السبت، 19 نوفمبر 2016

آسَاف بن بركِيَّاهو وسليمان وملكة سبأ/مكيدا!!


يعدّ آساف بن بركيَّاهو أحد شخصيات كتاب "العهد القديم", وما جعلني أهتم بتتبع سيرته هو إجماع المفسرين المسلمين لقصة الإتيان بعرش سبأ في سورة النمل, تقريبًا, على أن (الذي عنده علم من الكتاب) هو آصف/آساف بن بركياهو هذا! 
فآسَاف, كما تذكر المصادر اليهودية, ينحدر من سبط لفي/لاوي الذي يأتي منه الأنبياء والكهنة واللاويون, وكان رئيس المغنيين وينسب إليه تأليف اثني عشر مزمورًا بكتاب المزامير.
 كان ممّن أسهم في إصعاد "تابوت عهد الرب" إلى مدينة القدس/أورشليم في زمن الملك داود (1040 - 970 ق.م). يرد اسمه في سفر (أخبار الأيام). ويوصف "آساف" بأنه من يقف عن يمين هيمان. كما يأتي ذكره أيضًا عند تدشين هيكل سليمان (957 ق.م), وربما تكرر ذكره للتأكيد على أن عائلة هيمان بدأت ببيت قهات اللاوي.
يبدو من ترتيب سلسلة المغنيين الذين ظهروا في قصة وضع تابوت عهد الرب في أورشليم أن الملك داود عيَّن آساف ليتولى مهمة مدح الرب والثناء عليه. ولأهمية وظيفته وردت سيرته في هذا الكتاب الذي يحمل صبغة تاريخية. 
وصف آسَافَ بأنه (الْمُتَنَبِّيءِ فِيِ حَضْرَةِ الْمَلِكِ), وعلى ذلك فهو أول من عينهم الملك داود لقيادة هذه الفرقة من بين ثلاثة ينتمون إلى سبط لاوي؛ هم آسَافَ وَهَيْمَانَ وَيَدُوثُونَ.. وآساف هو معلّم حكمة الغناء والإنشاد ولذا وبالنظر إلى عبارة (المتنبّيء في حضرة الملك) عدَّت أناشيد سفر المزامير من قبيل التنبوءات. كما وُصف آساف بالرائي, وهو وصف للأنبياء. وفي زمن العودة من السبي البابلي أسهم بنو آساف في تدشين الهيكل الثاني. وكانوا يخدمون في الهيكل كمغنيين.
وجاء في كتاب "عزرا": وَقَفَ اللاَّوِيُّونَ مِنْ بَنِي آسَافَ حَامِلِينَ الصُّنُوجَ لِتَسْبِيحِ الرَّبِّ، وَفْقاً لِمَا رَتَّبَهُ دَاوُدُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ، وَتَرَنَّمُوا بِالتَّسْبِيحِ وَالْحَمْدِ لِلرَّبِّ.
جدير بالذكر اختلاف تفاصيل قصة الملك سليمان وملكة سبأ المقرائية عن الرواية القرآنية اختلافًا كبيرًا, وسنذكر هنا نصّ القصة كما جاءت في سفر"اخبار الأيام", لنتعرف على ملامحها الرئيسية:
(وَعِنْدَمَا بَلَغَتْ أَخْبَارُ سُلَيْمَانَ وَإِعْلاَئِهِ لاِسْمِ الرَّبِّ مَسَامِعَ مَلِكَةِ سَبَأَ، قَدِمَتْ لِتُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْئِلَةً عَسِيرَةً، 2فَوَصَلَتْ أُورُشَلِيمَ فِي مَوْكِبٍ عَظِيمٍ جِدّاً، وَجِمَالٍ مُحَمَّلَةٍ بِأَطْيَابٍ وَذَهَبٍ وَفِيرٍ وَحِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ، وَأَسَرَّتْ إِلَيْهِ بِكُلِّ مَا فِي نَفْسِهَا. 3فَأَجَابَ سُلَيْمَانُ عَنْ كُلِّ أَسْئِلَتِهَا، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْجِزَ عَنْ شَرْحِ شَيْءٍ. 4وَلَمَّا رَأَتْ مَلِكَةُ سَبَأَ كُلَّ حِكْمَةِ سُلَيْمَانَ، وَشَاهَدَتِ الْقَصْرَ الَّذِي شَيَّدَهُ، 5وَمَا يُقَدَّمُ عَلَى مَائِدَتِهِ مِنْ طَعَامٍ، وَمَجْلِسَ رِجَالِ دَوْلَتِهِ، وَمَوْقِفَ خُدَّامِهِ وَمَلاَبِسَهُمْ، وَسُقَاتَهُ وَمُحْرَقَاتِهِ الَّتِي كَانَ يُقَرِّبُهَا فِي بَيْتِ الرَّبِّ، اعْتَراهَا الذُّهُولُ الْعَمِيقُ، 6فَقَالَتْ لِلْمَلِكِ: «إِنَّ الأَخْبَارَ الَّتِي بَلَغَتْنِي فِي أَرْضِي عَنْ أُمُورِكَ وَحِكْمَتِكَ هِي حَقّاً صَحِيحَةٌ. 7وَلَمْ أُصَدِّقْهَا فِي بَادِيءِ الأَمْرِ حَتَّى جِئْتُ وَشَاهَدْتُ، فَوَجَدْتُ أَنَّ مَا بَلَغَنِي لاَ يُجَاوِزُ نِصْفَ الْحَقِيقَةِ، فَقَدْ رَأَيْتُ أَنَّ حِكْمَتَكَ وَصَلاَحَكَ يَزِيدَانِ عَمَّا سَمِعْتُهُ مِنْ أَخْبَارِكَ. 8فَطُوبَى لِرِجَالِكَ وَطُوبَى لِخُدَّامِكَ الْمَاثِلِينَ دَائِماً فِي حَضْرَتِكَ يَسْمَعُونَ حِكْمَتَكَ. 9فَلْيَتَبَارَكِ الرَّبُّ إِلَهُكَ الَّذِي سُرَّ بِكَ، وَأَجْلَسَكَ عَلَى عَرْشِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُ بِفَضْلِ مَحَبَّتِهِ الأَبَدِيَّةِ لإِسْرَائِيلَ قَدْ أَقَامَكَ مَلِكاً لِتُجْرِيَ الْعَدْلَ وَالْبِرَّ». 10وَأَهْدَتِ الْمَلِكَ مِئَةً وَعِشْرِينَ وَزْنَةً (حوالي أربعة أطنان ونصف الطن) مِنَ الذَّهَبِ وَأَطيَاباً كَثِيرَةً وَحِجَارَةً كَرِيمَةً، فَكَانَتِ التَّوَابِلُ الَّتِي أَهْدَتْهَا مَلِكَةُ سَبَأَ لِلْمَلِكِ سُلَيْمَانَ مِنَ الْوَفْرَةِ بِحَيْثُ لَمْ يُجْلَبْ مِثْلُهَا فِي مَا بَعْدُ. 11وَجَلَبَتْ أَيْضاً سُفُنُ حِيرَامَ الَّتِي حَمَلَتِ الذَّهَبَ مِنْ أُوفِيرَ، خَشَبَ الصَّنْدَلِ بِكَمِّيَاتٍ وَافِرَةٍ جِدّاً وَحِجَارَةً كَرِيمَةً، 12فَصَنَعَ سُلَيْمَانُ مِنْ خَشَبِ الصَّنْدَلِ دَرَابَزِيناً لِهَيْكَلِ الرَّبِّ وَلِلْقَصْرِ، كَمَا صَنَعَ مِنْهُ أَعْوَاداً وَقِيثَارَاتٍ. وَلَمْ يُرَ وَلَمْ يُجْلَبْ حَتَّى الْيَوْمِ مِثْلُ خَشَبِ الصَّنْدَلِ ذَلِكَ لِكَثْرَتِهِ. 13وَأَعْطَى الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ مَلِكَةَ سَبَأَ كُلَّ مَا رَغِبَتْ فِيهِ، فَضْلاً عَمَّا أَهْدَاهُ إِلَيْهَا وَفْقاً لِكَرَمِهِ. ثُمَّ انْصَرَفَتْ هِيَ وَحَاشِيَتُهَا إِلَى أَرْضِهَا). 10 / 1 - 13
فهنا لم يذكر شيئ عن كتاب سليمان الذي حمله الهدهد؟ ولا عن عرش ملكة سبأ ولا عن عفريت الجنّ الذي عرض أن يأتي به قبل أن يقوم سليمان من مكانه, ولا عن (الذي عنده علمُ من الكتاب) فوُجد مستقرًا أمام سليمان, ولا عن خبر موته الذي فاجأ الجنّ! حين خرّ بسبب القرضة التي أكلت منسأته (عصاه). وغير ذلك مما نخرج به من قراءة التفاسير القرآنية واجتهادات المفسرين في شأن هذا الموضوع. 
بحسب كتاب "كَبَر نجست" الذي يهتم بعلاقة قياصرة إثيوبيا من العائلة السليمانية, والذي قيل إن ملكة سبأ كانت تحكم اليمن وإثيوبيا أيضًا في تلك الحقبة الزمنية, جاء فيه هذه الرواية! 
بلغ مسامع ملكة سبأ عن سليمان من تاجر وصاحب فُلك يعمل بالبحر اسمه "طمرين",. حكى طمرين لملكة سبأ, التي كانت تسمّى "مكيدا", عن حكمة سليمان وثرواته الطائلة. عزمت الملكة على زيارة سليمان, ذلك الحكيم الذي طبقت شهرته الآفاق, فجمعت ما يمكنها حمله من النفائس والثروات, والمختارات, والأطياب والبخور, واختارت كذلك 6000 من أجمل الفتيان والفتيات وألبستهم حلل الملوك لمرافقتها في زيارتها. 
أرسلت مكيدا رسالة إلى سليمان تبلغه أن رحلتها إلى مملكته ستستغرق حوالي 3 سنوات. وحين وصلت إلى أورشليم كان سليمان يقيم في مقصورة بقصره المنيف, وحسبت أنها محاطة بالماء فرفعت الملكة طرف ثوبها ما جعل الملك سليمان يضحك من فعلها. 
تستمر القصة الإثيوبية في "كبر نجست" في سرد تفاصيل ما حدث بينهما: 
دعا الملك سليمان ملكة سبأ؛ مكيدا على مأدبة أقامها على شرفها قبل مغادرتها قصره بيوم واحد عائدة إلى مملكتها, وطلب إلى خدمه أن تقدَّم إليها أطعمة متبّلة تصيبها بعطش شديد. 
وبعد انتهاء مراسم المأدبة دعا الملك الملكة لتقضي ليلتها الأخيرة قبل السفر في قصره, ووعدها بألا يمسَّها بشرط ألا تطلب منه أو من قصره أي شيء. لكن الملكة مكيدا استيقظت في جوف الليل شاعرة بعطش شديد بسبب الطعام المتبذضل بالحار الذي تناولته في مأدبة الملك. 
وبدات تبحث عن ماء يروي ظمأها في قصر الملك ولما عثرت على جرة ماء تناولتها وروت عطشها منها, وهنا برز الملك لها فجأة من مخبأ له, وحدثها زاعمًا أن الماء هو أغلى الأشياء في مملكته وعليها أن تدفع ثمنه!! 
ضحكت الملكة من خدعة سليمان واستجابت لطلبه بأن يكمل ليلته معها!!, كان ثمرة هذه الليلة حمل, قدم لها سليمان خاتمه على أن تعطيه لابنهما من هذا اللقاء حين يخرج للحياة وحتى يتمكن سليمان من التعرّف عليه في المستقبل. عادت ملكة سبأ مع عائلتها لسبأ وأنجبت في الطريق ابنهما (منليك), اسم يعني "أبن الملك"! 
يتبع
د. سامي الإمام

هناك تعليقان (2):

  1. هل يعقل بأن هيكل سليمان كان عبارة عن تمثال لجسم سليمان مصنوع من ذهب او معادن اخرى ويحتوي على غرف ونوافذ وابواب ..ولا يبدو للناظر من اول وهلة بانه يشبه وجه وجسم سليمان ..
    وانما يتطلب رؤيته من زاوية خاصة ..وكذلك عرش بلقيس فهو تمثال لجسم او لراس ووجه بلقيس ..

    ردحذف
  2. ربنا يرحمك يادكتور سامي ..ياليتني تعرفت عليك قبل موتك ..

    ردحذف