عاد ملك حمير إلى بلاده وهوّد معظم بني جلدته. غير معروف بالمرة متى حدث ذلك لكن شواهد مهمّة توجد في مقابر التي دفن بها الراب يهودا الرئيس محرر المشنا. فعثر هناك على نُصُب مدوّن عليه عبارة "مناحم رئيس الطائفة اليهودية بحمير". وهذا ما يرجح وجود رؤساء طوائف يهودية في حمير بعد خراب الهيكل الثاني (تمتد فترة دمار الهيكل الثاني من سنة 70م إلى 136م) بحوالي 100 سنة.
والحقيقة هى اننا لا نعرف بالضبط معنى المدوّن على هذا النصب, لكن من المحتمل أن يكون "مناحم" رئيسًا لطائفة يهودية فقط وليس ملكًا. على كل حال لا يستبعد قيام مملكة يهودية في اليمن بعد خراب الهيكل الثاني بـ 100 عام (أي في حدود عام 236 م). وهى حقبة يكتنفها الغموض ويلفها الضباب حتى عصر محمد (عليه صلاة الله وتسليماته).
ولدينا معلومات كثيرة خاصة عن الملك اليهودي الأخير في حمير, "يوسف ذو نواس" من مصادر بيزنطية وإثيوبية. وكان اضطهد النصارى بوحشية في بلاده ويبدو أن ما قام به كان بالتنسيق مع يهود كنعان والفرس!
غزا الفرس في تلك الحقبة نفسها أرض كنعان (في النصّ إسرائيل) وكانوا مدعومين بتمرد يهودي ضد البيزنطيين ولكن للأسف انسحب الفرس (ما عدّ خيانة) في نهاية المطاف وهو ما أدى إلى قيام البيزنطيين بمزبحة ضد يهود كنعان.
ويمكن رؤية ما قام به يوسف ذو نواس على تلك الخلفية. فالنصارى توجهوا لمساعدة بيزنطة التي أرسلت اسطولا استجلب جنودًا من مملكة اثيوبيا عبر مضيق باب المندب (اليوم) وأنزلهم في اليمن, خرج ذو نواس (اليهودي) على رأس جيش لمحاربتهم لكنه استشعر قرب الهزيمة, وحين أيقن منها جعل فرسه يركض في البحر إلى أن اختفى بين الأمواج!. وهو ما مكّن الزنوج (استعمل الكاتب هنا اسم "الزنوج" بدلا من الاثيوبيين, تحقيرًا لهم) من القيام بتدبير مذبحة عظيمة في الطائفة اليهودية باليمن. وكانت بقية من عائلة الملك ذونواس توجهوا إلى فارس وأحاطوا حكامها بما وقع لهم فجردوا جيشًا وأرسلوه الى اليمن لطرد هؤلاء الزنوج والبيزنطيين من اليمن لكن اليهود لم يستردّوا عافيتهم من المذبحة الأمر الذي جعل الفرس يحتلون اليمن حتى نهاية عصر محمد (صلى الله عليه وسلم), ودخول جميع سكان اليمن في الإسلام.
اتجه مؤشر التاريخ اليهودي مرة أخرى نحو شمال جزيرة العرب, إلى مدينة يثرب, أو بالاسم الذي عرفت وهو "المدينة". قبيل ظهور محمد (صلى الله عليه وسلم), بعشرات السنين هاجر قبيلتان عربيتان إلى المدينة. وهما الأوس والخزرج. وعلى حد قول مؤرخين مسلمين هاجرت قبيلتا الأوس والخزرج من مدينة "مأرب" باليمن إلى المدينة (يثرب), بعد دمار سد مأرب الكبير.
(يتبع)
د. سامي الإمام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق