الأربعاء، 3 أبريل 2019

تيه بني إسرائيل – أكان جغرافيًا أم عقابيًا؟ (4)


**************************************
كان تحرك بني إسرائيل إلى بقعة جديدة في حدث التيه وحلولهم في بقعة أخرى يتم بوحي إلهي, ليس لموسى عليه السلام علاقة به, إذ كان الوحي يأتي بأمر ملائكة تحمل التابوت, فإذا ارتفع عن الأرض, فإذا رأه الكهنة؛ بني سبط لاوي أو ليفي وقد ارتفع عن سطح الأرض أسرع أربعة منهم لحمله, والتحرك به ليس بحسب مشيئتهم بل بمشيئة الله المتمثلة في أمره الصادر للملائكة الموكلون بحمله, إلى حيث يشاء رب العالمين, فإذا وقف التابوت ولم يسمح بنقل الكهنة له, فَهِم الكهنة أن إرادة الرب هي إنزله في هذا المكان والحلول أو المكوث فيه إلى أن ترفعه الملائكة مرة أخرى كإيحاء من الرب بحمله للانتقال إلى موضع آخر, وهكذا.

وقد ذُكرحمل الملائكة للتابوت في سورة البقرة, إذ نقرأ:

(وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (سورة البقرة/الآية248).

وماذا كان بهذا التابوت الذي صُنع على عيني موسى عليه السلام بأمر من الله, كما صنع نوح السفينة,؟ كان به لوحا الوصايا العشر, وعصا موسى, وعصا هارون, عليهما السلام, وقدرًا من المنّ والسلوى؛ طعام الصحراء.

كما كان من وظائف تابوت الرب الأخرى؛ وجود عامود سحاب وعامود نار فوقه, نهارًا وليلا! لهداية بني إسرائيل للارتحال والحلول, فإذا ظهر العامودان فوق التابوت معناه ضرورة سرعة الارتحال من المكان وسير كل هذه الجماعة (600 ألف بحسب التوراة!), خلف التابوت, وإذا اختفى العامودان معناه التوقف والحلول بالمكان إلى حين إشعار آخر من الرب بدلالة الملائكة التي تعطي إشارة بدء الحركة برفع التابوت عن الأرض, وهكذا.

فإذا كانت الملائكة هى التي حملت التابوت ونقلته من مكان إلى مكان آخر فعليا, بصرف النظر عن دور الكهنة الذي كان تابعًا فقط, لمشيئة الله التي تبدّت في حمل التابوت, وشكليًا, فما دور تماثيل ما يسمّى بالكروبيم التي كانت فوق تابوت الرب؟

نقول:

إذا افترضنا افتراضًا مبنيًا على أدلة, أن هذه التماثيل الذهبية, التي كانت فوق التابوت لم تكن في الأصل موجودة لأن وجودها يتنافى مع أمرين مهمين:

الأول: أن الله لن يأمر عبادة بالكفّ عن عبادة الأوثان والكفّ عن صناعتها والسجود لها وتوقيرها, والتحذير من عاقبة ذك, ويأمر في الوقت نفسه بصناعتها!

الثاني: أن التماثيل فوق التابوت لا يمكن أن يسند لها حمل تابوت الرب, وإلا فما كانت هناك ضرورة لأن يبعث الله بملائكة تحمل هذا التابوت!

وهذا أمر منطقي لأن الأديان أول ما حاربت حاربت عبادة الأوثان والسجود لها وتوقيرها وصناعتها, وكانت مهمة أبي الأنبياء كلهم إبراهيم الخليل عليه السلام هى تحطيم الأصنام وقصته معروفة لا تحتاج لإعادة! – فكيف تحارب العقيدة الأوثان وتضع لها موطيء قدم لا نقول على الأرض بل فوق تابوت الرب الذي تحفظ بداخله ألواح الشريعة التي نزلت على نبي الله موسى عليه السلام؟

نخرج من ذلك بنتجة ونحن مطمئنون وهى أن التابوت لم يكن فوقه أية تماثيل ولا أصنام. إذا من أين جاءت التماثيل فوق التابوت؟

حرص العاصون للرب من بني إسرائيل على عبادة الأوثان, التي اعتادوا عليها في مصر خلال ما يقارب 400 سنة, وكانت أول تجربة لهم بعد خروجهم مع موسى عليه السلام, هى الأيام القليلة التي تركهم فيها وصعد الجبل لتسلم ألواح الوصايا والشريعة, فلما رجع وجدهم في هرج ومرج ومجون يرقصون حول عجل ذهبي! فغضب موسى عليه السلام وألقى اللواح فتكسّرت! وغضب الرب على بني إسرائيل وبقية القصة معروفة.

فإذا كان الله ونبيّه موسى عليه السلام غضبا لمرآهم يعبدون صنمًا فهل من المعقول يأمر الله نبيه بصناعة أوثان فوق تابوت الرب الذي سيخصص لحفظ شريعة أول أوامرها بعد توحيد الخالق عدم عبادة الوثان؟!

وإذا كانوا عبدوا عجل الذهب وعوقب من عبده بالقتل, تطهيرًا للجماعة من هذا الوباء وانذارًا لغيرهم ممن تسول له نفسه بعبادتها فيما بعد, فلماذا تكررت عبادة عجول الذهب مرة أخرى حينما انشق جماعة منهم في "بيت إيل" و"دان", بعد دخول ما عرف بالسامرة فيما بعد ونسب الى السامري القديم الذي صنع عجل سيناء, وقيل إن من صنع عجول "بيت إيل" و"دان" هم أحفاد السامري الأول!

يتبع

د. سامي الإمام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق