ترجع أهمية البقرة الحمراء, في اليهودية, إلى أن رمادها الذي يتبقى بعد حرقها تمامًا بطقوس معينة وردت في التوراة لا يجوز الحيد عنها قيد أنملة وإلا فالطقس باطل, يستعمل رمادها في إجراءات التطهر من النجاسات, وخاصة نجاسة الميت التي تعدّ من أخطر النجاسات, المسمّاه, أم النجاسات, وهى أعلاها درجة, وكل ذلك بتفاصيلة ورد بالتوراة, والمشنا, والجمارا. خاطب الرب موسى قائلا:
(قل لبني إسرائيل أن يأتوك ببقرة حمراء سليمة خالية من كل عيب، لم يَعلُها نيرٌ، فتعطونها لألعازار الكاهن، ليأخذها إلى خارج المخيّم وتُذبح أمامه..... وتُحرّق البقرة بجلدها ولحمها ودمها مع فرثها على مشهد منه،..... ويجمع رجلُ طاهر رماد البقرة ويلقيه خارج المخيّم في موضع طاهر، فيظل محفوظاً لجماعة إسرائيل لاِستخدامه في ماء التطهير). (سفر العدد 19: 1 – 10)
ولكن كيف يستخدم هذا الرماد الذي يحتفظ به خصيصًا لأغراض التطهُّر؛ في عمل ما يسمّى "ماء التطهّر من النجاسة", نقرأ نص التوراة في ذلك:
(فيأخذون للنجِس من غبار حريق (البقرة الحمراء)، ويصب عليه من ماء نبع جار في إناء. ويأخذ رجل طاهر أغصان الزوفا (اسم نبات عطري) ويغمسها في الماء، ويرشه على الخيمة وعلى جميع الأمتعة، وعلى كل من كان حاضراً هناك، وعلى الذي لمس العظم أو القتيل أو الميت أو القبر. ثم يرشّ الطاهر ماء التطهِير على النجس في اليوم الثالث, واليوم السابع، ويطهره في اليوم السابع. وعلى المتطهّر أن يغسل ثيابه ويستحمّ بماء فيصبِح طاهرًاً في المساء أما الذي يتنجّس ولا يتطهّر فيستأصل من بين الجماعة)
هذه هى طريقة التطهُّر. ويتضح من نهاية النص أن من لم يتطهر تطبق في حقه عقوبة الموت وهو المقصود بالاستئصال.
تواصُل الطهارة!
كان من الضروري أن يتم الاحتفاظ بجزء صغير من رماد آخر بقرة حمراء ليُخلط جيدًا برماد البقرة الجديدة حتى تتم عملية تواصل الطهارة للرماد الجديد.
ولذلك بذل الكيان الصهيوني جهدًا كبيرًا لمحاولة البحث تحت المسجد الأقصى ريثما يتم العثور على إناء أو زجاجة بها بقية رماد بقرة حمراء - في أنقاض الهيكل - بحسب زعمهم.
وبالمِشْنَا فصل يسمّى "البقرة" يبدأ فقراته بشروط بصلاحية البقرة لهذا الطقس, وإلى متى تظل تلك الصلاحية؛ فتبدأ صلاحيتها منذ بلوغ عمرها ثلاث سنوات. ويتناول الفصل كذلك خلاف الحاخامات حول صلاحية البقرة العِشار, أو البقرة المشتراة من غير اليهودي, والعيوب التي تجعل البقرة مرفوضة.
وجاء بالتلمود أن البقرة لابد أن تكون حمراء اللون تمامًا, وليس بشعرها أي تموجات, وحتى وجود شعرتين سوداوين في شعرها يجعلها غير صالحة لن تكون بقرة مقدسة.
ويعزل الكاهن المرشح للقيام بعملية الإحراق من بيته قبل إجراء الطقوس بسبعة أيام تمهيدًا واستعدادًا للعمل!
ويجب أن يكون هذا الكاهن طاهرًا تمامًا, فأي كاهن يلامس جثة يهودي أو يتصل بها, حتى ولو بطريق غير مباشر, يكون نجسًا. أما لو لامس جثة غيري (غير يهودي) فلا يتنجس لأن جثث الأغيار لا تسبب النجاسة لأنها لا قداسة لها!.
فإن تنجس كاهن أو أي يهودي وجب ان يتطهر من نجاسته بالطريقة التي وردت بالنصوص التوراتية.
فُقد رماد آخر بقرة حمراء طاهرة مع تدمير هيكل أورشليم على يد نبوخذ نصر البابلي سنة 586 ق.م ومنذ ذلك الحين واليهود جميعهم غير طاهرين, ولما كان لا يقوم بعملية إحراق البقرة إلا كاهن طاهر, فهى مشكلة يستحيل حلها؛ فلا توجد بقرة طاهرة تحمل شروط القداسة التي جاءت بالتوراة, ولا يوجد كاهن طاهر يقوم بالتطهير إن وجدت بقرة طاهرة.!!
إذن ما جدوى إعادة بناء هيكل في حين ليس هناك لا كاهن طاهر, ولا بقرة حمراء صالحة لعمل الرماد. ومن المعروف أن جميع طقوس الهيكل, والعبادة القربانية تعتمد على التطهر في المقام الأول بحسب الفكر التوراتي كما نرى.
وقد تأسس ما يسمّى "معهد الهيكل" عام 1987, ومهمته الأساسية هى الاهتمام بكل ما يتصل بالهيكل ونشر ذلك والترويج له بين جمهور الصهاينة ويهود العالم.
ويقوم المعهد بتصنيع أدوات للخدمة القربانية, ومعروف أن عددها 93 أدة, مشابهة لتلك التي كانت في هيكل أورشليم (الهيكل الأول 586 ق.م), كالمنارة الذهبية, ومذبح البخور, ومائدة خبز الوجوه, وحوض النحاس, وملابس الكهنة. وغير ذلك من كل ما يلزم لتجديد العبادة القربانية في حالة إعادة بناء الهيكل.
يقول أحد الإسرائيليين العلمانيين عن الهوس الذي تشيعه أخبار الإعلان عن بقرة حمراء :
"ليس لدى شكّ في أن ثلة الحاخامات المنوط بهم مراقبة إرهاصات ميلاد "بقرة حمراء" جديدة, وتشكيل لجان فحصها, وإجراءات العناية بها وكأنهم "لجنة دفاع وأمن" ستبت في حالة إعلان حرب طارئة, ليس لدى شك في أن ذلك كله ليس سوى دجل وشعوذة لا طائل من ورائه. وما هو إلا وسيلة ابتزاز وإهدار لملايين الشيقاليم, وهم يعلمون جيدًا أنهم يبحثون عن سراب"!!
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
في المنشور التالي سنناقش "العِجلة مكسورة العنق" مقارنة بالبقرة الصفراء التي ورد ذكرها بالقرآن الكريم
مراعاة لعدم إطالة المنشور. .
د. سامي الإمام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق