السبت، 19 نوفمبر 2016

يوسف يأمر الأطباء أن يحنّطوا أباه #יוסף_מצווה_את_הרופאים_לחנוט_את_אביו


على الرغم من أن التحنيط يتعارض مع أصول الشريعة اليهودية لأنه يقتضي نزع الأعضاء الداخلية لجسم الإنسان؛ كالكبد والرئتين, والكليتين والمعدة والأمعاء, التي تتعفَّن وتُعجّل بتحلل بقية الأعضاء, إلا أن الشريعة ترى في ذلك خصمًا من الجسد وهو ما يعدّ إهانة وازدراء له! ومع ذلك نفّذ بنو يعقوب/إسرائيل وصية الآب الذي كان أوصاهم بدفنه في "مغارة المكفيلة" التي اشتراها الجد الأكبر إبراهيم عليه السلام لتكون مقبرة له وللعائلة.

يجدر التذكير بأن يعقوب عليه السلام لم يأمرهم بتحنيط جسده بل برغبته في نقل جسده من مصر إلى كنعان/فلسطين ليدفن هناك, ومن جانب آخر لا نعرف كيف حَنط بنو يعقوب أباهم وهو نبي ونعرف أن الأنبياء لا خوف عليهم من أن تأكل الأرض أجسادهم مصداقًا لما ورد في الحديث الشريف:
"حرم الله تعالى على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء" . وبقوله : "المؤذن المحتسب كالمتشحِّط في دمه "المتشحط : هو المتمرغ المضطرب. وظاهر هذا: أن الأرض لا تأكل أجساد الشهداء. أيضًا.
ماذا قال يعقوب عليه السلام لأبنائه في وصيته:
(قَريبًا أنضَمّ إلى آبائي، فادفنُونِي إلى جوارهم في مغارة حقل عفرون الحِثِّي. التي في حقل المكْفيلة في أرض كنعان (في مدينة الخليل الآن)، التي اشتراها إبراهيم مع الحقل من عفرون الحثِّيّ لتكون مدفَنًا خاصَّا). 
ويبدو أن يعقوب عليه السلام كان يشعر بدنوّ أجله لذلك يتابع النصّ:
(ولمّا فرغ يعقوب من توصية أَبنائه تمدَّد على سريره، وضمَّ رجلَيْه معًا، ثم أَسلم روحهُ ولحِقَ بآبائِه).
حينئذ َ(ألقى يوسف بنفسه على جُثمان أبيه، وبكى وقَبَّلَه. ثم أمر يوسف عبيدَهُ الأطبّاء أن يُحنِّطوا أبَاه).
لو لاحظنا عبارة (أمر يُوسُفُ عَبِيدَهُ الأَطِبَّاءَ أَنْ يُحَنِّطُوا أَبَاهُ.), سنتساءل هل كان (عبيد يوسف), الذين يصفهم النصّ بأنهم أطباء, ليقوموا بمهمة التحنيط, من المصريين أم من بني قومه؟ ومعروف أن التحنيط فن برع فيه المصريون القدماء. 
وكان أخوة يوسف قد أخطأوا في حقه وأذنبوا, فلما مات الأب يعقوب خافوا من انتقامه فبعثوا إليه رسولا يطلبون الصفح عنهم, نقرأ النص:
(لقد أَوصى أَبوك قبل موته وقال: هكذا تقولون ليوسف: اغفر لإخوتك ذنبهم وخطيئتهم، فإنّهم قد أساءوا إليك. فالآن اصفح عن إثم عبيد إله أبيك". فلمّا بلغته رسالتهم بكى يوسف. وجاء إخوتُه أيضًا وانطرحوا أمامه وقالوا: ها نحن عبيدك". فقال لهم: لا تخافوا: هل أنا أقوم مقام الله؟ أنتم نويتم لي شرًّا، ولكن الله قصد بالشَّرّ خيرًا، لينجز ما تم اليوم، لإحياء شعب كثير. لذلك لا تخافوا، فأنا أعولكم أنتم وأولادكم". فطمأنهم وهدّأ روعَهم).
يذكرنا هذا الموقف النبيل من يعقوب لأخوته والصفح عنهم بموقف رسولنا الكريم محمد صلوات الله وسلامه عليه, بعد ذلك, حين عفا عن كفار مكة بقوله: يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم قالوا خيرًا أخ كريم وبن أخ كريم قال اذهبوا فانتم الطلقاء. هكذا هى عظمة الأنبياء!
نعود لتنحنيط يعقوب عليه السلام, فقد ورد في التفاسير اليهودية أن سبب طلب التحنيط هو أن أرض مصر وأرض كنعان (فلسطين) تأكل الأجساد بمعدل أسرع من أية أرض أخرى! فكانت ضرورة لتحنيط الجسد خاصة أن مكان الدفن بعيد.
استمرّت عملية التحنيط بالطريقة المذكورة بالنصّ أربعين يومًا وهى الزمن اللازم لإجراءته بحسب ما ذكر. 
ناح المصريون على فراق يعقوب سبعين يومًا وبعد ذلك توجّه يوسف إلى بيت فرعون قائلا: (إِن كنت قد حظيت برضاكم، فتكلّموا في مسامع فرعون قائلين: لقد استحلفني أَبي وقال: أَنا مشرف على الموت، فادفنّي في القبر الّذي حفرته لنفسي في أرض كنعان، فاسمح لي الآن بأن أمضي لأدفن أبي ثم أعود". فقال فرعون: امض وادفن أبَاك كما استحلفك).
خرج يوسف وأهل بيته وأقربائهم جميعًا ولم يتركوا خلفهم سوى صغارهم وممتلكاتهم من الأغنام وقطعان الماشية, وصاحبت يوسف أيضًا مركبات وفرسان فكانوا موكبًا عظيمًا . 
بعد الوصول إلى مكان يدعى "حقل أطاد" الواقع بالقرب من مدينة أريحا, أقام يوسف وركب جنازة أبيه يعقوب مناحة/عزاء لمدة سبعة أيام ناحوا فيها نوحًا مريرًا – كما يصف النص – ويصف نصّ التوراة هذه الجنازة بـ "مناحة هائلة للمصريين", وهذا يدل قطعًا ودون مبالغة على أن أعداد المصريين في هذه المناسبة كانت كبيرة جدًا بالدرجة التي لم يكن للإسرائيليين بجوارها أي ذكر وهو ما يفهم منى عبارة قالها الكنعانيون حين رأوا هذا المشهد:
(وعندما شاهد الكنعانيّون الساكنون هناك المَناحةَ في بَيْدر أَطاد قالوا: «هذه مناحةٌ هائلةٌ للمصريّين». وسمّوا المكان الّذي في عبر الأُردُنّ «آبِل مصرايم» (ومعناه: منَاحة المصريّين).
نُقل جسد يعقوب بعد ذلك إلى حيث مغارة المكفيلة التي دفن بها الآباء؛ إبراهيم و وزوجته سَارَة، ثم إِسحق وزوجته رِفْقة، وأيضًا دفنت ليْئَةَ إحدى زوجات يعقوب الأربع؛ راحيل وليئة وزُلفة وبلهة. ودفن يعقوب إلى جوار آبائه كما أوصى. 
لكن المصادر اليهودية تتكلم عن نوع آخر من وسائل التحنيط دون نزع أعضاءه الداخلية التي ترى الشريعة اليهودية حرمة نزعها من الجسد الميت, فاستخدم ما يسمّى "زيت المسحة" وهو خليط من زيت الزيتون والعطور الطيارة, له صفة القداسة لأن وصفته جاءت بالتوراة لمسح كبار الكهنة والملوك وأدوات الخدمة المقدسة. يوضع هذا الزيت على موضع السرَّة من الجسد فيتسرّب ببطء إلى داخله واصلا إلى جميع الأعضاء, ويدهن خارج الجسد أيضًا بهذا الزيت وبهذه الطريقة يعيش الجسد أزمانًا طويلة.
وأرى أن هذه الطريقة إنما وصفت لتحاشي تطبيق تحنيط الفراعنة على الإسرائيليين حيث تحرمه الشريعة اليهودية. ولم تطبّق لا على يعقوب ولا على يوسف من بعده عليهما السلام.
وهكذا رأينا كرم المصريين وتعاملهم مع الآخر وتكريمه وبذل المعروف وتقديم العون له في وقت الشدائد ومشاركته أحزانه ومواساته وهو ما يدعونا للتساؤل والاستغراب إذا كان المصريون بهذه الأخلاق العظيمة والتفاني في عون الآخر الإسرائيلي فلماذا أمر الرب الإسرائيليين بسلب ذهب المصريين عند الخروج!؟؟ 
د. سامي الإمام
أستاذ الديانة اليهودية
كلية اللغات والترجمة/جامعة الأزهر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق