ذكرت في مقدمة المنشورات التي تتناول موضوع التيه:
هل كان تيهًا عقابيًا, معنويًا؟ أم كان فقدانًا للطريق باتجاه الأرض المقدّسة؟
وإذا كان تيهًا بمفهوم فقدان الطريق في الاتجاه الصحيح فكيف وصلوا؟
وإذا كان تيهًا عقابيًا فما معناه وما دلائله وما أثره في هذه الجماعة؟
وذكرت في المنشور الثاني كيف أن بني إسرائيل دأبوا على المعصية وارتكاب الذنوب والخطايا, وكيف وصفهم الله, في التوراة, بالأمة المتمرّدة, المتصلبين, القساة, العاصين, الحسك والشوك, العقارب, والشعب الغبي, غير الحكيم, وأنهم كأتان شهوانية, والفاسقين, وأنهم أضلّ من الثيران والحمير, وذرية مرتكبي الشرّ, وأبناء زنى, ولا يتناهون عن شرّ إلا إلى شرِّ!!
وانتهيت في المنشور هذذا المنشور ؛ الثاني, بخبر تذمّرهم على موسى وهارون:
(فرفع الشّعب كلّهُ صَوته وبكى في تلك اللَّيلة، وتذمّر على موسى وهرون، وقالوا: «لَيتَنا مُتْنا في ديَار مصر، أو ليتنا متنا في الصحراء. لماذا أحضرنا الرّبّ إلى هذه الأرض لنَهلِك بحَدِّ السَّيف، وتؤخذ نساؤنا وأطفالنا سَبايا؟ أليْس من الأَفضل لَنا أن نرجع إلى مصر؟» وقال بعضهم لبعض: «لننتخب لنا قَائداً ونرجع إلى مصر».
إذا نفهم مما سبق أنهم انقلبوا على موسى وهارون وتبادلوا الحوار مع بعضهم البعض لترك موسى وهارون وفكروا في انتخاب قائد جديد ليس من أجل تنفيذ أمر الله بدخول الأرض المقدّسة, لا , بل للعودة إلى مصر؟! التي وصفت في التوراة بأنها "بيت العبودية". وبناء على ما سبق حكم الله عليهم بالتيه 40 سنة, مكثوها في الصحراء.
استمرت رحلة التيه في الصحراء أربعين سنة, تنقلوا خلالها من مكان إلى مكان وقد حصرت التوراة هذه الأماكن الأربعين, على النحو التالي:
رعمسيس , سوكوت, إثام, فم الحيروث, مجدول, مارا, إيلام, بحر سوف, صحراء سين, دوفكا, ألوش, رفيديم, صحراء سيناء, قبور الشهوة, حتصروت, رتما, ريمون برتص, لفانا, قهلتا, جبل شفار, حردا, مقهلت, تحث, ترح, حشمونا, موسروت, بني يعقان, حور, هجدجاد, يطفتا, عفرونا, عصيون جابر, قادش, تصلمونا, أڤوت, عاي, ديبون جاد, تيما, جبل هعفريم, صحراء موآب.
تختلف قائمة المواضع هذه من مرجع إلى مرجع آخر وقد تزيد قليلا في بعضها بين موضعين إلى أربعة.
هذه الأماكن والمواضع تبدأ برعمسيس بشرق مصر, وتنتهي بـ صحراء موآب, إلى الضفة الشرقية من نهر الأردن مقابل أريحا الكنعانية/الفلسطينية, وفي هذه الصحراء مات هارون وموسى عليهما السلام وتركا فتح كنعان لخليفة موسى "يوشع بن نون.
يتضح من ذلك أن رحلة بني إسرائيل مرّت بصحراء سيناء الجنوبية ومنها إلى عصيون جابر على خليج العقبة الحالي ومن هناك اتجهوا شمالا إلى حيث "عرافوت موآب".
وهذا المسار هو المرجح لدى معظم الباحثين لكن يرى بعض المؤرخين منهم المؤرخ اليهودي (أڤيجدور شاحان), أن بني إسرائيل لم يخرجوا من مصر عبر صحراء سيناء, باتجاه الشرق, كما يفترض كثيرون, ولكن خرجوا عبر قارة إفريقيا!. فيرى أنهم اتجهوا جنوبًا نحو تشاد والنيجر الحاليتين, ومن هناك إلى غرب السودان فنحو الشرق حيث إثيوبيا - وربما يفسّر هذا وجود جالية يهودية هناك الى اليوم, هم الفلاشا أو الفلاشمورا - ومنها بمحازاة الساحل الغربي للبحر الأحمر شمالا إلى السويس ومن هناك عبروا إلى آسيا ومنها شمالا إلى كنعان.
ويعتمد هذا المؤرخ على وجود قبائل إفريقية, كما ذكرنا, لا تزال تحتفظ بوصايا توراتية, فضلا عن وجود قبائل اثيوبية لا تزال تدين باليهودية منذ ذلك الحين, بل تحمل ملامح الأصل التوراتي القديم الذي يحتفظ الى الآن بشعيرة السجود على عكس اليهود الأشكناز والسفارد (الغربيون والشرقيون), بالإضافة إلى أماكن عدة تحمل أسماء عبرية, وأن الرحلة استغرقت أربعين سنة.
لكن لو تجاوزنا خريطة الخروج من مصر ودخول كنعان/فلسطين ليس من الناحية الغربية, وهو المسار الطبيعي والأقرب, لكن من جهة الشرق مقابل مدينة أريحا (ولأريحا هذه قصة مع النقباء الذين تجسسوا الأرض!), أقول فكيف كان هذا الركب الضخم (600 ألف بما حملوا من خيرات مصر, من ذهب و مواشي وأغراض), رجالا ونساء وأطفالا.
كان تحرك بني إسرائيل وحلولهم يتم بوحي إلهي ليس لموسى عليه السلام ولكن بإرسال ملائكة تحمل التابوت, فإذا ارتفع عن الأرض أسرع أربعة من الكهنة, من سبط لاوي/ليفي لحمله, فإذا وقف التابوت ولم يشأ التحرّك, فَهِم الحاملون له أن إرادة الرب هي إنزله في هذا المكان والحلول أو المكوث فيه, وكان هذا التابوت وحمل الملائكة له معجزة وآية على إحدى نعم الله عليهم, إلى أن ترفعه املائكة مرة أخرى كإيحاء من الرب بحمله للانتقال إلى موضع آخر.
وحمل الملائكة للتابوت مشار إليه في سورة البقرة, فنقرأ:
(وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (سسورة البقرة/الآية248).
وماذا كان بهذا التابوت الذي صنع على عيني موسى عليه السلام بأمر من الله, كما صنع نوح السفينة,؟
كان به لوحا الوصايا العشر, وعصا موسى وعصا هارون (هما عصاوان في التوراة إحداهما لموسى والأخرى لهارون عليهما السلام), وقدر من المنّ والسلوى؛ طعام الصحراء
كما كانت من وظائف تابوت الرب الأخرى؛ وجود عامود سحاب نهارًا وعامود نار فوقه نهارًا وليلا! لهداية بني إسرائيل للارتحال والحلول, فإذا ظهر العامودان فوق التابوت معناه ضرورة سرعة الارتحال من المكان وسير كل هذه الجماعة (600 ألف), خلف التابوت, وإذا اختفى العامودان معناه التوقف والحلول بالمكان إلى حين إشعار آخر من الرب بدلالة الملائكة التي تعطي إشارة بدء الحركة برفع التابوت عن الأرض, وهكذا.
يتبع للأهمية
د. سامي الإمام
أستاذ الديانة اليهودية
كلية اللغات والترجمة/جامعة الأزهر
هل كان تيهًا عقابيًا, معنويًا؟ أم كان فقدانًا للطريق باتجاه الأرض المقدّسة؟
وإذا كان تيهًا بمفهوم فقدان الطريق في الاتجاه الصحيح فكيف وصلوا؟
وإذا كان تيهًا عقابيًا فما معناه وما دلائله وما أثره في هذه الجماعة؟
وذكرت في المنشور الثاني كيف أن بني إسرائيل دأبوا على المعصية وارتكاب الذنوب والخطايا, وكيف وصفهم الله, في التوراة, بالأمة المتمرّدة, المتصلبين, القساة, العاصين, الحسك والشوك, العقارب, والشعب الغبي, غير الحكيم, وأنهم كأتان شهوانية, والفاسقين, وأنهم أضلّ من الثيران والحمير, وذرية مرتكبي الشرّ, وأبناء زنى, ولا يتناهون عن شرّ إلا إلى شرِّ!!
وانتهيت في المنشور هذذا المنشور ؛ الثاني, بخبر تذمّرهم على موسى وهارون:
(فرفع الشّعب كلّهُ صَوته وبكى في تلك اللَّيلة، وتذمّر على موسى وهرون، وقالوا: «لَيتَنا مُتْنا في ديَار مصر، أو ليتنا متنا في الصحراء. لماذا أحضرنا الرّبّ إلى هذه الأرض لنَهلِك بحَدِّ السَّيف، وتؤخذ نساؤنا وأطفالنا سَبايا؟ أليْس من الأَفضل لَنا أن نرجع إلى مصر؟» وقال بعضهم لبعض: «لننتخب لنا قَائداً ونرجع إلى مصر».
إذا نفهم مما سبق أنهم انقلبوا على موسى وهارون وتبادلوا الحوار مع بعضهم البعض لترك موسى وهارون وفكروا في انتخاب قائد جديد ليس من أجل تنفيذ أمر الله بدخول الأرض المقدّسة, لا , بل للعودة إلى مصر؟! التي وصفت في التوراة بأنها "بيت العبودية". وبناء على ما سبق حكم الله عليهم بالتيه 40 سنة, مكثوها في الصحراء.
استمرت رحلة التيه في الصحراء أربعين سنة, تنقلوا خلالها من مكان إلى مكان وقد حصرت التوراة هذه الأماكن الأربعين, على النحو التالي:
رعمسيس , سوكوت, إثام, فم الحيروث, مجدول, مارا, إيلام, بحر سوف, صحراء سين, دوفكا, ألوش, رفيديم, صحراء سيناء, قبور الشهوة, حتصروت, رتما, ريمون برتص, لفانا, قهلتا, جبل شفار, حردا, مقهلت, تحث, ترح, حشمونا, موسروت, بني يعقان, حور, هجدجاد, يطفتا, عفرونا, عصيون جابر, قادش, تصلمونا, أڤوت, عاي, ديبون جاد, تيما, جبل هعفريم, صحراء موآب.
تختلف قائمة المواضع هذه من مرجع إلى مرجع آخر وقد تزيد قليلا في بعضها بين موضعين إلى أربعة.
هذه الأماكن والمواضع تبدأ برعمسيس بشرق مصر, وتنتهي بـ صحراء موآب, إلى الضفة الشرقية من نهر الأردن مقابل أريحا الكنعانية/الفلسطينية, وفي هذه الصحراء مات هارون وموسى عليهما السلام وتركا فتح كنعان لخليفة موسى "يوشع بن نون.
يتضح من ذلك أن رحلة بني إسرائيل مرّت بصحراء سيناء الجنوبية ومنها إلى عصيون جابر على خليج العقبة الحالي ومن هناك اتجهوا شمالا إلى حيث "عرافوت موآب".
وهذا المسار هو المرجح لدى معظم الباحثين لكن يرى بعض المؤرخين منهم المؤرخ اليهودي (أڤيجدور شاحان), أن بني إسرائيل لم يخرجوا من مصر عبر صحراء سيناء, باتجاه الشرق, كما يفترض كثيرون, ولكن خرجوا عبر قارة إفريقيا!. فيرى أنهم اتجهوا جنوبًا نحو تشاد والنيجر الحاليتين, ومن هناك إلى غرب السودان فنحو الشرق حيث إثيوبيا - وربما يفسّر هذا وجود جالية يهودية هناك الى اليوم, هم الفلاشا أو الفلاشمورا - ومنها بمحازاة الساحل الغربي للبحر الأحمر شمالا إلى السويس ومن هناك عبروا إلى آسيا ومنها شمالا إلى كنعان.
ويعتمد هذا المؤرخ على وجود قبائل إفريقية, كما ذكرنا, لا تزال تحتفظ بوصايا توراتية, فضلا عن وجود قبائل اثيوبية لا تزال تدين باليهودية منذ ذلك الحين, بل تحمل ملامح الأصل التوراتي القديم الذي يحتفظ الى الآن بشعيرة السجود على عكس اليهود الأشكناز والسفارد (الغربيون والشرقيون), بالإضافة إلى أماكن عدة تحمل أسماء عبرية, وأن الرحلة استغرقت أربعين سنة.
لكن لو تجاوزنا خريطة الخروج من مصر ودخول كنعان/فلسطين ليس من الناحية الغربية, وهو المسار الطبيعي والأقرب, لكن من جهة الشرق مقابل مدينة أريحا (ولأريحا هذه قصة مع النقباء الذين تجسسوا الأرض!), أقول فكيف كان هذا الركب الضخم (600 ألف بما حملوا من خيرات مصر, من ذهب و مواشي وأغراض), رجالا ونساء وأطفالا.
كان تحرك بني إسرائيل وحلولهم يتم بوحي إلهي ليس لموسى عليه السلام ولكن بإرسال ملائكة تحمل التابوت, فإذا ارتفع عن الأرض أسرع أربعة من الكهنة, من سبط لاوي/ليفي لحمله, فإذا وقف التابوت ولم يشأ التحرّك, فَهِم الحاملون له أن إرادة الرب هي إنزله في هذا المكان والحلول أو المكوث فيه, وكان هذا التابوت وحمل الملائكة له معجزة وآية على إحدى نعم الله عليهم, إلى أن ترفعه املائكة مرة أخرى كإيحاء من الرب بحمله للانتقال إلى موضع آخر.
وحمل الملائكة للتابوت مشار إليه في سورة البقرة, فنقرأ:
(وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (سسورة البقرة/الآية248).
وماذا كان بهذا التابوت الذي صنع على عيني موسى عليه السلام بأمر من الله, كما صنع نوح السفينة,؟
كان به لوحا الوصايا العشر, وعصا موسى وعصا هارون (هما عصاوان في التوراة إحداهما لموسى والأخرى لهارون عليهما السلام), وقدر من المنّ والسلوى؛ طعام الصحراء
كما كانت من وظائف تابوت الرب الأخرى؛ وجود عامود سحاب نهارًا وعامود نار فوقه نهارًا وليلا! لهداية بني إسرائيل للارتحال والحلول, فإذا ظهر العامودان فوق التابوت معناه ضرورة سرعة الارتحال من المكان وسير كل هذه الجماعة (600 ألف), خلف التابوت, وإذا اختفى العامودان معناه التوقف والحلول بالمكان إلى حين إشعار آخر من الرب بدلالة الملائكة التي تعطي إشارة بدء الحركة برفع التابوت عن الأرض, وهكذا.
يتبع للأهمية
د. سامي الإمام
أستاذ الديانة اليهودية
كلية اللغات والترجمة/جامعة الأزهر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق