ورأيت أن من واجبي أن أدعم
موقفه, بمقال كان مجهزّا لإحدى الصحف, وها هو المقال:
كان تعليم اللغة العبرية
- قبل عام 1967 الذي تم فيه طرد يهود مصر- على نوعين؛ لليهود في مدارس دينية خاصة بهم,
وفي كليات اللغة العربية, بجامعات القاهرة, وعين شمس, لضرورة دراسية لكونها لغة سامية
أخت للعربية, ودراستها مقارنة بالعربية تعين الدارس على التعرف على خلفيات اللغة. وكان
اليهود يعيشون في مصر حياة مريحة وكان لهم معابدهم, ومحافلهم الدينية التي تربو على
40 معبدًا وأثرا يهوديًا. وكان حاخامهم الأكبر عضوًا في مجمع اللغة العربية!
وكان بعد عام 1967, النكسة/الهزيمة
بهدف رئيس هو تعظيم الدراسات اللغوية, والأدبية, والتاريخية, والثقافية بشكل عام التي
تجعل من السهل الاطلاع على ثقافة العدوّ الإسرائيلي ومواجهة فكره وثقافته بالفكر والثقافة,
وذلك لم يتأت بغير دراسة لغته, وتاريخه, وعقيدته, وأدبه, وكل ما يخصه. وأيضًا وهو الأهم
مواجهة حملات التشويه والافتراءات الموجهة إلى ديننا الإسلامي ومقدساتنا وثقافتنا وأخلاقنا
وكل ما يتصل بأمتنا العربية بوجه عام.
وكانت الظروف في ذلك الوقت
دافعًا للبدء في تلك الدراسات حيث كان الوطن يتعرض للاعتداء من جانب إسرائيل. وتضم
المناهج التي يدرسها الطالب في شعبة اللغة العبرية, خلال السنوات الأربع, مواد في مجالات
عدة, يعنونها اللغة, والديانة, والأدب, والتاريخ.
وكان الهدف من دراسة هذه
المواد إنتاج خريج يتقن اللغة العبرية فهمًا, وكتابة, وسماعًا, وتحدثًا, ملمًا بثقافة
اللغة وبيئتها, وتاريخ المتحدثين بها ونتاجهم الأدبي, وديانتهم, ومدى تأثيرها في توجيه
سلوكهم العدواني. بالإضافة إلى فهمه للشخصية الإسرائيلية وخلفياتها التي تحركها, وتوجه
تصرفاتها.
وعلى الرغم من قلة أماكن
توظيف الخريجين؛ كالصحافة, والإذاعة والتليفزيون, إلى جانب بعض الجهات الأمنية, التي
لا تستوعب الخريجين, إلا أن الإقبال على تخصص اللغة العبرية يعدّ كبيرًا مقارنة بتلك
الأماكن. وربما يرجع ذلك إلى شعور وطني لدى الشباب, بضرورة التعرف على هذا العدوّ
, هذا الشباب الذي تطالعه الميديا الإعلامية كل ساعة بتصرفات هذا العدو حيال الفلسطينيين,
ومناوشاته على حدودنا معه, وغطرسة قادته في التعامل مع قضايانا الوطنية والإسلامية,
كل ذلك يحرك الشباب تجاه دراسة العبرية للتعرف مباشرة وعن قرب عنه من خلال الصحف العبرية,
وقنوات التلفاز الإسرائيلية, بالإضافة إلى الوسائل الأكثر حداثة كمواقع التواصل الاجتماعي؛
الفيس بوك, وتويتر, وغيرهما.
وجدير بالذكر أن القائمين
على جامعة الأزهر أنشاءوا قسمًا للغة العبرية بكلية اللغات والترجمة في ستينات القرن
الماضي, وكان الهدف من ذلك بالإضافة إلى ما اضطلع به أقسام العبرية في كليات الآداب
بالجامعات الأخرى, هو تخريج مُجيدين للعبرية ملمين بالعلوم الشرعية والثقافة الإسلامية
التي تميّز خريج الأزهر, بالإضافة إلى تدريس قسط من المعرفة عن حقبة التعايش بين الديانات
الثلاث؛ الإسلامية, والمسيحية, واليهودية, في الأندلس, وكانت تلك الحقبة ولا تزال توصف
بالعصر الذهبي في التاريخ اليهودي بفضل سماحة الإسلام في تعامله مع أصحاب الديانات
الأخرى. ولا شك في اهميّة مثل هذا الخريج الذي يحمل على عاتقه ضرورة تمثيل الإسلام
الحقيقي بما يدعو إليه من التعارف بين أصحاب الديانات المختلفة والتواصل فيما بينهم
والتقريب وإزالة أو تصحيح سوء الفهم عن الإسلام الذي يطفو على السطع كل آن وآخر, والدفاع
عن القضايا الإسلامية التي تثار كل حين وحين في أرجاء المعمورة.
وإنه لشرف للأزهر أن يهتم
بتدريس اللغات؛ ففي كلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر أقسام لما يربو على اثنتي عشرة
لغة, ابتداء باللغات الشرقية, كالعبرية, والفارسية, والتركية, والأردية, واللغات الإفريقية
المختلفة, واللغة الصينية, وانتهاء باللغات الأوربية المعروفة؛ الإنجليزية, والفرنسية,
والألمانية, والإسبانية, والإيطالية, وغير ذلك. كل ذلك بفرعي الجامعة للبنين والبنات.
والأزهر الجامعة لم يذهب بعيدًا عن الطريق التي رسمها الله تعالى والغاية المنشودة
من معرفة اللغات حيث قال جلّ شأنه :
" ومن آياته خلق السماوات
والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالِمِين " (سورة الروم /
الآية 22).
ونحسب تعلم لغة الصهاينة
داخلا في قول الله تعالى :
"وأعِدّوا لهم مَّا
استطعتم من قوة ومن رباط الخيل تُرهبُون به عدّو الله وعدّوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم
الله يعلمهم وما تُنفقوا من شئ في سبيل الله يوفّ إليكم وأنتم لا تُظلمون" (سورة
الأنفال / الآية 60).
وكان رسول الله صلى الله
عليه وسلم أمر "زيد بن ثابت", الأنصاري, بتعلم اللغة العبرية ومكاتبة اليهود
بها. ولنا فيه الأسوة الحسنة.
كما يعنى قسم اللغة العبرية
في كلية اللغات والترجمة بتوجيه اهتمام كبير بالدراسات الدينية المقارنة, في الأحوال
الشخصية, والميراث, والجرائم والعقوبات, والغنائم, ونقد وتحليل ترجمات معاني القرآن
الكريم بالعبرية التي قام بها يهود أو إسرائيليون, وغيرها من الموضوعات التي تواجه
سهام الدراسات اليهودية والإسرائيلية فكان لابد من التصدي لها وإظهار الغرض منها.
ونود التأكيد على أن مرحلة
السلام, في أي وقت, مع الكيان الإسرائيلي أخطر من مرحلة الحرب التي لا نسعى لها بل
نتقي شرها, ولذلك تم توقيع اتفاق السلام مع إسرائيل, لكن للأسف الشديد وجدنا إسرائيل
تتمادي في الصلف والتكبر والغطرسة وتعبث بالمواثيق الدولية ولا تعير انتباهًا لقضايا
حقوق الإنسان, بل تتعمد, في ظل اتفاق السلام, الإساءة إلى مصر وإثارة المشكلات على
الحدود, والوقيعة بينها وبين أشقائها العرب. ومحاولة اللعب على الجبهة الداخلية, وعلى
الوضع السياسي في المنطقة العربية بأكملها.
وفي الختام أناشد أبنائي
خريجي قسم اللغة العبرية بالجامعات المصرية, إلى جانب خريجي أقسام اللغات الشرقية بعامة,
إلى التنادي والتجهز لفرض رؤية موضوعية لتشغيلهم في مجال التخصص, حيث منحوا الوطن أغلى
فرصة للاستفادة بقدراتهم التي نضجت وأصبح كثير منهم يجيد العبرية إجادة تبعث على الإعجاب
لوصولهم لهذا المستوى في ظل المحاذير المخيفة والجاهلة في أغلب الأحوال, ودون احتكاك
مباشر بالإسرائيليين أو التعايش معهم, أو الزيارة حتى على مستوى رسمي, كما تقتضي إجادة
اللغة. وكذلك خريجوا اللغات الشرقية الأخرى.
وأنصحهم في هذا الصدد بدعم
فكرة (نقابة تخصّ خريجي اللغات الشرقية بعامة), حيث إن ما يتعرض له خريجو العبرية هو
هو نفسه الذي يتعرض له كل خريجي اللغات الشرقية الأخرى من الإهمال والتجاهل, ضاربين
عرض الحائط بالأهداف والمباديء التي من أجلها أفتتحت أقسام في الجامعات لتدريس هذه
اللغات.
يالهو من مصير تعس ذلك الذي
زُج بهم فيه. ففي إطار المطالبة بالإصلاح الشامل في الدولة بخصوص ضرورة تعيين الخريجين
في مجال تخصصاتهم نودّ بشدّة أن يكون لنا صوت مسموع في هذه المناداة.
على أننا يمكننا بعد الانتهاء
من موضوع النقابة التشاور في أفكار الشباب الطموح إلى تغيير هذا الوضع الظالم وتحريك
المياه الراكدة. وما ضاع حق وراءه مطالب, وعلى كل حال الحقائق على الأرض تبدأ فكرة
بشرط أن يكون هناك من يتبناها بالعناية والرعاية حتى تصبح واقعًا ملموسًا على الأرض.
وبالله التوفيق . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
دكتور / سامي الإمام
أستاذ اللغة العبرية/كلية
اللغات والترجمة/جامعة الأزهر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق