الـ قبَّالا/أو الكبَّالا (קַבָּלָה), كلمة عبرية تعني: (التلقي, والاستلام), وأصبحت تطلق على التصوف اليهودي وهو تفسير التوراة بالمعاني الباطنية للنصوص وليس بظاهرها. ظهرت القبَّالا في إسبانيا وجنوب فرنسا بين القرنين الثاني عشر والخامس عشر الميلاديين, وتابعت مسيرتها في مدينة "صفد" بفلسطين في القرن السادس عشر. تسمى القبالا أيضًا "قواعد الغيبيات" لأنها مبنية على التمييز بين الظاهر, الظاهر في العالم وفي التوراة, وبين الباطن فيهما. وربما هذا هو ما دفع إلى الاعتقاد في مقولة :
(كُتبت التوراة بنار سوداء على نار بيضاء, وأن النص الحقيقي هو المدون بالنار البيضاء, وهو ما يعني أن التوراة الحقيقية مختفية على الصفحات البيضاء لا تدركها عيون البشر).
فللتوراة معانٍ ظاهرة يستطيع اليهودي أن يفسرها ويفهمها عن طريق العقل والتراث اليهودي. بينما هناك معاني باطنة, هي المعاني السرية أو الغامضة للعالم والتوراة, وهذه هى أسرار التوراة التي لا تتاح إلا لقلة قليلة من العارفين بالأسرار.
وتهتم القبَّالا بماهية الإله, وخلق العالم, والثواب والعقاب, والمنفى, والخلاص. ويحظى هذا القسم الأخير, المنفى والخلاص, بمكانة خاصة في القبَّالا التي تطورت مفاهيمها في صفد في القرن السادس عشر.
ومن الموضوعات المركزية في القبَّالا العلاقة المتبادلة بين أعمال الإنسان في الدنيا وبين العوالم العلوية – الآلهة. فطبقًا للقبَّالا فإن بقاء العالم مرتبط بالـ "فيض" الإلهي الصادر من العوالم العلوية إلى عالمنا الأرضي. وهذا الفيض مرتبط بأعمال الإنسان؛ الخير والشر.
وكان لأفكار المعارضين للنمط التقليدي لتفسير التوراة, الذين أدخلوا المنهج الفلسفي في الكتابات الدينية اليهودية وطريقة تفسير النصوص - أكبر الأثر في تمهيد الطريق لظهور حركة "القبّالا" للبحث عن وسيلة دون الفلسفة لمعرفة ماهية الرب والعالم. ومن فكر القباليين أن الرب كما كان يشتمل على الذكر والأنثى !, فإنه أيضًا كان يشتمل على الخير والشر! وتخلَّص من الشر بخلق العالم, وأصبح الشر بعد خلق العالم في الناحية السفلى, ويقابله في الناحية العليا عالم الخير. ويسيطر الشيطان على الناحية السفلى.
وقد كان لانتشار الفكر الفلسفي في كتابات علماء اليهودية أثره البالغ في العقائد, وقد تعارض هذا الفكر أحيانًا مع ما ورد في التوراة, والتلمود. كما قامت حملات ضد أفكار هؤلاء الذين صبغوا الفكر الديني اليهودي بالفلسفة, ووصل الأمر إلى أن بعض رجال الدين اليهودي حرّموا قراءة هذه الكتابات واعتبروا أن بعض ما جاء فيها هو نوع من الزندقة والكفر بمصادر العقيدة اليهودية التقليدية (كتاب العهد القديم, المعروف بالتناخ, والمشنا والجمارا "التلمود").
كتاب القبَّالا "زوهار"
الـ "زوهار: זוֹהַר" هو اسم الكتاب الأساسي للنصوص التي يعتمد عليها فكر القبَّالا, يعود تاريخ ظهوره إلى القرن الثالث عشر الميلادي. والاسم "زوهار" , في العبرية, يعني: البريق, الإشراق, السطوع, الضياء, الوهج, ...الخ. تنسب المصادر الأرثوذكسية الكتاب إلى رابي "شمعون بار يوحاي", وهو أحد معلمي "المِشْنَا", وزملاؤه, من القرن الثاني الميلادي. وتذكر المصادر أن "موشيه دي ليون" هو من عثر على الـ "زوهار" في القرن الثالث عشر الميلادي.
وتذكر أقوال متفرقة أن دي ليون هو المؤلف الحقيقي لكتاب الزوهار!. يتضح من ذلك ان سيرة الكتاب برمتها محل شكّ وخلاف.
ويدور جلّ كتاب الزوهار حول تفاسير وشروح بالآرامية (لغة سامية شمالية غربية قديمة), عن ماهية الإله, ككيفية ظهوره لمخلوقاته, وأسرار الصفات الإلهيه, والروح وطبيعتها, ومآل الصالحين والطالحين, ومسألة الخلاص الذي ينتظره اليهود. ويحتل كتاب "الزوهار" عند بعض اليهود مكانة أسمى من مكانة التلمود.
يعتمد مؤلِف الكتاب؛ "بار يوحاي" في حديثه عن ماهية الإله على آية النبي "حزقيال" عن "مركبة الرب" :
"وفوق القبة البللورية التي على رؤوسها شبه عرش كمنظر حجر العقيق الأزرق, وعلى شبه العرش شبه كمنظر إنسان عليه من فوق".
وفي جزء بعنوان "مجلس بيت المسكن" يتحدث رابي بار يوحاي مع ثلاثة من تلاميذة عن أسرار الصلاة بناء على الآيات التي تورد تفاصيل صناعة المسكن "خيمة الاجتماع".
كما يتناول القصور السبعة في الجنة, المحجوزة للصديقين , وطبقات جهنم السبعة التي تنتظر الأشرار.
وأورد الكتاب سيرة بعض الشخصيات التي تتمتع بقدرات خاصة, مثل راب "يبَّا سبَّا" الصدِّيق الخفي, و"هاينوكا" العجيب ابن راب "هامنونا" الذي يمكنه منذ نعومة أظفاره الكشف عن أسرار التوراة ومكنوزاتها. وقصة لقاء بار يوحاي ورفاقه في جنة عدن براب "متيڤتا", وهو رئيس المجمع العلوي الذي تحدث معهم عن شئون العالم الآتي وعالم الروح.
وهذه الأسماء التي ذكرت أعلاه لا أصل لها في العقيدة اليهودية, في اي من المصادر المعروفة!
ويورد كتاب الزوهار وصف للحظات الأخيرة من حياة رابي "شمعون بار يوحاي" بينما كان يُسرّ لتلاميذه بعض الأسرار التي عجز عن البوح بها من قبل بسبب رهبتهاو قداستها, وينتهي أجله حين نطقه لكلمة "حياة".
وكما هو واضح من موضوعات كتاب "الزوهار" يتبين لنا أنه يناقش مسائل غيبية, وهذه الغيبيات مما لم يرد في نصوص التوراة المعروفة. في مسائل مثل الجنة, والنار, والروح, والبعث, والنشور, والحساب. وكلها قضايا لم يرد شيئ عنها صراحة في التوراة. وربما لهذا السبب تحاول بعض المدونات المتأخرة تعويض هذا النقص في نصوص التوراة التي بين أيدينا.
فالقبَّالا/أو الكبَّالا إذن هى رموز غامضة وباطنية عن طبيعة الله والكون، وهي معقدة, ولم يسمح, على مدى قرون طويلة, لغير بعض اليهود المتدينين ممن تجاوزوا سن الأربعين، وقد كرّسوا حياتهم في الدين اليهودي يسمح لهم بدراستها فقط.
وأوصل اليهود, الحريصون على بث الرعب في نفوس العالم, القبَّالا إلى بعض مشاهير هوليوود والوسط الأمريكي عن طريق أسرة آل بيرج/غ، وهي عائلة يهودية أنشأت مركزًا للقبَّالا.
ويتبنى آل بيرج فكرة أن القبالا ليست للعلماء اليهود فقط بل يمكن لأي شخص اعتناق أفكارها، وهذا يشمل النساء وغير اليهود. واستعانوا بالمغنية الأمريكية الشهيرة (مادونا) لتدعو للترويج للفكر القبالي في كل مكان، وتضع خيوطاً حمراء على معصمها ومعصم ابنها الصغير، وتتبرع لمركز القبالا بتبرعات سخية جداً بملايين الدولارات للتدليل على أنها مناصرة لهذا الفكر.
وترى "مادونا" أن ما يميز القبَّالا كونها خارجة عن التفكير المألوف، ومن الجيد أن يكون المرء متمرداً، إن التمرد أمر جيد , وأنها ألفت العديد من قصص الأطفال بإلهام من القبَّالا، وأدخلت رموزها في احتفالاتها وأغنياتها المصورة .وهكذا يتم الترويج للفكر اليهودي الغيبي غير المستند على العقيدة بالمرّة!
جدير بالذكر أن الدليل على انخراط أي شخص وانضمامه للفكر القبالي هو "السوار الأحمر" الذي لا يفارق معصم أعضاء القبالا.
والأمر الخطير الذي نودّ التنويه عنه هو أن ظاهرة وضع سوار أحمر حول معصم اليد بدأت تغزو البلاد العربية خاصة في منطقة الخليج العربي, ونحن واثقون أن المسألة مجرد تقليد ممثل أو مغنية أو غير ذلك ممّن يوجهون أفكار الشباب خاصة دون وعي منهم وفي غياب تام لإعلام يناقش تلك المسائل وخطورتها.
مغنية بسوار القبَّالا الأحمر في معصمها !! |
لنشر أفكار القبالا - التي لا أصل لها في العقيدة اليهودية - الهدف هو إثارة الخوف والفزع من بالون غاز اسمه القبالا !! |
سوار يحمل رموزًا قبلانية !! |
تمائم قبلانية مختلفة .. |
وتعدّ نجمة داود/السداسية - التي هى بالأساس رمز مصري قديم سلب من حضارتها الفرعونية باعترافهم في مصادرهم! - ركيزة أساسية في أغلب رموز القبالا : |
مستشار قبلاني يدوّن تعاويز وتمائم على مرجعية كتاب الزوهار للظروف والأحوال المختلفة !! |
أستاذ الديانة اليهودية
كلية اللغات والترجمة/جامعة الأزهـر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق