شعار المرحلة : "لن
يكون المصريون, بعد اليوم, قطيعًا من الخراف يرعاهم ذئب".
أكتب بلسان خريجي أقسام
اللغة العبرية في جامعات مصر, الشاعرون بمرارة الضياع والتيه بعد أن خُدعوا ببريق التخصص
الذي يفترض فيه أنه نافذة نطلّ منها على ساحة العدوّ وما يُجهَّز لنا, وبالتالي كيف
يمكن أن نتقي شرّه.
لقد انخرط الآلاف منذ ستينات
القرن الماضي – ربما بفعل حرب 1967 واعتداءات إسرائيل على العمق المصري, واحتلال سيناء
- في دراسة اللغة العبرية وثقافتها يحدوهم الأمل في الإسهام بقسط في بناء جانب مهم
من جوانب الثقافة المصرية؛ هو كل ما يتعلق بإسرائيل, وما تضمره لنا من شرور, وما يصبّ
في النهاية في مصلحة الوطن العليا وأمنه القومي والإقليمي.
وهو الأمر نفسه الذي بادرت
إسرائيل من أجله قبل إعلان الدولة بكثير,بإنشاء معاهد, وكليات, لتعليم اللغة العربية
وآدابها, وحتى ترجمة الانتاج الأدبي لأديب مثل نجيب محفوظ, وغيره, والفنّي أيضًا, لفهم
مصر والمجتمع العربي وما يدور به, ورصد أوضاعه, ومتغيراته, واتجاهاته, وفهم الشخصيّة
المصريّة, بهدف أسمى وهو تحديد مواضع القوّة والضعف فيه, من أجل مصلحتهم بالطبع, وليكون
التحرك – العدواني - عن بصيرة وعن دراسة وبيِّنة, واتخذت إسرائيل طريق العلم الصحيح
ولم تحد عنه – كما فُعل عندنا للأسف الشديد – فنجحت, وتفوقت علينا في كل المجالات.
وأرجو ألا يخرج علينا من
يتحجج بنظريّة مؤامرة خارجية, فالمؤامر داخلية بامتياز, كما تتبدّى لكل ذي عينين, نتيجتها
عشرات الآلاف من حاملي شهادات اللغة العبرية المختلفة – من الليسانس/ الماجستير/الدكتوراة
– ممّن لا يجدون عملا بعد عناء الدراسة والتحصيل بل والتفوق, على الرغم من كل الصعاب
حيث لا علاقة بإسرائيل تتيح للدارسين السفر إلى هناك, أو استجلاب إسرائيليين للتدريس
في مصر, لإتقان اللغة كما هو معروف في مباديء تعلّم اللغات وتعليمها, ولا بعثات أو
أي من الآليات المطلوبة بشدّة لتعليم العبرية.
إن السكوت على الأوضاع الحاليّة
يؤدي إلى انخداع أجيال جديدة شريفة, وسقوطها في الجبّ نفسه, الذي سقط فيه سابقوهم
! وهذه جريمة, واعتقد أن صمت الأساتذة المسئولين عن تدريس العبرية في جامعات مصر, بطولها
وعرضها على هذه الأوضاع لهو جريمة أكبر, خاصة في مناخ الثورة والتغيير الذي ينتظره
الشعب المصري بأكمله.
والحقّ هو أنني لا أودّ
الاستطراد في حديث التقصير, بقدر ما أريد أن نفكر سويًا, جميعًا في آلية يمكن من خلالها
إيصال وجهة نظر وخطوات عملية قابلة للتنفيذ, إلى المسئولين وعلى رأسهم السيد رئيس الجمهورية,
والوزراء المسئولين عن التشغيل. لكن قبل ذلك لابد من حشد أصحاب الحق وهم خريجو اللغة
العبرية عبر عشرات السنين بنيّة صادقة, وعزم أكيد, وإرادة صلبة لايجاد فرص عمل, بتخصص
اللغة العبرية العظيم الأهمية, تليق بهم, بل تعوض ما تعرضوا له من ظلم وإجحاف حقهم,
خلال تلك الحقبة من الزمن.
وكما ألمحت في منشور سابق,
تعليقًا على صورة تجمع نخبة من خيرة شباب مصر الشرفاء الأطهار الجديرين بالفخر بهم
حقًا, وقلت : إن أولى الخطوات – في هذا الشان - هى ضرورة ترتيب اجراءات خروج
"نقابة خريجي أقسام اللغات الشرقية بالجامعات المصرية", لتسهيل الاجتماعات
بالأعضاء, والاتصال بهم عند الضرورة, وطرح المقترحات بحل هذه المشكلة.
وأرى أن أعداد الخريجين
على مستوى أقسام اللغات الشرقية لا يستهان بها ولو صدقت النيات سوف نصنع الكثير لأجل
الأجيال الحالية والأجيال القادمة على حد سواء.
وهى بداية لطريق طويل لن
يكون سهلا بالطبع لكن مع أول خطوة يبدأ تحقيق الحلم, ولتكن حكمتنا في ذلك :
"لا تحقرَّن صغيرًا
. . . فإن الجبال من مستصغر الحصى".
د. سامي الإمام
أستاذ اللغة العبرية/كلية
اللغات والترجمة/جامعة الأزهــر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق