الخميس، 24 ديسمبر 2015

محمد صلى الله عليه وسلَّم . . في كتاب "العهد القديم"


مقدمة ضرورية في حقه صلى الله عليه وسلّم:
سبقت مشيئة الله سبحانه وتعالى بأن يجعل دين محمد صلى الله عليه وسلم هو دين العالمين, فقد أخذ الله العهد والميثاق على أصحاب الديانات السابقة؛ اليهود والنصارى, بأن يؤمنوا بمحمد (ص) إن جاءهم مصدقًا لما أنزل عليهم, وكان معنى ذلك تنبيه الأمم والشعوب التي ستدرك زمن محمد (ص), إلى الإيمان به والتصديق بدعوته لأنها دعوة الحق, ولأنها الدعوة العالمية التي كتب الله لها الخلود إلى أن تنفطر السماء وتنكدر النجوم وتبدل الأرض والسماوات.وفي ذلك يقول الله تعالى :
(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) سورة أل عمران/ الآية 81
كما أخبر الله الأنبياء فيما أنزل عليهم من كتب – بكرامة هذا النبي العظيم وذكر لهم من أوصافه وعلاماته ما يجلو غواشي الشك ويضيء طريق الحق. وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى :
(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). سورة الأعراف/الآية 157
ويقول تعالى :
(وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ) سورة الصف/الآية 6

في التوراة
********
وجاء بالتوراة أخبار عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأوصاف تؤيد صدقه في نبوته وهى دلائل قوية كانت كافية لإقامتهم على المحجة لولا ما ران على قلوبهم من أكدار الحقد والحسد, وسوف نذكر فيما يلي بعض ما روي في هذا الشأن.
أولا :
روي عن ثعلبة بن هلال وكان من أحبار اليهود حينما سأله عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال : أخبرني بصفات النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة. فقال : أن صفته في توراة بني هارون التي لم تغير ولم تبدل هى "أحمد من ولد إسماعيل بن إبراهيم وهو آخر الأنبياء. وهو النبي العربي الذي يأتي بدين إبراهيم الحنيف معه صلاة لو كانت في قوم نوح ما أهلكوا بالطوفان, ولو كانت في قوم عاد ما أهلكوا بالريح, ولو كانت في قوم ثمود ما أهلكوا بالصيحة, يولد بمكة, وهو أمي لا يكتب ولا يقرأ المكتوب, وهو الحماد يحمد الله في الشدّة والرخاء صاحبه من الملائكة جبريل, يلقى من قومه أذى شديدًا ثم يحال عليهم (أي تكون له الدولة) فيحصدهم حصيدًا. تكون الواقعات بيثرب منها عليه ومنه عليها ثم له العاقبة. معه قوم هم أسرع إلى الموت من الماء من رأس الجبل إلى أسفله. صدورهم أناجيلهم وقرباتهم دماؤهم "ليوث النهار, رهبان الليل. يرعب العدو مسيرة شهر. يباشر القتال بنفسه ثم يخرج ويحكم لا حرس ولا حجاب معه .. الله يحرسه ..".
ثانيًا :
على الرغم من أن الأمر محسوم عندنا بنص القرآن الكريم بأن اليهود حرفوا التوراة وبدلوا وغيروا في معظم نصوصها مصداقًا لقول الله تعالى:
}فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ{ سورة البقرة/الآية 79
إلا أن ذلك لم يمنع من استنطاق نصوص التوراة الحالية, على ما بها من تغيير, لاستخراج رموز وإشارات وآيات تدل دلائل واضحة على النبوءة بسيد الأنام سيدنا محمد عليه وعلى سائر الأنبياء أفضل الصلاة والتسليم.
1 . جاء في سفر التكوين, أول أسفار التوراة :
"وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه. ها أنا أباركه, وأثمره, وأكثِّره "بـ ماد ماد" ترجمة (التكوين 17 : 20)
والشاهد في هذه الآية هو الكلمة الأخيرة (بمادماد), حيث يقول باحثون إن هذه العبارة التي تعني, في العبرية أيضًا, (بكثير جدًا), يقولون : إنها موضوعة عمدًا بدلا من الاسم (محمد), حتى إذا بُعث يكونون في حل من إنكاره. واستندوا في ذلك إلى أن مجموع ما يقابل هذه الحروف بالعبرية يساوي 92 أي أن كلمة (بكثير جدًا) = محمد, فكل منهما إذا نُقل إلى أرقام فيما يعرف بحساب الجُمَّل, في العبرية, يكون مساويًا للرقم 92.
على النحو التالي :
بكثير جدًا = במאד מאד = 2+40+1+4 +40+1+4 = 92
محمد = מחמד = 40+8+40+4 = 92
والشاهد, في رأينا, بالإضافة إلى ما ذكر , فإن من الناحية اللغوية, في العبرية, لا يجوز تقدم حرف الجر, الباء, لعبارة (كثيرًا جدًا /מאד מאד), ليكون المعنى (بكثير جدًا) فلا لزوم للباء إن أُريد قول (يُكثِّره كثيرًا جدًا).
وجاء بعد هذه الجملة مباشرة, في الآية نفسها :
"اثني عشر رئيسًا يلد وأجعله أمة كبيرة".
والعبارة الأخيرة, هنا أيضًا, أمة كبيرة, بالعبرية (لجوي جادول) تدل على أمة محمد, عليه الصلاة والسلام, وتساوي بالقيمة العددية, طبقًا لحساب الجُمَّل, الرقم 92 أيضًا.
وكان اليهود يقصدون من تلك الرمزية, بالإضافة إلى إخفاء الاسم الصريح, أنه إذا جاء من ذرية إسماعيل من يجهر بالنبوّة ويكون اسمه بحساب الجمّل مساويًا لمجموع إحدى الكلمتين (بمادماد/أو لجوي جادول), فإنه يكون هو النبي المنتظر من آل إسماعيل لتبدأ به بركة الأمم في آل إسماعيل مثلما بدأت بركة الأمم في آل إسحاق بموسى عليه السلام صاحب الشريعة المقابلة للقرآن.
وجاء عن ذريّة إسماعيل ما يلي :
"وهذا سجل مواليد إسماعيل بن إبراهيم الذي أنجبته هاجر المصرية جارية سارة لإبراهيم. وهذه أسماء أبناء إسماعيل مدوّنة حسب ترتيب ولادتهم: نبايوت بكر إسماعيل، وقيدار وأَدبئيل ومبسام، ومشماع ودومة ومسَّا، وحدار وتيما ويطور ونافِيش وقِدمة.
هؤلاء هم بنو إسماعيل، وهذه هي أسماؤهم حسب ديارهم وحصونهم، وقد صاروا اثني عشر رئيساً لاثنتي عشرة قبيلة. ومات إسماعيل وله من العمر مئة وسبع وثلاثون سنة، ولحق بقومه. أما ذرّيته فقد انتشرت من حويلة إلى شُور المُتاخمة لمصر في اتجاه أشور، أمام جميع اخوته نزل"
وقد صارت فعلا أمة العرب التي هى من نسل إسماعيل بن إبراهيم وعلى رأسها قبيلة قريش التي من نسل قيدار أمة إسلامية كبيرة, وكان منها النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
ومن التزوير الحديث جدًا أعقب النص الذي يتناول سجل مواليد إسماعيل, الذي ذكرناه سابقًا, في النسخ الإليكترونية على شبكة المعلومات, أعقب بعبارة:
"وكانت على عداء مع بقيّة إِخوتها." !! فاليهود لا يكفّون عن التحريف والتبديل والتزوير وهم على ذلك أبدًا.
2 . وفي موضع آخر نقرأ عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم, في تعبيرات صريحة لا يعوزها شرح أو توضيح :
"لأنه بإسحاق يدعى لك نسل. وابن الجارية أيضًا سأجعله أمّة لأن نسلك هو". التكوين (21 : 12 – 13).

ولا تحتاج الآية إلى شرح فهى تتحدث عن ذريّة إبراهيم أبو الأنبياء, فسيكون له نسل من إسحاق, ومن إسماعيل عليهما السلام, وفيها ذكر أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وفيها تأكيد على أن نسل الجارية !, المقصود هاجر عليها السلام, يتساوى مع نسل سارة.

3 . وورد في سفر التكوين أيضًا :
"لا يزول صولجان المُلك من يهوذا ولا مُشْتَرِع من صُلبِه حتى يأْتي شيلوه (ومعناه: من له الأمر) فتطيعه الشعوب". التكوين 49 : 10
وهذه الآية تتحدث عن الحكم والسلطان, والمقصود بيهودا هو حكم أنبياء اليهودية وملوكها؛ موسى, وداود, وسليمان, وأما المقصود بالمشترع من بين رجليه أو من صلبه فهو المسيح عليه السلام, لأنه كان من بيت يهودا, لأمه مريم عليها السلام, وأما العبارة الأخيرة, أو المجهول الثالث فيها والذي تم التعبير عنه ب (حتى يأتي شيلوه/حتى يأتي من له الأمر), فيكون الحكم والعمل على شريعته, ولم يتحقق هذا إلا بسيدنا وسيد الأنام أجمعين محمد صلى الله عليه وسلم .
وهذه العبارة الأخيرة, ترجمت في نسخة لندن : حتى يجيء الذي له الكل وإياه تنتظر الأمم".

اعتنق حبر من أحبار اليهود الدين الإسلامي, في زمن السلطان بايزيد العثماني سلطان تركيا, وسمى نفسه عبد السلام, وكان متضلعًا في اللغة العبرانية مجيدًا لدراسة التوراة خبيرًا بتفسيراتها وتوضيح ما خفي منها من كلام الأنبياء الذي كان أكثره رموزًا انطوت على مقاصد خفية لا يمكن إدراكها إلا عند حدوث ما تشير إليه, ولذلك ألف كتابًا سماه (الرسالة الهادية) يرد فيها على بني قومه السابقين من اليهود, وقد أورد في هذه الرسالة كلام جد بني إسرائيل الذي سلفت الإشارة إليه, وترجمها من اللغة العبرية في التوراة إلى اللغة العربية حسب الآتي :
لا يزول الحكم من يهودا – ولا راسم من بين رجليه حتى يجيء الذي له وإليه تجتمع الشعوب".
وقال عنها إن المراد من الحاكم من يهودا هو موسى عليه السلام لأنه بعد يعقوب ما جاء صاحب شريعة إلا موسى. والمراد من الراسم هو عيسى عليه السلام, لأنه بعد موسى ما جاء صاحب شريعة إلا عيسى, وبعدهما ما جاء صاحب شريعة إلا النبي محمد صلى الله عليه وسلم, لذلك كان هو المراد من كلام يعقوب في آخر الأيام لأنه ما جاء بعد الحاكم والراسم صاحب شريعة إلا هو, ويدل عليه أيضًا قوله : حتى يجيء الذي له – أي الذي له الحكم, وأما قوله وإليه تجتمع الشعوب فهى دلالة واضحة وعلامة صريحة على النبي محمد, صلى الله عليه وسلم لأن الشعوب ما اجتمعت إلا إليه وكان دينه عالميًا إلى الناس والشعوب جميعًا بوصفه رسولا بشيرًا ونذيرًا للعالم أجمع.
4 . وجاء عن هاجر, ووليدها إسماعيل, عليهما السلام, ومكة (فاران), في التوراة:
"وسمع الله بكاء الصبي، فنادى ملاك الله هاجر من السماء وقال لها: ما الذي يزعجك ياهاجر؟ لا تخافي، لأَن الله قد سمع بكاء الصبي من حيث هو ملقى. قومي واحملي الصبي، وتشبثي به لأنني سأجعله أمّة عظيمة. ثم فتح عينيها فأبصرت بئر ماء، فذهبت وملأت القربة وسقت الصبي. وكان الله مع الصبيّ فكبر، وسكن في صحراء فاران، وبرع في رَمي القوس" سفر التكوين 21 : 17 - 20
فجملة : "قومي واحملي الصبي، وتشبثي به لأنني سأجعله أمّة عظيمة"
معناها الواضح الذي لا يحتاج شرح قومي احملي هذا الطفل واحتفظي به فإن منه محمدًا وذريته ستكون أمة كبيرة.
أما عبارة "وبرع في رمي القوس" فهى واضحة الدلالة على سيدنا إسماعيل عليه السلام ويؤيدها ما جاء في التراث العربي من أن إسماعيل عليه السلام كان مولعًا بالصيد والرمي في صغره. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم "ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميًا".
5 . ورد في سفر التثنية :
"لهذا أُقيم لهم نبيًا من بين إخوتهم مثلك، وأضع كلامي في فمه، فيخاطبهم بكل ما آمره به". (التثنية 18 : 18).
وعبارة "نبيًا من بين اخوتهم" تفيد أن هذا النبي المرتقب ليس من بني إسرائيل بل من بين أخوتهم الآخرين, في إشارة إلى بني إسماعيل لأن بني إسماعيل هم أخوة لبني يعقوب/إسرائيل بن إسحاق لأن الجميع أبناء سيدنا إبراهيم عليه السلام الذي هو أب لجميع الأمم, وأب لجميع الأنبياء.
وعبارة "وأضع في فمه" إشارة إلى أميّة هذا النبي المنتظر, فهو لا يقرأ ولا يكتب ولذلك قال سأضع رسالته في فمه, فينقل إلى أتباعه كل ما يأمره به الرب.
6 . وجاء على لسان موسى عليه السلام:
"أقبَل الرب من سيناء، وأشرف عليهم من سعير، وتألق في جبل فاران؛ جاء محاطًا بعشرات الأُلوف من الملائكة وفي يمينه سِنة من نار. حقًا إنك أنت الذي أحببت الشعب؛ وجميع الأطهار (المؤمنين) في يدك" (التثنية 33 : 2).
وتفسير هذه الآية, كما يقول المؤلف, هى وصية من سيدنا موسى, عليه السلام, عن الله تعالى حين وفاة سيدنا موسى وهى آخر وصاياه فلهذا أخبرهم بالرسولين المعظمين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام وأوصاهم بأن شريعة الله جاءت من سيناء بواسطته (موسى), وستشرق عليهم بواسطة عيسى من ساعير – فلم يبق إلا أن تستعلن من جبل فاران والمراد به مكة – ومعه ألوف الأطهار ورمز به إلى سيدنا محمد خاتم الأنبياء ومعه تلك الألوف من الصحابة الأطهار.
وعبارة "في يده سنة من نار" هى شريعة الإسلام لأن فيها وعدًا ووعيدًا وحربًا وجهادًا فأحرقت المشركين ومحقتهم وأدخلتهم النار وبئس المصير,. وقد فسرت تفسيرًا حديثًا بمعنى "شريعة".
7. جاء في المزامير:
(غنوا لله رنموا لاسمه, مهدوا طريقًا للراكب في القفار باسم الرب (في سبيل الرب). وافرحوا أمامه (لمقدمه). الله يسكن المتوحدين في بيت (يجمعهم), مخرج الأسرى بقدرة (بقدرته). (المزامير 58 : 14 – 16).
تتحدث هذه الآية عن خروج سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم, وظهوره. لأنه خرج من الصحراء وهى القفار وقد أخرج أسرى الظلمات والجهل, وهم العرب, إلى فلاح التوحيد والنور.
8. ورد في سفر أشعيا :
(وحي من جهة بلاد العرب, في الوعر في بلاد العرب تبيتون, يا قوافل الدادانيين هاتوا ماء لملاقاة العطشان, يا أهل تيماء استقبلوا الهارب بالخبز. لأنهم قد فرّوا من السيف المسلول، والقوس الموتور، ومن وطيس المعركة. لأنه هذا ما قاله لي الرب: ..... ويفنى كل مجد قيدار (قريش). (أشعيا 21 : 14 – 16).
والكلام هنا صريح عن محمد صلى الله عليه وسلم, وأنه الموحى إليه من بلاد العرب وهى أرض الحجاز الموصوفة بالوعر وقوله هاتوا ماء لملاقاة العطشان وخبز للهارب هى إشارة إلى هجرته صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة. وذكر في النبوءة أهل تيماء لأنهم صالحوا النبي وتيماء هى "وادي القرى" من أعمال المدينة. وقوله "يفنى كل مجد قيدار" إشارة إلى ما كان بعد هجرته من نصرة الله تعالى له على أبطال بني قيدار وجبابرتهم من المشركين فمزقهم وفتح الله تعالى له مكة – لأن قيدار من أولاد إسماعيل, ولعله يكون جد قبيلة قريش.
جاء في سفر أشعيا:
"افتحوا الباب لتدخل الأمة البارة الحافظة الأمانة ذو الرأي المُمكَّن توكلوا على الرب إلى الأبد" (أشعيا 26 : 2).
والمقصود بهذا النص هى البشارة بأمة الإسلام بدخول القدس.
"يصوتون في البحر لذلك في المشارق, مجدّوا الرب" (أشعيا 24 : 14).
وهذه إشارة لما وقع للمسلمين الأوائل, حين أضطهدوا, فسافر جماعة منهم إلى بلاد الحبشة عن طريق البحر ثم عادوا بعد حقبة من الزمن إلى المدينة المنورة حين هاجر إليها نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم, فكانوا يرتلون القرآن في البحر لأن طريقهم كان البحر – وكان هناك مجد للرب بإنشاء أول حكومة إسلامية على أرض إسلامية يعبد فيها الله دون خوف واضطهاد في المدينة.
فالمشارق, في الآية المذكورة, تعني بلاد العرب وهى إلى جهة الشرق من بلاد الحبشة.
"من أقاصي الأرض سمعنا التسابيح, حمد البار" (أشعيا: 24 : 16).
فهنا "أقاصي الأرض" لا تنطبق على أورشليم, ولا على جبل الزيتون, ولا على الناصرة, أو الجليل, بل المراد بها تسبيح الحجاج المسلمين في مكة وعرفات وتسبيح المسلمين في الأماكن البعيدة.
"ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد...لأن بني المستوحشة أكثر من بني ذات البعل (الزوج), أوسعي مكان خيمتك ولتبسط شقق مساكنك لأنك تمتدين إلى اليمين وإلى اليسار ويرث نسلك أممًا, لأن بعلك هو صانعك, رب الجنود اسمه ووليك قدوس إسرائيل. إله كل الأرض يدعى وكل بنيك تلاميذ الرب وسلام بنيك كثيرًا الخ.( أشعيا 54 : 1 – 14.)
فقوله أيتها العاقر التي لم تلد كناية عن أورشليم التي سكنها أولاد إسحاق, عليه السلام, باعتبار أن والدته السيدة سارة, عليها السلام, كانت عاقرًا قبل ولادته.
وقوله بني المستوحشة أكثر من بني ذات البعل كناية عن أبناء السيدة هاجر, عليها السلام, وهم أولاد إسماعيل عليه السلام, إذ سكنت الصحراء ببلاد العرب وكان أولادها كثيرين وورثوا الأمم السابقة – والمستوحش هو البعيد عن أهله, وكانت هاجر بعيدة عن أهلها في مصر, وبعيدة عن زوجها أيضًا وهو إبراهيم, عليه السلام.
"صوت يصرخ ويقول: أعدّوا في البرية طريق الرب، وأقيموا طريقًا مستقيمًا لإلهنا.... وتُمهَّد كل أرض مُعْوَجَّة وتُعَبَّد كل بقعة وعرة ويتجلّى مجد الله، فيشاهده كل بشر" (أشعيا 40 : 3-5).
والبرية هى بلاد العرب, والدليل على ذلك النص العبري الذي يُعبِّر بكلمة بـ "عرباه", وورد في (أشعيا 21 : 13), في الوعر بلاد العرب, فجيش الإسلام الفاتح أتى من القفر أي: من بلاد العرب. فالعبارة هنا إشارة لجيش الإسلام الذي يبدأ انطلاقه من القفر.
"من أَنهض من المشرق قائدًا مُظفرًا، يواكب النصر كل خطوة من خطواته، وأَسلم الأُمم إليه وأخضع له الملوك، وجعلهم كالتراب بسيفه، وكالعصافة المُذرّاة بقوسه؟ يتعقَّبهم ويجوز آمنًا في دروب لم يطأْها بقدميه. من فعل هذا وأَنجزه داعيًا الأَجيال منذ البدء؟ أنا الرب. أنا الأول والآخر". (أشعيا 41 : 2-4).
فالمراد هنا, بالاستفهام (منَ هو الذي سأنهضه, من المشرق, القائد المظفر), سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن بلاد العرب يقال لها بلاد المشرق هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن المقصود بالآخرين هم المسلمون بنو إسماعيل, وعبارة "من أنهض من المشرق" لا تفيد الماضي بل تفيد الاستقبال لقوله بعدها الذي يلاقيه النصر فيلاقيه فعل مضارع للاستقبال وكذلك الحال في لفظ دفع امامه يفيد الاستقبال أيضًا.
وهناك غير ذلك أيضًا من الإشارات التي لا تُخطأ تدل على رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم, وعلى الأمة الإسلامية وفتوحاتها وانتصاراتها وإخضاع الشعوب والملوك لرسالته. لكن هذه الإشارات متناثرة في كتاب "العهد القديم" وهو كتاب ضخم حيث تصل عدد صفحاته أكثر من ألف ومائة صفحة. كما تختلف نصوصه حذفًا, وإضافة, وترتيبًا, بحسب طبعاته.
وإن شاء الله يتوفر وقتًا لعمل بحث مستقل يجمع شتات هذه الإشارات المتناثرة, ونعدّ ذلك من ألحّ ما يجب فعله في حق الحبيب؛ محمد صلى الله عليه وسلم, وأمته العظيمة, التي وصفت في الذكر المحفوظ بـ "خير أمة أخرجت للناس".
وندعو الله أن يوفقنا لإتمام هذا العمل.
آمين

هناك تعليق واحد: