الثلاثاء، 2 يونيو 2015

بعض ملامح الرَّبا (في اليهودية)

تستخدم اللغة العبرية مصطلحات عدّة للتعبير عن الرّبا, ولعل أبرزها لفتًا للأنظار – لأنه يتشابه مع أثر الربّا في الإسلام – هو مصطلح (نِشِخْ), المشتق, في العبرية, من الجذر (ن.ش.خ) وهو الجذر نفسه الذي تشتق منه الكلمات: عضّ, نهَش, لدَغ, لسَع, وقرْطَم. والدين بفائدة مرتفعة - في تأكيد على الأثر السيء للربا على المقترض فكأنه أصيب بلدغة عقرب, أو نهش شعبان سام!
فالربا على ذلك يشبَّه بأكل لحم الأخ اليهودي, أو قتله بالسمّ.
ولذلك عدّ النبي حزقيال المرابين والمرابحين كسافكو الدماء. ولذا قيل: الربا هو القتل في الخفاء الذي يتعذر على القضاة إثباته!
وتستخدم العبرية أيضًا أفعالا بمعاني : أقرض للدائن, واقترض للمدين من الجذر (לוה, לווה, מלוה). ويأتي ذكر الرِّبا في مواضع عدَّة من التوراة:
(إن أقرضتَ فِضَّة لشعبي الفقير الذي عندك، فلا تكن له كالمرابي، لا تضعوا عليه رِبًا) سفر الخروج 22 : 25
(وإذا افتقر أخوك وقصرت يده عندك فاعْضُده . . لا تأخذ منه رِبا ولا مُرابحة فِضَّتك لا تُعْطه بالرِّبا وطعامك لا تعطه بالمُرابحة. سِفْر اللاوِيِّينَ 25 : 35 -37
(لا تُقْرض أخاك بربا، ربا فِضَّة أو ربا طعام أو ربا شيء ما مِمَّا يقرض بربا) سفر التثنية 23 : 19
(للأجنبي تقرض برِبا ، ولكنْ لأخيك لا تقرض بربا ، لكي يُباركك الربّ إلهك في كل ما تَمتدّ إليه يدك في الأرض التي أنتَ داخل إليها لتمتلكها) التثنية 23 : 20
يتضح بجلاء من الآيات السابقات أن الربّا منهي عنه إن كان بين اليهودي وأخيه اليهودي, وكذلك المرابحة, أما الأجنبي فمن الواضح جواز إقراضه بالربا, ليس هذا وحسب بل يدخل ذلك في دواعي البركة من الربّ!
وجاء أيضًا:
(وأنا أيضا وإخوتي وغِلْماني أقرضناهم فِضَّة وقمحا فلنترك هذا الربا. ردوا لهم هذا اليوم حقولهم وكُرومهم وزيتونهم والجزء من مائة الفِضَّة والقمح والخَمْر والزيت الذي تأخذونه منهم ربا . . ثم نفضت حجري وقلت هكذا ينفض الله كل إنسان لا يقيم هذا الكلام من بيته ومن عَقِبه . . ). نحميا 5 : 10 - 13
وجاء في سفر حزقيال (الإصحاح 18) سمات النفس التي تخطئ، فهي تموت بإثم الرجاسات والمعاصي - ومن بينها: ظلم الفقير والمسكين والاغتصاب, وعدم ردّ الرَّهْن ورفع اليد إلى الأصنام, كناية عن عبادتها!, وفعل الرّجس . . والإقراض بالرِّبا وأخذ الربح الحرام، أفيحيا؟ إنه لا يحيا!
ومن المصادر المهمة, بالعبرية, التي تتناول موضوع الربا, باب المُقرِض والمقترض, جزء القضاء, من كتاب "تثنية الشريعة", للراب "موشيه بن ميمون", الذي يضم 27 فصلا في هذا الموضوع.

فقد حفلت النصوص برعاية المَدِينين، ومنعت مضرَّتهم في الرُّهون المَقْبوضة، وفرضت إبراء المُعْسِر مِمَّا عليه من القَرْض كل سبع سنين (السنة السابعة/الشميطا)، وكل ذلك عندهم ما لم يكن المَدِين أجنبيًا.
ويمكننا تعديد ملامح الربا الأساسية في اليهودية فيما يلي:
• يعدّ من يُقرِض بالربا ليهودي مثله كمن يكفر بـ "خروج مصر" أو بـ "إله إسرائيل"! فيتساوى بذلك, عندهم, المرابي في مال يهودي مثله, بالكافر.
• المرابي مع يهودي مثله لا يُبعث في آخرة الأيام من الموت!
• لا يجوز أخذ ربَّا من اليهودي حتى لو كان المقترض غنيًا – لكن ظروف اضطرته للاقتراض – ويجوز مع الأغيار.
• لا يجوز أخذ الربا من اليهودي حتى لو دفع هو من تلقاء نفسه عند السداد وقال : لم نتفق على شيء, أو خذ هذه الزيادة على سبيل الهدية.
• الإقراض بالربَّا من اليهودي لغير اليهودي (حدده الحكماء بمن على دين إسماعيل (المسلمون), أو على دين النصارى), ثابت في نصوص التوراة, لكن الحكماء أوقفوا هذا الربا وحرموه مع الأغيار إلا في حالة واحدة إذا كان ضروريًا لإحياء النفس اليهودية! وليس بغرض الاغتناء, إلا إذا كان المُقرِض حاخام تحت التخرج فيسمح له بذلك.
• لا يجوز لليهودي الاقتراض بالربا من المرتد عن اليهودية.
• يُعدّ ربا كل بيع يدخله التأجيل، ولا يَقْتصر على القَرْض، فإذا كان الرِّبا هو ما يُؤدِّيه المُقْترِض زيادة على مِقْدار ما اقترض، فإن الحاخامات قد ألحقوا به كل ما يمنع التهرُّب من تحريمه، فحرَّموا بعض أنواع الرّبا الاعتباري، ووصفوه بزيادة ثمن بيع الشيء نسيئة على سعره حاضرًا ، فالأرض التي ثمنها الآن 1000 شيقل، لا يجوز بيعها بثمن مُؤجَّل إلى سنة بـ 1200 شيقل.
• ومن أنواع الربا أن يبيع الشخص شيئًا ليس عنده! أو قبل أن تظهر ثماره, كمن يبيع قمحًا لم تظهر سنابله, أو عنبًا لم تبدو عناقيده, خشية أن يكون الثمن أقل من سعره في السوق حال نضجه.
• يعدّ من الربا كل كلام زائد عن المعتاد؛ فلو قال مدين لدائن "صباح الخير" على غير عادته فهذا من الربا !
وموضوع "الربا في اليهودية" أكبر من ذلك بكثير ولكننا نقدّم ملامح أساسية سريعة لعلها تكون نافذة يطل منها الباحثون المريدون عمل أبحاث مقارنة وهى مهمة في مجال المقارنات المظهرة لسماحة الدين الإسلامي ومعاملته الناس - كل الناس - على قدر واحد من العدالة والمساواة والإنسانية .
د. سامي الإمام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق