استكمالا لما نقلناه عن الكاتب "أليتسور سيجل":
الشيء الذي لم يزعج المؤرخون سواء القدماء أو المحدثين هو لماذا كان انهيار سد مأرب سببًا في هجرة القبائل من هناك؟ ومن الذي بنى هذا السدّ؟ ولماذا تركوه بعد الانهيار ولم يعيدوا بناءه؟
يبدو لي, (الكلام لـ أليتسور سيجل), أن الإجابة عن ذلك يجب أن تكون: اليهود أهل حمير هم الذين بنوا هذا السد, وبعد المذبحة التي ارتكبها النصارى لم يعد لدى يهود حمير الامكانات اللازمة لصيانة السد وإعادة تشغيله وبذلك عرفت القبائل العربية وربما لم يرغبوا في إعادة بناءه من جديد وكان من نتيجة هذا الوضع أن تحركوا باتجاه الشمال إلى أماكن أخرى يتواجد بها يهود آخرون, وقد علمتهم التجارب أن الحياة بينهم أفضل.
كان بالمدينة في ذلك الوقت ثلاث قبائل يهودية؛ هى: بنو قريظة, وبنو النضير, وبنو قينقاع. وعلى حد قول المؤرخين المسلمين استقبل اليهودُ القادمين الجدد بالترحاب والبشر. وكان هناك قبيلتان متنازعتان تفرق اليهود بينهما بين مؤيد لهذه ومعارض لتلك, فبعضهم أيدوا بني أوس وآخرون أيدوا بني خزرج. كانت النتيجة النهائية أن اليهود الذين هم مؤسسوا يثرب اضطهدوا وأصبحوا اداة للعب بين تلك القبائل التي كانت لها اليد الطولى على اليهود!
يوم بعاث
كان الحدث الأخير الذي سُجلت فيه سيرة اليهود قبيل ظهور محمد (صلى الله عليه وسلم) هى "حرب بُعاث" التي تسمّى أيضًا "يوم بعاث", على ما يبدو على وزن "يوم الدين" الوارد ذكره بالتوراة. وقد تجسد في تلك الحرب شدّة الانفصال بين اليهود بدون أسباب واقعية.
و"بعاث" هى قطعة أرض كانت في نصيب بني قريظة اليهود. ولا يعرف العرب تفسيرًا لهذه الكلمة ومن المحتمل أنها تصحيف للاسم (بوعز), أي أن المكان كان معروفًا بمزرعة بوعز/بوعث.
سيناريو تلك الحرب:
دعا بنو أوس اليهود؛ بني النضير وبني قريظة للانضمام إليهم في حرب بني الخزرج. وحين عرف بنو الخزرج ذلك ارسلوا إلى اليهود بألا يتورطوا في أحداث خارج منطقتهم. عرف اليهود صدق بني الخزرج ووعدوهم بأن يظلوا بعيدًا عن هذه الحرب.
غير إن بني الخزرج ردّوا عليهم بقول: إنهم إن كانوا صادقين فيما يقولون فسيرسلون إليهم خليطًا من الناس يظلوا معهم إلى أن تنتهي الحرب. وبالفعل أرسل اليهود إليهم اربعين شابًا قويًا من الخلطاء ومن بني الخزرج. حينئذ قرر أحد رؤساء الخزرج أن يطلب من اليهود ترك بيوتهم وقلاعهم وإلا فسيقتل جميع الرهائن.
(يتبع)
د. سامي الإمام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق