الخميس، 29 مايو 2014

الإسراء والمعراج (في المصادر اليهودية) אל-אסראא ואל-מעראג (במקורות היהודיים)


قبل الحديث عن معجزة "الإسراء والمعراج" في نظر اليهودية
******************************************
לפני הדיבור על נס "אל-אסראא ואל-מעראג" בעיני היהדות
أودّ في البداية أن أؤكد أن أمانة البحث تفرض على الباحث أن يكون محايدًا حين التصدي لبحث موضوعات محلّ خلاف بين أصحاب المعتقدات. "والطريقة العلمية تقتضيك إذا أردت بحثًا, من هذا النوع, أن تمحو من نفسك كل رأي وكل عقيدة سابقة في هذا البحث, وأن تبدأ بالملاحظة والتجربة, ثم بالموازنة والترتيب, ثم بالاستنباط القائم على هذه المقدمات العلمية.

والبرهان هو طريق المعرفة, وهو وإن كان نوعًا من أنواع القياس إلا أنه يجب أن تكون مقدماته قطعية حسيّة, أو منتهية إلى الحسّ, أو مُدركة بالبداهة, أو معتمدة على التجربة الكاملة أو الاستقراء التام, على ما هو معروف في المنطق.
وقد قرر الإمام الغزالي في أحد كتبه أنه جرّد نفسه من جميع الآراء ثم فكّر وقدّر, ورتب ووازن, وقرّب وباعد, وعرض الأدلة وهذبها وحللها؛ ثم اهتدى بعد ذلك كله إلى أن الإسلام حق, وإلى ما اهتدى إليه من آراء.وقد فعل ذلك ليجافي التقليد, وليكون إيمانه إيمان المستيقن المعتمد على الدليل والبرهان, ذلك الإيمان الذي لا يختلف المسلمون في صحته ونجاة صاحبه. (من كتاب "حياة محمد, للدكتور/محمد حسين هيكل, ص 12-13).

وبناء على ذلك فإن أردنا دراسة معجزة الإسراء والمعراج كما تراها اليهودية فيجب النظر بعين المحايد إلى ما جاء في مصادرهم بشأن هذا الحدث العظيم, وحتى لا نعبأ بسخريتهم في بعض جوانبه وتفاصيله.
والمهم هو أن نكون على معرفة وعلم بما تعنيه تلك المعجزة في فكرهم الديني وما هى ردودهم على ما جاء عنها في القرآن الكريم, والأحاديث النبويّة, والتراث الإسلامي بعامة.
فيقتضي بحث موضوع معجزة الإسراء والمعراج وما حولها من أحداث دراسة الجوانب التاريخية والدينية لمسرح الأحداث للحقبة التي وقعت فيها تلك المعجزة؛ فيكون مطلوب الإلمام بتاريخ منطقة فلسطين, حينذاك, سنة 621 ميلادي, حيث لم تكن فلسطين قد دخلها المسلمون, ومعروف أن فتح فلسطين كان في عهد الخليفة سيدنا عمر بن الخطاب, سنة 16 هـ - 637 ميلادية.
فتقفز إلى الأذهان إذن افتراضات عدة قبل الدخول في نظرة اليهود إلى معجزة الإسراء والمعراج :
1. أن المعجزة وقعت قبل فتح فلسطين, بزمن قصير (ربما 17 عامًا).
2. أن عمر بن الخطاب, الذي فتحت فلسطين في عهده, هو الذي تسلم مفتاح مدينة القدس, من البطريرك الروماني "صفرونيوس".
3. لم يكن بمدينة القدس أية أبنية حجرية غير "كنيسة القيامة", أي لم يكن بها لا هيكل يهودي, ولا مسجد إسلامي (في صورة بناء).
4. أن البطريرك "صفرونيوس" عرض على عمر بن الخطاب, أن يصلي داخل كنيسة القيامة, لكن عمر رفض ذلك خوفًا من أن يتخذها المسلمون من بعدة مسجدًا.
5. ورد بالحديث الشريف أن الأعراب حين سألوا الرسول صلى الله عليه عن صفة المسجد الأقصى أظهره الله له فوصفه.
6. ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالنبيين إمامًا في المسجد الأقصى وقيل إن عدد الأنبياء يربو على 124 ألف نبي – فأين البناء الذي يستوعب هذا العدد من النبيين, في ذلك العصر, وقبل دخول الإسلام فلسطين؟
7. من الثابت تاريخيًا أن عمر بن الخطاب أخذ يبحث عن موضع الهيكل فلم يجد سوى أكوام القمامة وكان الرومان بنوا مكان الهيكل معبدًا لجوبيتر كبير آلهتهم, وكان الفرس هدموه تمامًا, وكان بموضعه كومةمن القمامة, فأخذ يحثو بيديه الشريفتين التراب عن المكان, وقيل بُني في هذا المكان مسجد عمر بن الخطاب.
8. المسجد الأقصى على صورته الحالية لم يبن إلا في العصر الأموي سنة 86 هـ.
9. أن الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه كان ربط الدابة (البراق) في حلقة بسور قديم متبقي لحدود المدينة, ولم يكن سورًا لأي بناء مقدس.
10. هدم الهيكل الثاني اليهودي وسويت به الأرض تمامًا, ولم يتبق منهشيء, سنة 136م على يد القائد الروماني "هادريان", وطرد اليهود من فلسطين.

كل ذلك مع الأخذ في الاعتبار الحديث الشريف الذي ورد فيه أن المسجد الأقصى كان بعد بناء الكعبة المشرفة بأربعين عامًا. 


*****************************************
يطلق على معجزة "الإسراء والمعراج" في المصادر اليهودية: "الرحلة الليلية", ويذكر أن الرحلة كانت من مكّة إلى أورشليم (القدس), ويتم التأكيد على أن المسجد الأقصى لم يكن موجودًا بأورشليم في الوقت الذي حدثت فيه هذه الرحلة الليلية, مستندين في ذلك إلى أن المسجد الأقصى, على صورته الحالية لم يبن إلا في العصر الأموي سنة (86 هـ/705م).
ويعدّون ذلك نوعًا من أسلمة الأماكن قام به محمد عليه الصلاة والسلام (حاشاه ذلك). كما يعلقون على حائط البراق بأن الحائط هو "الحائط الغربي" المعروف في التراث اليهودي لكنه (محمد صلى الله عليه وسلم) استغل (حاشاه ذلك) مسألة ربط دابة "البراق" في جدار هذا الحائط وأسماه "حائط البراق". أما دابة البراق فقالوا عنها إنها هى الدابة التي كان يركبها إبراهيم عليه السلام حين يخرج لزيارة ابنه "إسماعيل", وهى الدابة التي ركبها هو وابنه "إسحاق" ليقدمه ذبيحة قربان للرب, (بحسب الرواية اليهودية), وهى الدابة التي ركبها موسى كذلك, هو وزوجه وأبناؤه حين جاء بهم إلى مصر (بالطبع بعد الهروب إلى صحراء مدين, والمكوث فيها حقبة من الزمن), وهى الدابة الي سيركبها "المسيح ابن داود" في المستقبل. وجاء في المصادر اليهودية أن هذه الدابة هى "حمار خلقه الله ساعة الأصيل"!
موضع ربط دابة البراق في (حائط البراق)
وهى رواية يهودية ومحض اختلاق, ذلك لأنه لم يكن هناك أية مبان لا للهيكل ولا للمسجد الأقصى, على صورته الحالية, حين تسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه, القدس من البطريرك الروماني, فلم يكن هناك حوائط, ولم يكن غير كنيسة القيامة, في ذلك الوقت, حين عرض عليه البطريرك الصلاة داخل الكنيسة فرفض سيدنا عمر رضي الله عنه, خشية أن يتخذها المسلمون مسجدًا بعد ذلك استنانًا بصلاته فيها. وإلا إذا كان هناك مسجد في ذلك الوقت لصلى فيه عمر !
وسبب الاهتمام بهذا الموضع وإظهار مكان لحلقة في جداره, يُزعم أنها كانت موجودة في هذا الجدار, هو محاولة تأصيل وتدليل على أن هذا الحائط قديم, وأن وجوده سابق على مجيء محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج. وبالتالي بما أن المسجد الأقصى الحالي لم يبن إلا في العصر الأموي فهذا يدل, من وجهة نظر يهودية, على أن الهيكل أقدم وجودًا من المسجد الأقصى.
وتحكي المصادر العبرية أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم دخل مغارة داخل حجر الأساس (قبة الصخرة), ومن هناك أصطحبه جبريل إلى السماء للقاء ثلاثة أنبياء, هم: موسى, وإلياهو (إلياس), وعيسى. رأى محمد – صلى الله عليه وسلم - هناك أيضًا جنة عدن, وجهنم, ومصير كل الخلائق بعد الموت.
وحجر الأساس (الصخرة ببيت المقدس), أو بالعبرية (إڤِن هَشتِّيا), ورد ذكره بالتوراة فورد أن "يعقوب", عليه السلام, هو أول من استعمله, وجعله نُصبًا ليكون أساسًا لبيت الرب. وهو ما يشير إليه سفر التكوين :
"ثم بكر يعقوب في الصباح، وأخذ الحجر الذي توسّده ونصبه عمودًاً وصبّ عليه زيتًاً" (التكوين 28 : 18). وهو الحجر أو الصخرة التي كان "تابوت الرب" فوقها, في قدس أقداس الهيكل, حيث كان الهيكل أقيم في هذا الموضع, بحيث تكون الصخرة, هى الأساس المقدّس الذي بُنى الهيكل عليها وحولها. ويحكى في شروح التلمود وحواشيه (الجمارا), التي يؤمن بها اليهود إيمانهم بالتوراة, أن الرب لما أراد أن يخلق اليابسة ألقى بهذا الحجر/بهذه الصخرة في أعماق البحر ثم بنى عليه بقية تراب اليابسة ولذلك سمي حجر الأساس. وبحسب تفاسير (المدراش), أيضًا, فإن حجر الأساس هو الذي قدّم عليه إبراهيم ولدَه "إسحاق" ذبيحًا للرب. ويحكى في قصة هروب "يعقوب" أنه خرج من "بئر سبع" باتجاه "حاران" وتوقف عند "بيت إيل" للمبيت, وكان جمع قدرًا من الحصى ليتوسده خشية أن تصيبه دواب الأرض بمكروه, وعندما استيقظ في الصباح وجد الحصى وقد تجمع وكون حجرًا واحدًا, ومنذ ذلك الوقت أصبحت له تلك المكانة الدينية الرفيعة عند بني إسرائيل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أودّ ألا أضيِّع الوقت فيما قاله اليهود عمّا جاء عن معجزة الإسراء والمعراج في القرآن الكريم وفي الأحاديث الشريفة, والتراث الإسلامي, لسببين :
الأول : أن اليهود يبالغون في نكرانهم لكل ماهو غير يهودي, بل نراهم يتطاولون على نبيِّهم موسى, بل يُخطئون في حقّ الله ذاته (حاشاه ذلك بالطبع)؛ فنراهم يصفونه بالخبيث, والمحتال, وغير ذلك مما يعفّ القلم عن وصفه!
ويكفي في مسألة (الهيكل والمسجد الأقصى) أن أحد الحاخامات يقول : لقد أخطأ الله حين جعل المسلمين يشاركوننا مكان الهيكل"!
ومع ذلك سوف أورد بعض ما ورد في تفاصيل الرحلة في الشروحات اليهودية للمعجزة مع إنكارهم لها واعتبارها خرافة لا ترقى عن كونها أكذوبة:
كان الملكان جبريل على يمينه وميكائيل على يساره. وبدأ العروج من جبل الهيكل إلى السماء السابعة ومن هناك نزل إلى جبل الهيكل في القدس ومنها عاد إلى مكة في الليلة نفسها
وكان محمد, في تلك الليلة, مستلقيًا على فراشه بين اليقظة والمنام, فجاء الملك جبريل ومسّ قدمه، فقام النبي وجلس على فراشه والتفت حوله، ولما لم يجد أحدًا عاود الاستلقاء ثانيةً، ثم عاد إليه جبريل ومسّ قدمه مرة ثانية فقام النبي وجلس فلم ير أحدًا ثم عاد إلى فراشه فجاءه جبريل مرة ثالثة فمسّ قدمه، فنهض محمد وجلس فأخذه جبريل من ذراعه وأوقفه ثم قدّم له البراق, وهو دابة على شكل فرس أكبر من الحمار وأصغر من البغل طويل أبيض، وقال بعضهم إنه أبيض أسود وقال آخرون إنه أبيض مائل إلى الحمرة, طويل الأذنين، وجهه وجه إنسان، وجسمه جسم حصان، وأرجله أرجل ثور، وذنبه ذنب ظبي، وله جناحان, ليس بذكر ولا بأنثى خطوته مد بصره. (هذا الوصف يتطابق مع وصف مخلوقات علويّة في التوراة تسمى "الكروبيم")
أمسك الملك جبريل بزمام البراق، فركب محمد عليه وانطلق.
وفي طريقه التقى بالأنبياء إبراهيم, وموسى, وعيسى, ثم جاء إلى أورشليم (جدير بالذكر أن الاسم أورشليم اسم عربي أصيل لا غضاضة من استخدامه مرادفًا للاسم "القدس" الذي ورد بكتاب العهد القديم أيضًا)، فولج من جهة الجنوب, وربط البراق في الحلقة التي ربط فيها جميع الأنبياء دوابهم سابقًا، وعلى وفق رواية أخرى ربطه في حجر، ثم دخل إلى جبل الهيكل عند حجر الأساس (قبة الصخرة) فصلى هناك مع الملائكة والأنبياء والرسل الذين بُعثوا من قبورهم بأرواحهم ثم تجمعوا وجاءوا جميعًا أفرادًا لتعظيم خاتم الأنبياء الذي صلى بهم إمامًا.
وإلى جهة الشرق من قبة الصخرة شاهد (الحور العين). ثم تجلّى له (المعراج) والمعراج هو اسم لسلم, لا مثيل لجماله، جزؤه الأول من فضة، وجزؤه الثاني من ذهب, قمته في السماء، وهو سلم تتطلع إليه عيون المحتضرين من المسلمين, قبل الموت.!
ووضع النبي صلى الله عليه وسلم قدمه على الصخرة كي يعتلي البراق فزُلزلت الصخرة وارتعشت ومالت إلى ناحية الجنوب خشية وإجلالاً لمقامه, فأمسك بها الملائكةُ, وقيل إن الصخرة طارت خلف الرسول.
ويقال إن في تلك الصخرة أثار قدم النبي على الطرف الجنوبي منها!، وعلى الطرف الشمالي منها أثر لمسات الملائكة حينما أمسكوا عن الميل إجلالًا لمقام سيد الأنام!.
وتنتشر حكايات لا حصر لها حول تلك الصخرة وكراماتها فقيل إنها الصخرة التي تمتد أنهار الأرض من تحتها, وأن بها تجويفًا يقال له "مغارة الأرواح" هى الكهف الوارد ذكره في "سورة الكهف" وهى الصخرة المقصودة في الآية الكريمة: (أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت، وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجباً). في رحلة موسى مع الرجل الصالح, عليهما السلام .
مع أن من الراجح تاريخيًا أن موسى لم يدخل الأرض المقدّسة, وتوفي على مشارفها هو وأخاه الأكبر هارون, عليهما السلام.وتذكرنا هذه الصخرة بحديث كعب الأحبار:
(عن كعب الأحبار أن الله تعالى قال للصخرة: أنت عرشي الأدنى، منك ارتفعت إلى السماء، ومنك بسطت الأرض، ومن تحتك جعلت كل ماء عذب يطلع في رؤوس الجبال).!
ولا أريد أن أطيل فيما نسب إلى تلك الصخرة في المصادر اليهودية, لأن ما يرد بشأنها في المصادر المختلفة يمكن بيسر وسهولة إرجاع معظمه للمصادر الإسرائيلية!
(يتبع)
الدكتور/سامي الإمام
أستاذ الديانة اليهودية/بكلية اللغات والترجمة/جامعة الأزهـر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق