تذكر المصادر العبرية أن
سفنًا تجارية فينيقية حملت يهودًا إلى بلاد شمال إفريقيا على شواطيء البحر الأبيض المتوسط؛
من مصر وحتى المغرب, منذ ما يزيد ربما عن 2300 عام. وتتحدث المصادر أيضًا عن أن هذا
الوجود اليهودي كان مستمرًا ولم ينقطع خلال هذا الزمن الطويل. يستندون في ذلك على ذاك
الحجر الموجود في مغارة بكنيس غريبة/جِربة بتونس, والذي يرجع تاريخه إلى حقبة الهيكل
الثاني .
كما تدفقت موجات من الهجرة
اليهودية من إسبانيا والبرتغال إلى المغرب خاصة في القرن الخامس عشر في حقبة الطرد
من بلادهم, مما زاد من أعداد يهود المغرب.
استقر يهود إسبانيا والبرتغال
في المدن الكبرى والموانيء الساحلية بالمغرب, وعملوا بالتجارة وكانوا على اتصال بدول
أوروبا. وكانت لديهم معرفة في مجالات عدة, كما كان حكماء المغرب من اليهود المقيمين
معلمين ليهود إسبانيا والبرتغال.
وتؤرخ المصادر اليهودية
إلى أن نحاة يهود وعلماء لغة وعدد من الشعراء الأوائل الذين يعدّون مؤسسي المدرسة السفاردية
(الشرقية), وفدوا إلى إسبانيا في القرن العاشر الميلادي, أمثال الراب "إسحاق الفاسي"
وهو مفكر يهودي مغربي قضى معظم حياته في مدينة فاس (40 سنة). وأشهر أعمال هو مؤلفه
"كتاب التشريعات" الذي اعتمد فيه على ثلاثة أجزاء من المشنا, هى: المواعيد,
والنساء, والأضرار. وهذا المؤلف أطلق عليه فيما بعد "التلمود الصغير".
وتذكر المصادر أن المغرب
تميَّز عن كثير من البلدان التي سكنها اليهود بدرجة من التسامح وحسن معاملة اليهود
أكثر من أي بلد آخر سواء أكان يدين بالإسلام أم بالمسيحية؛ فسمح لليهود بتولي مناصب
قيادية وذات أهمية كبيرة في الدولة.
انتقلت أنشطة اليهود الاقتصادية,
مع الغزو الأوروبي لبلدان شمال إفريقيا, في القرن التاسع عشر من المراكز الريفية التي
كانوا يقيمون بها إلى المدن التي أصبحت بمنزلة المراكز الاقتصادية الرئيسية. وحدث هذا
التحول بصورة ملحوظة في المغرب, فلم يعد لليهود وجود في المراكز الريفية الواقعة على
سهول الأطلسي.
ويقدر البعض أن يهود المدن
الساحلية بالمغرب مثل: طنجة, وموجالة (الصويرة), وكازابلانكا, شكلوا في عام 1850 ما
يصل إلى 35% من التعداد الكلي لسكان هذه المدن, والذي كان يقدر آنذاك بمائة ألف نسمة.
وارتفعت هذه النسبة في عقد السبعينات (1870) لتشكل 55% من تعداد سكان المدن الساحلية
الأخرى: تطوان, والرباط, وسلا, وفرجان, وأغادير. كما شكلوا نسبة 65% في عام 1900 من
تعداد السكان.
وكنتيجة لأن يهود شمال إفريقيا
كانوا يعربون عن تأييدهم للأوربيين وللإصلاحات التي كانت تنفذ في البلدان التي أقاموا
فيها بضغط من الأوربيين, وكنتيجة أيضًا لإتقانهم لغات تلك البلاد وتقاليدها, فإن اليهودي
عمل إما كعميل للقوى الأوروبية, او كشريك في الصفقات التجارية التي كانت تنفذها شخصيات
نافذة في الدولة.
فحرص هؤلاء التجار الذين
كانوا ينتمون إلى الطبقة البورجوازية في الغالب على استثمار اموالهم الخاصة في الخارج
أو تحويلها إلى وسائل إنتاج, واستغل اليهود الرعاية التي منحتهم إياها قنصليات الدول
الأجنبية بالمغرب وعلاقاتهم الدولية المتشعبة في الحفاظ على مصالحهم.
واستغل عدد كبير من تجار
اليهود مناخ التسامح هذا في تحقيق مصالح شخصية وطائفية, وتزايدت قوة أنشطة اليهود التجارية
بعد أن تأسس في عام 1764 أي في عهد الملك محمد الثالث (1757 – 1790م) ميناء "موجادير,
وعوة الملك, بعد أن تأسست مدينة "موجادير " اليهود إلى الاستقرار بالمدينة
وتم توطينهم في حي "القصبة" الإداري الذي كان يقيم به مسئولو الدولة وأعفى
الملك محمد الثالث اليهود من دفع الجزية أو أية ضرائب أخرى, مما شجعهم على التوسع في
انشطتهم التجارية فشملت أنشطتهم جميع مدن المغرب.
(يتبع)
د. سامي الإمام
أستاذ الديانة اليهودية/كلية
اللغات والترجمة/جامعة الأزهر.
بالصورة: زخارف في كنيس
يهودي بالمغرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق