
نُصب في سنة 1989م تحت استار الظلام تمثال من البرونز الذهبي يبلغ وزنه 3,200 كجم أمام مبنى بورصة نيويورك. سمى هذا التمثال بالـ ثور الهائج , وكان قام به المثَّال أرثرو دي موديكا كهدية عيد الميلاد لسكان نيويورك (معروف أن هناك ما يقرب من 5 مليون يهودي في ولاية نيويورك). وكان هدف الفنان أرثرو الذي قام بعمل التمثال على نفقته الخاصة رفع روح سكان الولاية المعنوية بعد أن كانت بعد مشكلة البورصة في سنة 1987م وقد اختار دي موديكا تمثال الثور لأنه يستخدم اعتبارًا من القرن الـ 18, رمزًا لارتفاع الأسعار بالبورصة الأمريكية, في حين يرمز الدبّ إلى انخفاض الأسعار. كما أراد الفنان أن يعبر عن جسارة القوّة الرأسمالية , والآمال المعلقة على الانتعاش الاقتصادي اعتمادًا على الذهب!. ولذلك اختار نصب هذا التمثال في مدخل الـ وول ستريت.
ومن جانب آخر هناك في مواجهة ثور الذهب الخاص بالمتضاربين في نيويورك نصب عجل الذهب العبري. فهو مجرد عجل أما قوة الثورية فيه لم تبلغ بعد درجتها القصوى! فهو لم يوضع لمجرد تمثيل القوة المادية بل السقطة الدينية (في إشارة إلى عجل الذهب الذي ضلّ بنو إسرائيل خلفه في زمن موسى عليه السلام).
فالإنسان منذ فجر التاريخ وحتى زمننا المعاصر يحتاج إلى رموز ماديّة تعبر عن قوى روحية كالقوى المادية؛ فـ"الثور الهائج" يرمز إلى "عبادة الأوثان" التي تمثِّل الثقافة الأمريكية, التي تنعكس في النمط الاستهلاكي وعبادة الانجازات الماديّة.
لكي يعدّ عجل الذهب تنازل بنو إسرائيل عن ممتلكاتهم المادية فعجل الذهب يرمز إلى الرغبة في التعبير المادي لعبادة الرب بالإضافة إلى تشكيله قوّة دافعة لم تبلغ مداها الأقصى بعد! ومع ذلك فبهذا الرمز وبالطقوس التي أحاطت به تكمن خطورة ظهور دين جديد يمجد القوة. ويتطلب هذا التهديد ردًا راديكاليًا, غير تقليدي تطلب تحطيم العجل وسقيا بني إسرائيل بالماء المحتوي على رماد الوثن, وكسر الألواح (المقصود ألواح الوصايا التي كسرها موسى عليه السلام حين شاهدهم يعبدون العجل), وقتل كل رجل لأخيه. وعلى الرغم من كل ذلك فلا تزال الخطورة ماثلة تكمن على أبوابنا.
عجل الذهب في تاريخ بني إسرائيل
كسّر موسى عليه السلام لوحي الشريعة, المتضمنين للوصايا, حين رأى قومه يعبدون العجل. وبعد معاقبة الرب لهم صعد موسى ثانيًا الجبل بغرض مناجاة ربه واستغفاره لقومه. ثم رجع من الجبل بعد أربعين يومًا وقد تلقى من الله أمرًا بعمل لوحين حجريين جديدين وأن يصعد الجبل للمرة الثالثة ليكتب الله له التوراة في اللوحين الجديدين؛ وهناك نصّ توراتي يقول : إن الله نقش الشريعة في هذين اللوحين بأصبعه!.
ولما رجع بعد أربعين يومًا أخرى جمع إليه بني إسرائيل وألقى عليهم الشريعة وقرأ عليهم الوصايا العشر, جُلّ ما في الشريعة.
كانت خطيئة عبادة العجل بعد زمن قصير من تسلم لوحي الوصايا (40 يومًا) ولذا عوقب الشعب على خطيئته بأن أجبر على الشرب من المياه التي ذرّى بها رماد العجل بعد أن حرَّقه موسى. أما المخطئون ورؤساء المحرضين, البالغ عددهم بحسب التوراة حوالي ثلاثة آلاف رجل, فقد قتلوا على يد جماعة سبط لاوي. كما أنزل الرب وباءً بالشعب لا يعرف عدد ضحاياه.وكان من نتيجة ذلك أيضًا أن كُتب التيه على بني إسرائيل أربعين عامًا, كان المقصود من ذلك فناء معظم هذا الجيل تمامًا.
تكررت عبادة العجول الذهبية, بعد موت الملك سليمان (928 ق.م), والشقاق الذي وقع بين القبائل العبرية وانقسام المملكة إلى شقين, المملكة الشمالية وكانت تسمى "إسرائيل", وعاصمتها "السامرة" وكانت أكبر وأقوى عسكريًا من المملكة الجنوبية التي كانت تسمى "يهودا" وحيث كانت أورشليم مركزًا دينيًا للأسباط. وأدى ذلك إلى قيام "يربعام بن ناباط" بوضع تماثيل لعجول ذهبية في مقدسات "بيت إيل" و"دان" القديمة في المملكة الشمالية, ليجابه بها نفوذ أورشليم الديني. وهو الأمر الذي أدى إلى عقابهم على يد الرب :
(قلت أبددهم إلى الزوايا وأمحو من الناس ذكرهم).
وربما هى إشارة إلى سبيهم على يد الآشوريين سنة 722ق.م وبذلك محي ذكرهم من الوجود وسموا بالقبائل الضائعة أو الأسباط العشرة الضائعة.
تذكرنا عبارة الرب (قلت أبددهم إلى الزوايا وأمحو من الناس ذكرهم), بعبارة (إسرائيل) الوحيدة المتبقية على نقش تل العمارنة بمصر, المنسوب إلى الفرعون "مرِينْ بِتَاح", وسبب ذلك أنه يقول في نقشه :
(لقد محوت كل ذكر لإسرائيل), والمقصود من أرض مصر. وهذا ربما سبب عدم وجود أي أثر لهم ضمن تراث الفراعنة العظيم الذي يخلد أعمالهم ومنجزاتهم ونشاطاتهم المختلفة.
جدير بالذكر أن عبادة العجل الذهبي كإشارة لارتدادهم عن الدين وعبادتهم للأوثان في وجود نبيهم موسى عليه السلام يعد علامة فارقة دالة على سلوك هذه الجماعة عبر كل تاريخهم الطويل وقد عوقبت تلك الجماعة, بسبب مروقهم وحيادهم عن طريق الله, بالتيه قديمًا, وبالشتات الذي لارجعة فيه فهو قرار أو حكم ربَّاني فيهم.
وسيبقى اليهود إلى قيام الساعة يعبدون المال والذهب وهى الأشياء التي حرصوا على سلبها من المصريين في زمن موسى حتى وهم خارجون إلى وجه الصحراء إلى مصير مجهول!! وهكذا يظل عجل الذهب حاضرًا في حياتهم منذ عصر التيه القديم إلى عصر الشتات الحديث, يسعون من خلاله ورمزيته للمال إلى إفقار من يقع عليه اختيار القهر والإبادة كالشعوب العربية, بتحكمهم في بورصات العالم لتوجيه أهم مقومات الحياة كالذهب, والمعادن, والبترول, وكل الصناعات الحديثة, والأدوية, والغذاء, ووكالات الأنباء, ومصانع الطائرات, والمعونات, وغير ذلك !!
د. سامي الإمام
![]() |
مارك إليوت تسوكربيرج - الشاب اليهودي الأمريكي مؤسس (الفيس بوك),
لم يتعد الثلاثين من عمره بعد, تبلغ ثروته أكثر من 40 مليار دولارًا أمريكيًا,
يصف الفيس بوك بأنه (عجل الذهب) الذي سيجعله يعرِّي العالم دون أن يشعر!
في إشارة إلى إمكانية مراقبة كل صغيرة وكبيرة على صفحات التواصل الاجتماعي
وهو ما يجعل من السهل التعامل مع أناس مكشوفي الأسرار!! - احذروا !!!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق