إنْ كَانُوا يَسْلُكُونَ فِي شَرِيعَتِي أَمْ لا)؟ وأنزل عليهم, في اليوم السادس, الجمعة, ضعف ما ينزله في كل يوم آخر, والسبب هو أن يجعلهم يخزنون منه ليوم السبت الذي أمروا أن يسْبٍتوا فيه أي؛ لا يعملون عملا قط, ولذا لم يكن المن ينزل فيه. وفهم بنو إسرائيل أيضًا من عدم نزول المن يوم السبت أن السبت راحة عند الرب أيضًا وانطبع في عقولهم الطابع المقدّس ليوم الراحةز
وعلى الرغم من ذلك خرج بعض منهم يوم السبت ليجمعوا المن فسأل الرب: إلى متى تأبون أن تحفظوا وصاياي وشرائعي؟
وحُذروا أيضًا من ادخار المنّ كما ذكرنا في الآيات السابقات, (ومع ذلك، فإِن بعضهم لم يسمع لموسى، بل أبقوا منْه للصباح، فتولَّد فيه دودٌ وأنتنَ).
وجاء أن المنّ لم يكن بالإمكان تخزينه وادخاره ليوم آخر لذلك أمروا بأكله في اليوم ذاته يوم نزوله لأنه يفسد بمجرد حلول المساء ويتغير طعمه بدرجة تجعله غير مستساغ للأكل, باستثناء ما ينزل في اليوم السادس من الأسبوع يوم الجمعة لأنه سيخزّن منه للسبت فلم يكن يفسد وهذه معجزة ربانية أخرى! وكان ما يتبقى على الأرض منه يذوب بمجرد اشتداد حرارة الشمس.
ولما كانت الكمية التي يجمعها كل فرد تتفاوت من فرد إلى فرد زيادة ونقصانًا بحسب نهمه في الجمع أو حالته الصحيّة أو إمكاناته الجسدية, أو ظروفه فقد جعل الله الكميات متساوية عند المكيال وهو ما يفهم من عبارة (وَلَكِنْ عِنْدَمَا كَالُوا بِالعُمِرِ (مكيال حجمه حوالي لترين ونصف اللتر) ما التقطوه، فإن المُكَثّر لم يَفضُل عنْه، والمُقلّ لم ينقُصْهُ شيء) خروج 16 / 18.
فمراد الله إذًا هو الخروج للجمع وبمعنى آخر الخروج للحصول على الرزق وستكفي جميع الأرزاق كثرت أو قلّت!
وأمّا عن شكله فكان رقيقًا كالقشور, وعن طعمه فكان كرقاق مغموس مدهون بالعسل, لكنه كان يميل إلى السيولة عن الصلابة, وقيل إن طعمه كان بحسب ما يريد الآكل منه!
وورد أن المنّ سمي في المزامير (خبز الملائكة) والمقصود بالمعنى الطعام أو الخبز الذي أعدّته الملائكة.
فكان المن هو طعام الصباح والنهار أمّا الليل فكان طعامه لحم السلوى وهو طائر حدده المفسرون بأنه طائر السمّاني, الآن حيث كان يغطّي محلة بني إسرائيل في المساء بأعداد كبيرة. واستمر هذا الطعام الرباني ينزل عليهم لمدة أربعين سنة منذ خروجهم من مصر مع موسى عليه السلام إلى أن وصلوا مشارف كنعان في جهة الشرق من نهر الأردن.
ومع كل تلك الرفاهية التي نعم بها بنو إسرائيل فقد كانوا يعصون الرب ويخالفون أوامره ويتحدّون رسوله. وكانت اختبارات بني إسرائيل وابتلاءاتهم كثيرة لأن الله أراد أن يمتحن إيمانهم بعد أن أظهر لهم قدرته وعظمتها وتعدد أشكالها فنجاهم من العبودية وعبر بهم البحر وأغرق فرعون وجنوده وأنزل ضربات مميتة بمصر, وغير ذلك كثير وكان يريد من ذلك جعلهم مؤمنين به وتأهيلهم للاختيار من بين كل تلك الشعوب الوثنية المحيطة بهم, لكنهم أبوا أن يثقوا في الرب إلا إذا كانوا يرون ويعاينون أدلّة ومعجزات وبراهين مستمرة على قدرته!
وعلى الرغم من أن الله يعرف طبيعتهم وطوياتهم وما بأنفسهم فقد استجاب لهم على مرّ مسيرتهم منذ لحظة بعث رسوله الكريم موسى عليه السلام, تأكيدًا على أنه تعالى يمنح فرص التوبة لعبادة فرصة تلو الأخرى, لكنهم لم يحافظوا على العهود والمواثيق مع الله ولم يطيعوا وصاياه ولم ينفذوا أوامره ويجتنبوا نواهيه فكان عقابهم تدمير بيت المقدس/هيكلهم, وسبي بعضهم, وقتل بعضهم الآخر, وتشريد وشتات بعضهم الأخير في الأرض ونزع اختيارهم وتوريث كل ذلك للمسلمين.
د. سامي الإمام
أستاذ الديانة اليهودية
كلية اللغات والترجمة/جامعة الأزهر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق