الثلاثاء، 17 ديسمبر 2019

البدعة : חידוש (في اليهودية)

*************************
يتطلب الكلام عن "البدعة" في اليهودية معرفة هل هناك في التوراة ما يلزم بعدم الحيد عن حرفيَّة الأحكام وعدم التدخّل فيها بأي شكل؟ وهل هناك ضرورة لإعادة النظر في أحكام التوراة ومحاولة تطويعها لمستجدّات الحياة في كل عصر؟ وهل هناك معايير لذلك تجعل التدخل اعتداء على الشريعة وأحكامها؟ وهل لدى من يسعى للتدخل أسانيد من الشريعة نفسها تتيح له التدخل؟
يتم التعبير عن البدعة في مصطلحات العقيدة اليهودية, باللغة العبرية, بعبارة "كل جديد محظور, من التوراة" (إي بحكم من التوراة), وهى عبارة وردت في الجمارا (شروحات التلمود), التي أصبحت على لسان الراب موشيه شريبر, تعبر عن الاعتراض على تغيير التقاليد والسلوك المبني على أحكام ووصايا, بشكل عام, وأداة لمحاربة التيار التقدمي (المثقفون الراديكاليون, والحاخامات المنفتحين, والإصلاحيون, وغيرهم) في عصرنا الراهن. وأصبح المصطلح "كل جديد محظور, من التوراة" رمزًا لعدم الثقة في المستجدّات خاصة بين الأوساط المحافظة في اليهودية الأرثوذوكسيَّة (الربّانية).
المعنى الأصلي للمصطلح أو تعبير "حظر كل جديد", : هو حظر الأكل من الغلَّة الجديدة, في بداية موسم الحصاد, قبل تقديم قربانها فيما يعرف بالـ (عومِر), وهى فترة محددّة, في عيد الفصح, الذي بنت عليه الجمارا, مصطلح "من التوراة" (מדאורייתא) أي أن له مرجعيَّة في نصوص التوراة, وخلافًا لمصطلح أو تعبير "من أقوال الحكماء" (מדרבנן), أي أن له مرجعيه من أقوال الحكماء/الربانيين. ويتميز ما يوصف بالحكم الأول (من التوراة), بصلاحية سريانه في أنحاء العالم, في كل مكان وأنه غير محدود بالسريان بأرض فلسطين, مثل وصايا أخرى تتعلق بالنباتات والثمار, فالجديد المحظور من التوراة يكون محظورًا في كل مكان. وقد استعمل الحاخام موشيه شريبر, ومن ساروا على نهجه مصطلح الجمارا هذا للتعبير عن رفض لأي تغيير أو أي جديد في سلوك اليهودية التقليدية, أو فيما يتعلق بمسائل الحياة بعامة, سواء أكان الهدف هو التخفيف أم كان التشديد. ومرجع وجهة النظر هذه هو أن التوراة تعدّ أبديَّة, أي مناسبة بالقدر نفسه من آلاف السنين كما اليوم بالتمام والكمال, ولا توجد ضرورة لعمل أي تجديدات بها. ويرجع سبب اتخاذ الحاخام موشيه شريبر هذا التعبير هو حربه ضد حركة التنوير اليهودية, الهسكالا, وأوائل الإصلاحيين الذي انتشرت أفكارهم في وسط أوربا.
يستعمل اليوم المحافظون الحريديون المصطلح بالمعنى الواسع النطاق له للتعبير عن استيائهم من كل جديد/بدعة, سواء اكان تقدمًا تكنولوجيًا في وسائل الحياة أم تقدمًا حديثًا في سلوك اليهودية أو كان حيادًا عن اتباع التقاليد القديمة, بما في ذلك الحاجة الملحة ضد الصهيونية الدينية, التي يستجيب لها راي الحاخام كوك من أن: القديم يتجدد والجديد يتقدّس".
قيد التدوين
د. سامي الإمام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق