الخميس، 26 ديسمبر 2019

"الصحوة الشيعية" – ولماذا تُرجم إلى العبرية؟ (5)

*****************************************
ويبين الباحث ولي نصر: "هذا ولا تزال الضغينة المستحكمة بين الوهابيين والشيعة تصبغ إلى الآن مواقف كل طرف تجاه الطرف الآخر.
منذ عقد السبعينيات من القرن العشرين، اكتسبت الوهابية نفوذاً متعاظماً في كل أرجاء العالم الإسلامي وأضحت بمثابة قوة الدفع الأيديولوجية خلف الحركات السلفية، وغدت نوازع الصراع الشيعي ـ السنّي أشدّ مضاءً من ذي قبل. وبالوسع القول في جميع الأحوال إن العنف المتزايد الذي يطبع الصراع الشيعي ـ السنّي في السنوات الأخيرة إنما ينبع من انتشار النفوذ الوهابي. الطالبان في أفغانستان والجهاديون في كشمير، كلاهما يعودان بأصولهما إلى العُنصر المناهض للاستعمار لدى السُنّة الذي نما وتطوّر في الهند تحت الحُكم البريطاني ومن باب رد الفعل على فترة زمنية وجيزة من الصعود الشيعي هناك. في بحر القرن الثامن عشر، اكتسب التشيُّع شيئاً من القوة طرداً مع الوهن المتزايد في أوصال أمبراطورية المغول. التحوّل في حظوظ الشيعة هذا انعكس في قرار الأمبراطور بهادور شاه استقدام الممارسات الشيعية إلى بلاطه في دلهي مطلع العقد الأول من القرن الثمن عشر. والاتجاه عينه كان بعدُ أكثر جلاءً في الممالك الأصغر التي كانت قد بدأت بالظهور نفي ما كانت حتى ذلك الحين أراضي تابعة للأمبراطورية المغولية. فإمارة أودة التي ظهرت في عشرينيات القرن الثامن عشر، وإمارة البنغال التي خرجت إلى الوجود في وقت لاحق، كانتا تدينان لأمراء من الشيعة يُعرفون بـ (النَوَاب). وفي جنوب الهند، كانت أكبر دولة إماراتية، ألا وهي حيدر أباد شاهي، يحكمها (نظام) سنّي (هكذا كان يُدعى الأمير الحاكم لحيدر أباد)، لكنها على العموم كانت منطقة أكثرية سكّانها من الشيعة. وكان المشهد السياسي والثقافي الغني في بلاط حيدر أباد يطغى عليه النبلاء ورجال الحاشية والكتبة والشعراء الفرس (أعاد وليام دالريمبل وعلى نحو نابض بالحيوية بناء الحياة والزمن كما كانا في أواخر القرن الثامن عشر في حيدر أباد، وذلك في كتابه الصادر عام 2002 بعنوان (المغول البيض)، والمتمحور حول قصة حب رومانسية بين المقيم البريطاني وأميرة فارسية. والنفوذ الشيعي كان أيضاً ملموساً في بلاطَيْ ميسور ومدارس. فكان الأمراء الشيعة فيهما يشملون برعايتهم علماء الدين الشيعة ويشجعونهم على الدخول في سجالات فقهية مع نظرائهم السُنّة. كذلك كان هؤلاء الأمراء يؤمِّنون الموارد المالية اللازمة للمعاهد الدينية الشيعية ولا يبخلون بأي عون لنشر الثقافة الشيعية. وبفضل الأموال الملكية والرعاية الكامنة خلفها، بدأت بعض الممارسات الشيعية كعاشوراء تصبح مناسبات عامّة كبرى. كانت أودة قد برزت بصفتها الحاضرة المجلّية للثقافة والفنون والدراسات الدينية الشيعية في شمال الهند. ومن هنا، تُعتبر مدينة "لُكنو" الهندية الثانية بلا جدال بعد أصفهان بإيران كواجهة عرض زاهية للفنون والعمارة الشيعية.
العراق والشيعة
لا شك بأن التغييرات التي حدثت في العراق والتي انطلقت من لحظة إسقاط نظام الطاغية صدام كان لها تأثيرات تاريخية لم ولن تكتفي بتغيير حاضر مأزوم بل إنها تأثيرات ونتائج ترسم مستقبلاً مغايراً لما خططت له أكثر من ألف سنة قد مضت، يقول الباحث نصر: "على مستوى التحليل الجوهري، تشير الصحوة الشيعية إلى اتفاق في الرأي بين الحكومات والحركات الشيعية، مؤداه أن المكاسب المحقَّقة في العراق لا بد من صونها وترسيخها فالنتيجة المتحصّلة من الحرب قد عادت بالنفع على الشيعة في كل المنطقة وليس على شيعة العراق وحدهم. غير أن الصحوة الشيعية لا تعني بأي حال قدوم ما يُرادف "الجامعة الشيعية"، وإن كان لها عدة مفاعيل واستتباعات ضمنية: أولها، أن روابط ثقافية ودينية أمتن سوف تستمر في التشكّل بين شتّى التجمعات الشيعية في المنطقة، وأن إجماعاً سوف يتعزّز حول الحاجة إلى الدفاع عن قوتهم السياسية؛ ثانيها، أن مثال العراق سوف يُمارس "تأثيراً بالبيِّنة" على التجمعات الشيعية خارج العراق لتبدأ بالمُطالبة بأن يكون لها صوت أعلى في إدارة الحُكم داخل بلدانها؛ وثالثها، أن هذه المكتسبات على صعيد القوة والجزم سوف تعزّز الأواصر الثقافية والدينية بين الشيعة، وتلك الأواصر سوف تعمل بدورها على استدامة المكتسبات التي حقّقوها على صعيدي القوة والنفوذ. إن الصحوة الشيعية غير مقترنة بأي شكل مفرد من أشكال الحُكم فهي لا تدل لا على انتشار جمهوريات إسلامية من النمط الإيراني، ولا على احتمال أن يُصبح العراق نموذجاً سياسياً للحُكم في البحرين أو لبنان. فأهمية العراق لا تكمن في المسائل التفصيلية للحُكم، بقدر ما تكمن في العبرة المُستفادة، وهي أن الشيعة قادرون على المُطالبة بالمزيد وفي وسعهم الحصول عليه. لقد أطلق العراق تفاعلاً متسلسلاً، وهذا التفاعل سيشغل على نحو مغاير في لبنان والبحرين والمملكة العربية السعودية. لكن الحصيلة الإجمالية ستكون من دون أدنى شك قوة شيعية أكبر ومزيداً من الصلات الثقافية والعُرى الدينية الظاهرة بجلاء على امتداد الهلال المُمتد من لبنان إلى باكستان. 
لقد رحّب الشيعة سواء بانهيار الهيمنة السُنّية أم بارتفاع احتمالات التغيير السياسي، لعلمهم بأن ذلك سيعود عليهم بالمزيد من الحقوق والسلطات في ظل النظام الجديد الناشئ. وهذا ما جعلهم من حيث المبدأ أكثر استعداداً للعمل مع الولايات المتحدة. إن جرعة أكبر من الديمقراطية تخدم ولا شك مصالح الشيعة في المنطقة، ومن هنا نجد الصحوة الشيعية ميّالة حُكماً إلى تزكية التحوّلات الديمقراطية. إن عالم الخطاب الشيعي هو الآن مسرح لسجالات شيّقة وشاملة يُشارك فيها العالم الإسلامي بأسره حول علاقة الإسلام بالديمقراطية والتنمية الاقتصادية، وبالقطع حول موقف الإسلام من الحداثة. ففي لبنان والعراق وإيران، حيث يقيم الشيعة بكثافة لافتة، نرى الخطاب والسجال السياسي الشيعي مهتماً بالحداثة والديمقراطية اهتماماً أكبر منه في البلدان ذات السيطرة السُنّية. بعبارة أخرى، إن الشيعة هم قوة ديمقراطية موضوعية وذاتية في آن فصعودهم في معارج القوة النسبية إنما يضخّ عنصراً منشِّطاً من التعدّدية الحقيقة إلى الحياة السياسية المُهيمن عليها سُنياً أكثر من اللازم في العالم الإسلامي. كما أن العديد من الشيعة يجدون الديمقراطية جذّابة كفكرة في حدّ ذاتها، وليس فقط كمطيّة نافعة ظرفياً لسؤددهم وطموحهم".
...........
هذه هى الحلقة الخامسة من منشورات ترجمة كتاب "الصحوة الشيعية"
يتبع للأهمية
د. سامي الإمام
هنا روابط المنشورات الأربعة السابقين:
رابط منشور 1
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=2396115573849533&set=pb.100003533428821.-2207520000..&type=3&size=1032%2C774
رابط منشور 2
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=2397934960334261&set=pb.100003533428821.-2207520000.0.&type=3&theater
رابط المنشور 3
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=2399921470135610&set=pb.100003533428821.-2207520000..&type=3&size=300%2C300
رابط المنشور 4
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=2415177021943388&set=pb.100003533428821.-2207520000..&type=3&size=300%2C300

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق