العصمة لغة هى المنع والوقاية والحماية, واصطلاحًا هى قوّة باطنية تمنع الإنسان من الخطأ مع قدرته على فعله.
قبل الحديث عن عصمة الأنبياء, في اليهودية, نوضح المقصود بالعصمة, خاصة أن الأنبياء هم صفوة البشر, وهم الواسطة التي جعلها الله بينه تعالى وبين خلقه, للقيام بتبليغ رسالاته وشرائعه, وهم مأمورون بالتبليغ, إذا ما المقصود بعصمتهم؟ ومن ماذا بالضبط؟
هم مأمورون بالتبليغ عن الله تعالى مع كونهم بشرًا, لذا فالأمر في الكلام عن عصمتهم يكون في أمرين:
الأول: عصمة في تبليغ الرسالات.
الثاني: عصمة من الأخطاء البشريه.
وباختصار شديد فإنهم مأمورون بتبليغ رسالات الله إلى البشر, فلا يكتمون شيئًا من الوحي, ولا يزيدون شيئًا ولا ينقصون, فالنبي – صلى الله عليه وسلم – هو أمين أهل السماء، وأهل الأرض، الذي بلغ رسالات ربه، البلاغ المبين. وهو في آداء هذه المهمة معصوم من الله لم يخطيء, لا في كبيرة ولا صغيرة.
وقد أجمع المسلمون قاطبة على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من الخطأ فيما يبلغونه عن الله عز وجل، قال تعالى, في شأن سيد الأنبياء والمرسلين والبشر :
" والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى " النجم /1-5 ).
فالأنبياء عليهم صلوات الله وتسليماته معصومون في كل ما يبلغوا عن الله قولاً وعملاً وتقريراً، وهذا لا نزاع فيه بين أهل العلم.
وقد اتفقت الأمة على أن الرسل معصومون في تحمل الرسالات، فلا ينسون شيئا مما أوحاه الله إليهم، إلا شيئا قد نُسخ، أو شيئاً أراد الله أن ينسيهم إياه. كما خاطب النبي صلى الله عليه وسلم, قال تعالى :
" سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله " الأعلى /6-7
وبالنسبة للأنبياء كبشر يصدر منهم الخطأ، فهو على حالات :
• كبائر الذنوب لا تصدر من الأنبياء أبدًا وهم معصومون منها، سواء قبل بعثتهم أم بعدها.
• أما صغائر الذنوب فربما تقع منهم أو من بعضهم، ولهذا ذهب أكثر أهل العلم إلى أنهم غير معصومين منها، وإذا وقعت منهم فإنهم لا يُقرون عليها بل ينبههم الله تبارك وتعالى عليها فيبادرون بالتوبة منها .
والدلائل على وقوع الصغائر منهم كثيرة, نذكر منها:
قوله تعالى عن آدم:
(وعصى آدم ربه فغوى* ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى) (سورة طه /الآيات 121-122).
وهذا دليل على وقوع المعصية من آدم، وعدم إقراره عليها، مع توبته إلى الله منها .
قوله تعالى " قال هذا من عمل الشيطان إنه عدوٌ مضلٌ مبين* قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم " (سورة القصص/15- 16).
فموسى – عليه الصلاة والسلام - اعترف بذنبه وطلب المغفرة من الله بعد قتله المصري، وقد غفر الله له ذنبه .
وهذا نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - يعاتبه ربه سبحانه وتعالى:
-قوله تعالى: "يا أيها النبي لم تحرِّم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم " (سورة التحريم/الآية1)
عصمة الرب والأنبياء في اليهودية
***************************
أما بالنسبة إلى اليهودية فالأمر مختلف؛ وإذا عرفنا أن الرب أو الخالق نفسه يتصف بصفات تحول بينه وبين عصمة الإله وما يجب أن تكون عليه فعند ذلك سيكون المبرر لأخطاء الأنبياء مقبولا – خاصة حين نقرأ, أن نبيًا يرتكب الكبائر, أو أن الرب يأمر نبيًا بزواج امرأة زانية!؟
ومن صفت الرب في التوراة أنه يتعب, ويرجع في قراراته, ويندم, ويزفر كامرأة في مخاض, وغير ذلك, ومنه:
فورد أن الله عز وجل تعب من خلق السموات والأرض، فاستراح في اليوم السابع، فقد ورد في ما نصه:
• "وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل، فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل". (سفر التكوين) (2/2)
• "لأنه في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض، وفي اليوم السابع استراح وتنفس". وفي (سفر الخروج) (31/17) قالوا:
وقد ردَّ الله عزَّ وجلَّ عليهم وبيَّن بطلان قولهم هذا في قوله عزَّ وجلَّ: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } [ق: 38].
ويرجع فيما كان توعّد به, حين يأمره موسى بالرجوع عما كان قد قرره!:
• ارْجِعْ عَنْ حُمُوِّ غَضَبِكَ وَلاَ تُوْقِعْ هَذَا الْعِقَابَ بِشَعْبِكَ. 13اذْكُرْ وُعُودَكَ لِعَبِيدِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحقَ وَإِسْرَائِيلَ الَّذِينَ أَقْسَمْتَ لَهُمْ بِنَفْسِكَ قَائِلاً: أُكَثِّرُ نَسْلَكُمْ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، وَأَهَبُكُمْ جَمِيعَ هَذِهِ الأَرْضِ الَّتِي وَعَدْتُ بِهَا فَتَمْلِكُونَهَا إِلَى الأَبَدِ». 14فَتَرَاءَفَ الرَّبُّ وَلَمْ يُوْقِعْ بِشَعْبِهِ الْعِقَابَ الَّذِي تَوَعَّدَ بِهِ. (سفر الخروج 32 : 12 – 14).
ولا يعلم أماكن آدم وحواء!:
• وسمعا صوت الرب الإله ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة فنادى الرب الإله آدم، وقال له: أين أنت؟ فقال: سمعت صوتك في الجنة فخشيت؛ لأني عريان فاختبأت) (سفر التكوين 3 : 8)
ويزفر كامرأة في مخاض:
• ) لَكَمِ اعْتَصَمْتُ بِالصَّمْتِ، وَلَزِمْتُ السَّكِينَةَ وَلَجَمْتُ نَفْسِي. أَمَّا الآنَ فَأَنَا أَصِيحُ وَأَزْفِرُ كَامْرَأَةٍ تُقَاسِي مِنَ الْمَخَاضِ) (أشعيا 42 : 14 – 15)
ولعلّه نائم فيستيقظ!
جاء على لسان النبي إلياهو:
(أدعوا بصوت أعلى فهو حقًا إله لعلّه مستغرق في التأمّل, أو في خلوة أو في سفر, أو لعلّه نائم فيستيقظ).
ويأمر الله نبيًا بزواج زانية :
• (وَأَوَّلُ مَا خَاطَبَ الرَّبُّ بِهِ هُوشَعَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: «اذْهَبْ وَتَزَوَّجْ مِنْ عَاهِرَةٍ، تُنْجِبُ لَكَ أَبْنَاءَ زِنًى، لأَنَّ الأَرْضَ قَدْ زَنَتْ إِذْ تَرَكَتِ الرَّبَّ) (سفر هوشع 1 : 2)
هذه الأمثلة هى قليل من كثير, وعند المعتنقين لهذه العقيدة تفسيرات مقنعة, لهم, بحجة ما يسمّى التفسير الرمزي, لكن لو ذهبنا إلى أخطاء أخرى كثيرة أو هى – حتى الآن – في نظرنا أخطاء حسابية وغير حسابية فهل تحلّها أو تبررها التفسيرات الرمزيَّة؟
يتبع
د. سامي الإمام
قبل الحديث عن عصمة الأنبياء, في اليهودية, نوضح المقصود بالعصمة, خاصة أن الأنبياء هم صفوة البشر, وهم الواسطة التي جعلها الله بينه تعالى وبين خلقه, للقيام بتبليغ رسالاته وشرائعه, وهم مأمورون بالتبليغ, إذا ما المقصود بعصمتهم؟ ومن ماذا بالضبط؟
هم مأمورون بالتبليغ عن الله تعالى مع كونهم بشرًا, لذا فالأمر في الكلام عن عصمتهم يكون في أمرين:
الأول: عصمة في تبليغ الرسالات.
الثاني: عصمة من الأخطاء البشريه.
وباختصار شديد فإنهم مأمورون بتبليغ رسالات الله إلى البشر, فلا يكتمون شيئًا من الوحي, ولا يزيدون شيئًا ولا ينقصون, فالنبي – صلى الله عليه وسلم – هو أمين أهل السماء، وأهل الأرض، الذي بلغ رسالات ربه، البلاغ المبين. وهو في آداء هذه المهمة معصوم من الله لم يخطيء, لا في كبيرة ولا صغيرة.
وقد أجمع المسلمون قاطبة على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من الخطأ فيما يبلغونه عن الله عز وجل، قال تعالى, في شأن سيد الأنبياء والمرسلين والبشر :
" والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى " النجم /1-5 ).
فالأنبياء عليهم صلوات الله وتسليماته معصومون في كل ما يبلغوا عن الله قولاً وعملاً وتقريراً، وهذا لا نزاع فيه بين أهل العلم.
وقد اتفقت الأمة على أن الرسل معصومون في تحمل الرسالات، فلا ينسون شيئا مما أوحاه الله إليهم، إلا شيئا قد نُسخ، أو شيئاً أراد الله أن ينسيهم إياه. كما خاطب النبي صلى الله عليه وسلم, قال تعالى :
" سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله " الأعلى /6-7
وبالنسبة للأنبياء كبشر يصدر منهم الخطأ، فهو على حالات :
• كبائر الذنوب لا تصدر من الأنبياء أبدًا وهم معصومون منها، سواء قبل بعثتهم أم بعدها.
• أما صغائر الذنوب فربما تقع منهم أو من بعضهم، ولهذا ذهب أكثر أهل العلم إلى أنهم غير معصومين منها، وإذا وقعت منهم فإنهم لا يُقرون عليها بل ينبههم الله تبارك وتعالى عليها فيبادرون بالتوبة منها .
والدلائل على وقوع الصغائر منهم كثيرة, نذكر منها:
قوله تعالى عن آدم:
(وعصى آدم ربه فغوى* ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى) (سورة طه /الآيات 121-122).
وهذا دليل على وقوع المعصية من آدم، وعدم إقراره عليها، مع توبته إلى الله منها .
قوله تعالى " قال هذا من عمل الشيطان إنه عدوٌ مضلٌ مبين* قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم " (سورة القصص/15- 16).
فموسى – عليه الصلاة والسلام - اعترف بذنبه وطلب المغفرة من الله بعد قتله المصري، وقد غفر الله له ذنبه .
وهذا نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - يعاتبه ربه سبحانه وتعالى:
-قوله تعالى: "يا أيها النبي لم تحرِّم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم " (سورة التحريم/الآية1)
عصمة الرب والأنبياء في اليهودية
***************************
أما بالنسبة إلى اليهودية فالأمر مختلف؛ وإذا عرفنا أن الرب أو الخالق نفسه يتصف بصفات تحول بينه وبين عصمة الإله وما يجب أن تكون عليه فعند ذلك سيكون المبرر لأخطاء الأنبياء مقبولا – خاصة حين نقرأ, أن نبيًا يرتكب الكبائر, أو أن الرب يأمر نبيًا بزواج امرأة زانية!؟
ومن صفت الرب في التوراة أنه يتعب, ويرجع في قراراته, ويندم, ويزفر كامرأة في مخاض, وغير ذلك, ومنه:
فورد أن الله عز وجل تعب من خلق السموات والأرض، فاستراح في اليوم السابع، فقد ورد في ما نصه:
• "وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل، فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل". (سفر التكوين) (2/2)
• "لأنه في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض، وفي اليوم السابع استراح وتنفس". وفي (سفر الخروج) (31/17) قالوا:
وقد ردَّ الله عزَّ وجلَّ عليهم وبيَّن بطلان قولهم هذا في قوله عزَّ وجلَّ: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } [ق: 38].
ويرجع فيما كان توعّد به, حين يأمره موسى بالرجوع عما كان قد قرره!:
• ارْجِعْ عَنْ حُمُوِّ غَضَبِكَ وَلاَ تُوْقِعْ هَذَا الْعِقَابَ بِشَعْبِكَ. 13اذْكُرْ وُعُودَكَ لِعَبِيدِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحقَ وَإِسْرَائِيلَ الَّذِينَ أَقْسَمْتَ لَهُمْ بِنَفْسِكَ قَائِلاً: أُكَثِّرُ نَسْلَكُمْ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، وَأَهَبُكُمْ جَمِيعَ هَذِهِ الأَرْضِ الَّتِي وَعَدْتُ بِهَا فَتَمْلِكُونَهَا إِلَى الأَبَدِ». 14فَتَرَاءَفَ الرَّبُّ وَلَمْ يُوْقِعْ بِشَعْبِهِ الْعِقَابَ الَّذِي تَوَعَّدَ بِهِ. (سفر الخروج 32 : 12 – 14).
ولا يعلم أماكن آدم وحواء!:
• وسمعا صوت الرب الإله ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة فنادى الرب الإله آدم، وقال له: أين أنت؟ فقال: سمعت صوتك في الجنة فخشيت؛ لأني عريان فاختبأت) (سفر التكوين 3 : 8)
ويزفر كامرأة في مخاض:
• ) لَكَمِ اعْتَصَمْتُ بِالصَّمْتِ، وَلَزِمْتُ السَّكِينَةَ وَلَجَمْتُ نَفْسِي. أَمَّا الآنَ فَأَنَا أَصِيحُ وَأَزْفِرُ كَامْرَأَةٍ تُقَاسِي مِنَ الْمَخَاضِ) (أشعيا 42 : 14 – 15)
ولعلّه نائم فيستيقظ!
جاء على لسان النبي إلياهو:
(أدعوا بصوت أعلى فهو حقًا إله لعلّه مستغرق في التأمّل, أو في خلوة أو في سفر, أو لعلّه نائم فيستيقظ).
ويأمر الله نبيًا بزواج زانية :
• (وَأَوَّلُ مَا خَاطَبَ الرَّبُّ بِهِ هُوشَعَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: «اذْهَبْ وَتَزَوَّجْ مِنْ عَاهِرَةٍ، تُنْجِبُ لَكَ أَبْنَاءَ زِنًى، لأَنَّ الأَرْضَ قَدْ زَنَتْ إِذْ تَرَكَتِ الرَّبَّ) (سفر هوشع 1 : 2)
هذه الأمثلة هى قليل من كثير, وعند المعتنقين لهذه العقيدة تفسيرات مقنعة, لهم, بحجة ما يسمّى التفسير الرمزي, لكن لو ذهبنا إلى أخطاء أخرى كثيرة أو هى – حتى الآن – في نظرنا أخطاء حسابية وغير حسابية فهل تحلّها أو تبررها التفسيرات الرمزيَّة؟
يتبع
د. سامي الإمام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق