يرى الحاخامات أن تربية الأطفال بطريقة صحيحة تتطلب معرفة الآباء أولا بالتربية الصحيحة؛ فكل ما يدور بالبيت مهم لتربية الطفل, من سلوكيات الأبوين, إلى القيم التي يعيشون عليها, إلى سلسلة العلاقات الأسرية والاجتماعية. فيؤكد الراب زامير على ما ورد بالجمارا (التفاسير التلمودية) من أن التربية لا ترتبط بسن معينة يجب فيها البدء في تربية الطفل وتعليمه كل شيء, ففي كل عمر هناك أمور يجب أن يتعلمها الطفل على حسب درجة نضوجه العقلي, واستعداده النفسي.
وجاء بأقوال الحكماء أن الجنين في بطن أمه يستوعب ويستمع لما يحدث حوله ولذلك أوصوا الأم بالاهتمام بأن يستمع الجنين, وهو في بطن أمه, إلى كلمات التوراة, وأن يقلل الآباء بقدر ما يمكن من المشاجرات الزوجية أثناء فترة الحمل, لأن الجنين يشعر بكل ما يدور بالخارج. ويورد قول الراب حنانيا : ما أسعد من يولد فتضع أمه مهده ببيت المدراش (المدرسة الدينية) لتلتقط أذنه أقوال الشريعة. وأشار الحاخامات إلى ضرورة تربية الصغير, من سن سنتين وثلاث سنوات, وتعويده على احترام الكبير, حتى قبل ذهابه إلى رياض الأطفال, فقال: في كل بيت مائدة طعام, يجب أن يخصص بها كرسي للأب ويعوّد الطفل على احترام هذا الكرسي, ففي احتفال السبت يجلس الأب عليه ويبدأ عمل طقوس السبت, بحكاية من التراث الديني تتضمن رسالة قيمة أخلاقية معينة يستوعبها الأطفال. وإذا حدث أن تسلق طفل في عمر سنتين أو ثلاثة مقعد الأب على الأم أن تداعبه برفق وتفهمه عدم الجلوس على كرسي الأب, وتوجهه للجلوس على مقعد آخر, والطفل بذلك سيفكر في المرة التالية قبل أن يجلس على الكرسي المخصص للأب! ومن الضروري أيضًا أن يتفق الأبوان على طريقة الحوار بينهما أمام أطفالهم, والتنبيه على الأطفال بأهمية التحدث إلى الأب وإلى الأم أيضًا بطريقة مهذبة بعيدة عن تجاوز الآداب الواجبة. وتجب مراعاة عدم اختلاف الوالدين أمام الأطفال. وبالنسبة لمسألة عقاب الأبناء تتخذ آيات من التوراة خاطب الله بها بني إسرائيل, ويجب تعليمها لكل الأبناء. كما يعتدّ بتشريعات التلمود في تربية الأطفال. وبالنسبة لضرب الأبناء فالمتبع هو السير على نهج السلف, وكيف كانت علاقة آباء إسرائيل (إبراهيم, وإسحاق, ويعقوب, وداود, وسليمان) بأبنائهم!, وتتخذ من حكم سليمان المثل العليا في التربية. ويجب انتهاج وسائل لا تؤذي مشاعر الطفل أو تمسّ كرامته, أو تجرح كبرياءه. ويجنب استخدام العصا باستخدام وسائل أخرى كأن يحرم من شراء لعب يحبها, أو نوع من الحلوى يفضله! – كما يهتم كثيرًا بمؤلفات الحاخامات في مجال تربية الأطفال, والسير على ما جاء بها واتخاذها مثلا عليا. وينصح بإدراج التربية الدينية للطفل بالتدريج من طريق غير مباشرة إلى طريق مباشرة ومن جرعة أسبوعية إلى جرعة يومية وهكذا, ويركز على فائدة حياة الإنسان الدنيوية من ربح وخسارة, وكذلك ما يدخر ليوم الدين. والحفاظ على علاقة حب حميمة بالطفل والصبي مهم جدًا لكي يشب غير انطوائي ومندمج مع أقرانه. وأهم شيء بالنسبة لتربية الأطفال هو إلحاقهم بمدارس دينية تعلم التوراة والعقيدة, والشريعة, من صلاة وعقيدة وعبادة وأعياد وقيم دينية للحياة, وتاريخ وغير ذلك, ويهتم حتى ببناء معابد للصلاة داخل المدارس الدينية!.
وينقسك التعليم بشكل عام في إسرائيل إلى ثلاثة أنواع: حكومي, وديني تابع للحكومة, وديني مستقل. ويتحمل التعليم الديني, الذي يرتبط بعضه بالأحزاب الدينية, عبء تنشئة الأجيال تنشئة دينية أورثوذكسيّة, صهيونية! ولا تتدخل الدولة في شئونه إلا نادرًا. ويميز التعليم الديني في إسرائيل إنغلاقه واعتماده على المعين الديني بمصادره المتعدده؛ التوراة, والمشنا, والتلمود, وغيرها من التفاسير. وهو يختلف عن التعليم العلماني الذي اتخذ أنماطًا غربية وأمريكية ولا يتميز بشيء ينسب لليهودية. ويعدّ التعليم الديني والعلم التكنولوجي هما ركيزتان أساسيتان في استمرار الكيان الصهيوني, إذ التعليم يعبر عن فلسفة الحكم وأهداف الحاكم. وينشأ الإسرائيلي في المدارس الدينية متعصبًا, مشبعًا بكراهية الآخرين حوله, حيث يدرس التاريخ وكأن فلسطين هى وطنه الأصلي يغتصبه الفلسطينيون, وأن العرب حولهم أعداء ينتظرون لحظة الانقضاض عليهم لقتلهم, فالعرب أغيار كفار يحقدون عليهم ولا يقبلون العيش معهم. كما تركز المناهج الدراسية للأطفال على صور اضطهاد اليهود عبر التاريخ القديم, ابتداء من زمن موسى عليه السلام وقصة الخروج وانتهاءً بمحارق النازي الحديثة (الهولوكوست), مرورًا بمذابح روسيا القيصرية في القرن الثامن عشر. كل ذلك يغرس في عقول الناشئة منذ الصغر, وتلازم هذه الأفكار المغلوطة الشاب اليهودي في جميع مراحل تعليمه حتى يشب وقد أصبحت جزءًا لا يتجزأ من جيناته الوراثية!
ويعدّ التعليم الديني الذي يتسم بالتعصب الشديد وعدم الاقتراب من دراسة المواد العلمية الأخرى في المنهج الإسرائيلي العام, يعدّ كما جاء على لسان خبراء التعليم أكبر الأخطار التي تهدد السلم الاجتماعي الداخلي, ولذلك لجأت الدولة إلى تجربة إنشاء مدارس تخلط بين المنهجين؛ الديني والوطني العام
وتعاني المدارس الدينية نقصًا حادًا في التمويل لذلك يضطر الأحزاب الراعية لها, كـ شاس (شاس : هو اختصار لعبارة "ستة أجزاء المشنا", واتخذ الاختصار رمزًا للحزب في إشارة إلى أنه يعتمد على التشريعات المشنوية), و يهودية التوراة, يضطرون إلى المشاركة في الحكومات الائتلافية من أجل الحصول على التمويل الكافي لمواصلة هذه المدارس مهمتها, وأيضًا من أجل تهديد تلك الحكومات الائتلافية بإسقاطها في حال التدخل الحكومي في شئونهم التعليمية, أو عدم تقديم الدعم اللازم لهذه المدارس التي تقوم على فكر متطرف مرفوض في الواقع من معظم فئات الإسرائيليين الأخرى لأنهم يشكلون عبئًا ثقيلا على الاقتصاد خاصة لو وضعنا في الاعتبار أن اليهود الحريديم الذين ينشأون في هذه المدارس لا ينخرطون في الجيش, ولا يجدون فرصًا للعمل لاقتصار دراستهم على مواد التوراة والشريعة. وهو الأمر الذي كون رأيًا عامًا إسرائيليًا ضدهم وأجبرت الدولة مؤخرًا على تجنيدهم مثل بقية الإسرائيليين. ولا تزال لهذه المشكلة أبعادًا أخرى ستتبدّى في مستقبل الأيام.
د. سامي الإمام
أستاذ الديانة اليهودية/كلية اللغات والترجمة/جامعة الأزهر.
بالرابط التالي : الراب زامير وتربية الاطفال في إسرائيل
https://www.youtube.com/watch?v=yREbKEVaYmw
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق