لم ترد في التوراة بشكل مباشر وصيَّة غض البصر, لكنها وردت في سياق "أهداب الثياب للتذكير بعمل الطاعات", حيث نقرأ في سفر العدد:
" وتذكرون كل وصاياي وتطيعونها، ولا تغوون أنفسكم باتّباع شهوات قلوبكم وعيونكم"
فشهوات العيون المذكورة في الآية هى التطلع بالعين إلى ما من شأنه تبديد طاقة اليهودي فيما لا ضرورة له ولا طائل من ورائه. لأن النظر كما يصنفه بعض المفسرين هو سبب كل المحرمات والآثام.
ويقول آخرون : إن مشاهدات العين تخزن وكأنها شريط تسجيلي بما رأته العين وهو مسجل في ذاكرة الأعمال وما لم تزغ عين اليهودي أو تخُن يكون ذلك الشريط فارغًا من الصور أو المشاهدات لأن العين هى المسئولة عن الصور, وبالتالي تكون صفحته بيضاء.
تهدف وصيّة غض البصر في اليهودية إلى حفظ نفس اليهودي وابتعاده عن الفضول المضِّر بغية وصوله إلى درجة من الزهد عن التطلع لما حوله.
ويلعب التفلِّين (تفلِّين: آيات من التوراة توضع في رقوق وتثبت على الجبهة والذراع الإيسر) دورًا مهمًا في ذلك فهو يذكر اليهودي بضرورة التفكّر في الأمور باستقامة ودون انحراف يمنة أو يسرة والانشغال بقراءة التوراة وتقديس الرب. وتدعو وصيّة "غض البصر" إلى وصول اليهودي إلى درجة من عدم الاهتمام بما هو غير ضروري وليس من وراءه طائل.
ويُضرب مثل لتقريب مفهوم "غض البصر" بشخص قائم على التعلم في المِدْرَاش (مدرسة دينية), وفجأة مرّ شخص أمام المدراش أو دخله فإن لم يعره اهتمامًا وواصل تعلمه فهذا تبجيل واحترام لعلوم التوراة, ذلك لأنه لو كان واقفًا أمام ملك من البشر لما كان بمقدوره الالتفات يمنة ويسرة والتطلع لما حوله, ومن باب أولى من يتعلم توراة الرب تبارك اسمه, لأن الرب هو الذي يعلم شعبه التوراة, وما أسعد من يحافظ على وصيّة "غض البصر".
وغض البصر كذلك يجعل اليهودي حين يسير في الطريق لا يتطلع إلى السائرين ذهابًا وإيابًا, لأنه بتدربه على عدم الالتفات إلى الداخلين إلى المعبد حين الصلاة بالتأكيد سيصل إلى درجة تجعله لا يتطلع إلى السائرين بالخارج.
يقول الحكماء: لما كان "الرب يَرى ولا يُرى", يجب أن يكون اليهودي على العكس من ذلك "يُرى ولا يَرى".
ويوصي الحكماء بضرورة تربية النفس وتدريبها على غض البصر, ومن المعاصي التي ترتكب جراء العين التجسس وقد حذرت التوراة النظر والتجسس على أمور الآخرين.
وفي هذا السياق استدل الحكماء بأهمية وصية غض البصر من تركيز الراب "موشيه بن نحمان" عليها في وصيته الشهيرة لابنه بقوله : لا تنظر لمن تتحدث إليه". كذلك من ينظر إلى صور كبار إسرائيل يلاحظ أنهم لا ينظرون إلى بعضهم البعض حين يتحادثون, ويستنتج بعض الحكماء من ذلك عدم جواز النظر إلى المرأة.
ويعبر بعض حاخامات العصر عن قلة الحياء وعدم الخجل باستنكارهم وقوف النساء في طابور في أعقاب الدروس الدينية بغرض طلب المشورة أو السؤال عن أمر ما, ويتعجب من أنهن لا يشعرن بأن في هذا التصرف تعارض مع آداب الاحتشام والتواضع.
يرى الحاخام "يوسف حاييم" أن غض البصر هو السبب وراء عدم قبول شهادة المرأة لأنه ليس من الآدب وقوفها أمام الناس للشهادة !
وورد في وجوب غض البصر أنه أدعى إلى أن ينظر الرجل إلى زوجته فقط وبذلك تنمو المحبة والودّ بينهما. ويحذر الحكماء من النظرة الخاطفة للفتيات خاصة إذا كانت بلا حياء. وكل من لم يحفظ وصية غض البصر كأنه وقع في معصية تتصل بالعورات لأنه كما أن هناك لمسّة باليد وببقية الأعضاء كذلك هناك لمسّة بالعين! وهى ككشف العورات تمامًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق