لم أقصد من عنوان هذا منشور التنويه " هل هناك جحا يهودي" المفهوم الضمني للسؤال, وإنما قصدت هل لشخصية جثحَا – بطرافتها وفكاهيتها في التراث العربي – مثيل في نتاج اليهود الأدبي؟ ولما كانت عوامل ظهور شخصيات مماثلة لشخصية جحا في بلدان مختلفة أهمها إرادة نقد الحاكم وإبلاغه رسالة في قالب فكاهي غير مباشر أقول لما كانت هذه الشخصية مهمة بالنسبة للعامة خاصة حين يكون الحاكم ظالمًا أو مستبدًا فكان من المفترض وجود شخصيات مثل جحا وطريقته عند اليهود أو بينهم لأنهم عاشوا كمواطنين من درجات دنيا في بلدان الشتات, وبالتالي تتوفر أسباب ظهور الشخصيات الجُحَويَّة في هذا المناخ.
من الشخصيات الموازية لشخصية جُحَا في المراجع اليهودية "هِرْشَالا" الذي كان شخصية حسيدية؛ زاهدة, فكاهية تعتمد على الطرائف والمُزح والألغاز والنوادر, عاش في أوكراينا في النصف الثاني من القرن ال 18. وقامت كشخصيته ذات طابع بدوي نسب لها نكات كثيرة.
وود بالكتابات التي تتناول سيرة هِرْشالا أن له نماذج أخرى تميزت سيرتهم بالطرافة والفكاهة في مناطق أخرى مثل "جُحا" في بلدان الشرق؟! و"أفيلنشفيجل" في شرق أوربا, و"فيكالا" في رومانيا لكن قيل مع ذلك إنه لا يمكن اعتبار هذه الشخصيات حقيقة.
كان هرشالا من اتباع "رابي باروخ" وكانوا يستمتعون بطرائفه وحرص هو على ذلك لأنه كان يوافقهم على آرائهم التي تعرض عليه بشكل فكاهي.
إن أسلوب هرشالا الفكاهي جعله يتعايش مع شخصيات الأغنياء والأعيان واللصوص في آن. وكان مناصرًا لليهود ووقف ضد كل من يلِّمح في آرائه أو في سلوكه برغبته في إيذائهم.
ويوصف جحا في الكتابات العبرية بالحكيم الأحمق, بالضبط مثل هِرْشَالا, ويعدّونه حكيمًا عربيًا يُلبِس حكمته ثوب الحماقة!
ومن الشخصيات الموازية لجحا في التلمود "جبيها بن بسيسا", وهو حكيم يهودي عاش في زمن شمعون الصدِّيق في عصر البيت الثاني, وبحسب التلمود مثَّل اليهود في لقاء جدلي مع أفارقة وعرب تم في حضور الإسكندر الأكبر. ويذكر في تفسير لسفر التكوين (برشيث ربّا) باسم "جفيعا ابن الساحر", وسمي أيضًا في معجم مصطلحات التلمود والمدراشيم باسم جفيعا (التي تعني مرتفع لأنه ذُكر على لسان خصومه بالأحدب)!
يقول دكتور مئير, المهتم بدراسة الفكاهيات إن حكاية الطرائف والفكاهة تعدّ مركبًا أساسيًا مشيرًا للإيجانية في جهاز مناعة الشعب المختار والمطارد! في حين يقول "موطي بن ياسي", المهتم بالموضوع أيضًا: تجد الفكاهة لدى اليهود الشرقيين في الناس ابتداءً بالناس العاديين وحتى كبار الحاخامات, وإن الطرفة اليهودية عابرة للحدود وتجدها كوجبة غذاء شهية بعد إضافة بعض التوابل المحليّة والمشهيات.
ولمكانة فن الطرائف والنوادر والنكات كان عالم النفس الشهير "زيجموند فرويد" قد ألف عنها كتابًا عنوانه "الطرائف والنوادر والنكات وعلاقتها باللاوعي"!
............................................................
وبذلك أكون قد فتحت بابًا لبحث جديد يحتاج إلى مزيد من الدراسة والفحص والتتبع فعلى أبنائنا الدارسين عدم إهمال هذا الجانب في حياة تلك الشعوب القديمة خاصة اليهود لأنهم استفادوا من التراث العربي وصاغوا على منواله في شتى فروع الحياة.
د. سامي الإمام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق