ليست الكتابة في هذا الموضوع بالأمر الهين اليسسير, لأنك مضطر للحديث عن عدّة عوامل متشابكة ككرة خيوط ملوّنة معقّدة تكاد تلمح بعض أطراف خيوطها تلك هنا وهناك أطراف أخرى مستترة, محاولا فكّ هذا الاشتباك!
ولأنني تعودت عند الكتابة في أي موضوع تناوله من نقطة البداية حتى وإن كانت بعيدة أو غائرة في أعماق التاريخ, على أنني يمكن بعد توضيح تلك النقطة وتسليمها للقاريء يتتبع المسار ويتفاعل مع التداعيات والنتائجها عبر التاريخ الطويل خاصة لو كان الموضوع يمسّ جانبًا عقديًا يشغل حيزًا كبيرًا من وجداننا وتفكيرنا كلما لاحت ومضة من حركته في الأفق, أقول عندها يمكن القفز إلى موضع مهم غاب طرفه عن الساحة لعوامل عدّة أهمها إهمال الكشف عنها وتجليتها في مناهج تعليمنا ونوافذ ثقافتنا وقوائم أعمالنا الفنيّة على اختلاف مشارفها, وبسط الحديث فيه وتوضيح عواملة ونتائجه في الموضوع الرئيسي.
وقد تناولت من قبل بعض أجزاء هذا الموضوع التي إن صُفَّت إلى جوار بعضها البعض ستتضح الصورة الكليّة بما لا يدع مجالا للشكّ بأن منطقتنا العربية وبالأخص فلسطين بمسجدها الأقصى هى محور المؤامرة ولبّ الصراع على المستوى الديني! شاء من شاء وأبى من أبى, وسنقدم ما يجعل ذلك يقينًا وليس دربًا من الخيال. يضاف إلى ذلك الطموح العقدي, الطمع في ثروات المنطقة خاصة النفط وغيره من مكتشفات العصر الحديث.
أبرز بدايات الخيوط التي تشكِّل الكرة المعقّدة:
• الأخيار والأغيار/شعب الله المختار, فكرة روجت لها اليهودية, في غير محلها.
• الفرز والإقصاء معاملان ثابتان في الفكر اليهودي من الجذور؛ سارة, إسحاق, يعقوب, وغيرهم. وحتى في فكرهم الديني؛ يكفي أن تطلع على أحكام الجوييم (غير اليهود) في التلمود, والصهيوني الحديث؛ إشكازي سفاردي فلاشة يمنيون, وغير ذلك من التصنيفات الطائفية.
• الاسماعيليون أبناء الجارية (هاجر) لصوص لذلك طفت على السطح دعوات الحاخامات بقتل الفلسطينيين والعرب ثم المسلمين وتناسوا اضطهادهم في القرون الوسطى في شبه جزيرة أيبيريا ومذابح روسيا (قصيدة المذبحة), وطردهم من إسبانيا والبرتغال, ومحارق ألمانيا, وشارات التمييز التي فرضت عليهم في بلدان عدّة, وتنكَّروا وجحدوا حقبة تعايشهم في كنف الدولة الإسلامية بالأندلس الذي يسميها المنصفون منهم بحقّ "العصر الذهبي"!
• التربّص بالانتقام من مصر وبابل (العراق) وكنعان ولبنان في التوراة ألا يعد ذلك جذور ذريعة ممتدة في أعماق تاريخ اليهود؟
• لماذا تأججت نيران القتل بعد انقلاب مارتن لوثر على الكنيسة الكاثوليكية؟
• معاداة السامية اختراع يهودي جاء ثمرة للفكر الاقصائي.
• البروتوكولات والماسونية يهودية المنشأ, ثابت بالأدلّة والبراهين.
• اللوبي اليهودي في أمريكا ذراع الصهيونية في أمريكا للتأثير على صانع القرار بل ودفع رشىً لتسيير المصالح وتمرير المؤامرات, حتى في انتخابات الرئاسة الأمريكية! ولا عجب.
• صراع بقاء يرتدي ثوب الدين ليقنع المغفلين ويحشدهم في طريق الهاوية.
• التحوّل الذي حدث في فكر السياسيين الأمريكيين منذ اكتشاف العالم اليهودي الألماني اينشتاين لمزايا الانشطار النووي ومجهوداته في تصنيع القنبلة الذرية التي أُلقيت على اليابان 1945 وجعلتها تستسلم, ومنذ ذلك الحين سطع نجم الصهيونية, وتوّج ذلك بتقديم بريطانيا - بضغط وإلحاح من أمريكا - فلسطين هدية للصهاينة!!
فمن المعتقدات الدينية الزائفة, عقيدة الأخيار والأغيار/شعب الله المختار, التي روّج لها اليهود منذ القدم والمسيحيون البروتستانت منذ انقلاب الإصلاحيين على فساد الكنيسة الكاثوليكية, من أمثال: جون ويكليف, وجان هسّ, وجون كالفن, ومعلِّم اللاهوت مارتن لوثر بسبب فساد تلك الكنيسة. هذا الفساد الذي جعل مارتن يؤلف كتابًا بعنوان (عيسى ولد يهوديًا) عبر فيه عن وجهة نظره القائلة:
(إن الروح القدس أنزل كل أسفار الكتاب المقدس عن طريق اليهود وحدهم، إن اليهود هم أبناء الله، ونحن الضيوف الغرباء، ولذلك فإن علينا أن نرضى بأن نكون كالكلاب التي تأكل ما يسقط من فتات مائدة أسيادها), وهو هنا يلمِّح بل يحتذي بقول المرأة الكنعانية صاحبة قصة مع السيد المسيح عليه السلام, حين ردّت بقولها: (نَعَمْ يَا سَيِّدُ. وَالْكِلاَبُ أَيْضاً تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا). إنجيل متى/15.
وبعد أن تحقق ما أراد الإصلاحيون راحوا يدْعون إلى تفضيل الشعائر اليهودية في الكنيسة وإلى دراسة العبرية لأنها لغة التوراة؛ لغة الرب!
ولا يمكن إغفال دور اليهود, الماسوني, في صناعة فكر الإصلاحيين الكنسيين الذين سبقوا مارتن أو حتى هو نفسه وجهودهم في إحداث فتنة الكنيسة الكاثوليكية بزرع يهود متحولين للمسيحية ظاهريًا لإنجاز مهمة هدم الكنيسة من الداخل! وهو ما يتضح في قرار الكنيسة ضده بالحرمان.
وقد نشرت وثائق تبين ضلوع اليهود في فكر مارتن وبروز المذهب البروتستانتي الذي شقّ الكنيسة في بادئ الأمر ثم استقلّ بذاته عنها.
وكشف مارتن في كتابه "اليهود وأكاذيبهم" عن وجهه الحقيقي في التعبير عن مخطط أو مؤامرة احتلال فلسطين حين أبدى فكره الصهيوني بالتعبير عن إرادة "عودة اليهود" بذريعة التخلص منهم ومن عبء مشكلاتهم في أوربا. وصرح بالاستعداد لمدّهم بكل ما تتطلبه عملية الترحيل النهائي من هناك!
ولم تكن تلك بداية دعوة الصهيونية بشكل عام لأن الصهيونية لها جذور قديمة يمكن وصفها بالجذور الدينية النقيّة حين دبّت في اليهود نهضة دينية أثناء سبيهم, إلى بابل (586 ق.م), على يد نبوخذ نصَّر الذي هدم الهيكل, وتاقوا إلى العودة إلى المكان الذي كان فيه الهيكل (مدينة أورشليم/القدس), فعبّروا عن العودة إلى الهيكل بالعودة إلى الجبل الذي كان مقامًا عليه الهيكل (جبل صهيون), فكانت الصهيونية القديمة أو الدينية, إن جاز التعبير.
لقد تزامنت حركة الإصلاح الديني في أوربا مع اكتشاف القارة الأمريكية، لذا فقد أدت الحروب الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت إلى هجرات جماعية لبعض الطوائف البروتستانتية إلى أمريكا الشمالية على وجه الخصوص، ذلك لكون الكاثوليك من الأسبان والبرتغاليين قد سبقوهم إلى أمريكا الجنوبية.
وهناك في أمريكا تمكّن المهاجرون البروتستانت من التعبير عن ثقافتهم الدينية التوراتية بكل حرية، ومن ذلك أنهم شبّهوا خروجهم من أوربا إلى أمريكا، بخروج اليهود أيام موسى عليه السلام، من مصر إلى فلسطين، حيث نظروا إلى أمريكا على أنها (بلاد كنعان الجديدة) أي فلسطين، ونظروا أيضاً إلى الهنود الحمر وهم سكان أمريكا الأصليين – على أنهم الكنعانيين العرب، وهم سكان فلسطين الأصليين، ولما كانت التوراة – المحرفة - تذكر أن اليهود أقاموا المجازر للكنعانيين لذا فقد فعل المهاجرون, البروتستانت الشيء نفسه بالهنود الحمر, ويقال إن الهنود الحمر الذين قتلوا على يد الرجل الأبيض الوربي المتعجرف يربو على 100 مليون هندي!! وفي أحد بحوث جامعة أمريكية يقول باحث: إن بعض الإنجليز استساغوا هناك طعم لحم الهنود الحمر. ولمَ لا ؟ فقد كانت وليمة مجانية!
كذلك فقد كان المهاجرون البروتستانت الأوائل يؤدون صلواتهم باللغة العبرية، ويطلقون على أبنائهم وبناتهم أسماء أنبياء، وأبناء وبنات بني إسرائيل، الوارد ذكرهم في التوراة، كما قاموا بفرض تعليم اللغة العبرية في مدارسهم. وجُعلت اللغة العبرية هي اللغة الرسمية للدراسة في جامعة هارفارد عند تأسيسها، ونوقشت فيها أول رسالة دكتوراه وكان عنوانها (اللغة العبرية هي اللغة الأم).
ومع تزايد الاهتمام باليهود رآى المفكرون وأصحاب القرار بتأثير من الصهاينة أن تتمحور الجهود حول ضرورة التعجيل في احتلال فلسطين وجعلها وطناً لليهود.
وفي عام 1891م قام أحد أبرز زعماء الصهيونية المسيحية في ذلك الوقت، وهو القس (ويليام بلاكستون) بعد عودته من فلسطين برفع عريضة إلى الرئيس الأمريكي بنيامين هاريسون (الرئيس رقم 23 لأمريكا
وفي نهايات القرن ال 18 تفتّق ذهن القسّ الصهيوني المسيحي – بعد زيارة لفلسطين – بفكرة رفعها للرئيس الأمريكي بنجامين هاريسون دعاه فيها إلى الاقتداء بالإمبراطور الفارسي (قورش) الذي أعاد اليهود من السبي البابلي إلى فلسطين, وكان يقصد من ذلك حثه على بذل قصارى في تيسير إعادة اليهود إلى فلسطين! وتم بالفعل في آخر سنة 1917م إعلان ما سمي "تصريح بلفور" بإعطاء فلسطين لليهود لإقامة وطن لهم وذلك بضغط من الرئيس الأمريكي آنذاك (وودرو ولسون).
في عام 1918م ووفق على ما جاء بتصريح بلفور, وجاء في بيان موافقة مجلس النواب ما يلي :
(حيث إن الشعب اليهودي كان يتطلع لقرون طويلة، ويتشوق لإعادة بناء وطنه القديم، وبسبب ما تمخضت عنه الحرب العالمية، ودور اليهود فيها، فيجب أن يُمكّن الشعب اليهودي من إعادة إنشاء وتنظيم وطن قومي في أرض آبائه)!.
وتميزت الكلمات التي ألقيت في مجلسي الكونجرس بمفاهيم توراتية بحته حيث نقرأ: ( كما خلّص موسى بني إسرائيل من العبودية في مصر، فإن الحلفاء الآن يخلصون يهودا - أي فلسطين – من أيدي الأتراك القبيحين، وهي الخاتمة الملائمة لهذه الحرب العالمية.
(يتبع للأهمية)
د. سامي الإمام
ولأنني تعودت عند الكتابة في أي موضوع تناوله من نقطة البداية حتى وإن كانت بعيدة أو غائرة في أعماق التاريخ, على أنني يمكن بعد توضيح تلك النقطة وتسليمها للقاريء يتتبع المسار ويتفاعل مع التداعيات والنتائجها عبر التاريخ الطويل خاصة لو كان الموضوع يمسّ جانبًا عقديًا يشغل حيزًا كبيرًا من وجداننا وتفكيرنا كلما لاحت ومضة من حركته في الأفق, أقول عندها يمكن القفز إلى موضع مهم غاب طرفه عن الساحة لعوامل عدّة أهمها إهمال الكشف عنها وتجليتها في مناهج تعليمنا ونوافذ ثقافتنا وقوائم أعمالنا الفنيّة على اختلاف مشارفها, وبسط الحديث فيه وتوضيح عواملة ونتائجه في الموضوع الرئيسي.
وقد تناولت من قبل بعض أجزاء هذا الموضوع التي إن صُفَّت إلى جوار بعضها البعض ستتضح الصورة الكليّة بما لا يدع مجالا للشكّ بأن منطقتنا العربية وبالأخص فلسطين بمسجدها الأقصى هى محور المؤامرة ولبّ الصراع على المستوى الديني! شاء من شاء وأبى من أبى, وسنقدم ما يجعل ذلك يقينًا وليس دربًا من الخيال. يضاف إلى ذلك الطموح العقدي, الطمع في ثروات المنطقة خاصة النفط وغيره من مكتشفات العصر الحديث.
أبرز بدايات الخيوط التي تشكِّل الكرة المعقّدة:
• الأخيار والأغيار/شعب الله المختار, فكرة روجت لها اليهودية, في غير محلها.
• الفرز والإقصاء معاملان ثابتان في الفكر اليهودي من الجذور؛ سارة, إسحاق, يعقوب, وغيرهم. وحتى في فكرهم الديني؛ يكفي أن تطلع على أحكام الجوييم (غير اليهود) في التلمود, والصهيوني الحديث؛ إشكازي سفاردي فلاشة يمنيون, وغير ذلك من التصنيفات الطائفية.
• الاسماعيليون أبناء الجارية (هاجر) لصوص لذلك طفت على السطح دعوات الحاخامات بقتل الفلسطينيين والعرب ثم المسلمين وتناسوا اضطهادهم في القرون الوسطى في شبه جزيرة أيبيريا ومذابح روسيا (قصيدة المذبحة), وطردهم من إسبانيا والبرتغال, ومحارق ألمانيا, وشارات التمييز التي فرضت عليهم في بلدان عدّة, وتنكَّروا وجحدوا حقبة تعايشهم في كنف الدولة الإسلامية بالأندلس الذي يسميها المنصفون منهم بحقّ "العصر الذهبي"!
• التربّص بالانتقام من مصر وبابل (العراق) وكنعان ولبنان في التوراة ألا يعد ذلك جذور ذريعة ممتدة في أعماق تاريخ اليهود؟
• لماذا تأججت نيران القتل بعد انقلاب مارتن لوثر على الكنيسة الكاثوليكية؟
• معاداة السامية اختراع يهودي جاء ثمرة للفكر الاقصائي.
• البروتوكولات والماسونية يهودية المنشأ, ثابت بالأدلّة والبراهين.
• اللوبي اليهودي في أمريكا ذراع الصهيونية في أمريكا للتأثير على صانع القرار بل ودفع رشىً لتسيير المصالح وتمرير المؤامرات, حتى في انتخابات الرئاسة الأمريكية! ولا عجب.
• صراع بقاء يرتدي ثوب الدين ليقنع المغفلين ويحشدهم في طريق الهاوية.
• التحوّل الذي حدث في فكر السياسيين الأمريكيين منذ اكتشاف العالم اليهودي الألماني اينشتاين لمزايا الانشطار النووي ومجهوداته في تصنيع القنبلة الذرية التي أُلقيت على اليابان 1945 وجعلتها تستسلم, ومنذ ذلك الحين سطع نجم الصهيونية, وتوّج ذلك بتقديم بريطانيا - بضغط وإلحاح من أمريكا - فلسطين هدية للصهاينة!!
فمن المعتقدات الدينية الزائفة, عقيدة الأخيار والأغيار/شعب الله المختار, التي روّج لها اليهود منذ القدم والمسيحيون البروتستانت منذ انقلاب الإصلاحيين على فساد الكنيسة الكاثوليكية, من أمثال: جون ويكليف, وجان هسّ, وجون كالفن, ومعلِّم اللاهوت مارتن لوثر بسبب فساد تلك الكنيسة. هذا الفساد الذي جعل مارتن يؤلف كتابًا بعنوان (عيسى ولد يهوديًا) عبر فيه عن وجهة نظره القائلة:
(إن الروح القدس أنزل كل أسفار الكتاب المقدس عن طريق اليهود وحدهم، إن اليهود هم أبناء الله، ونحن الضيوف الغرباء، ولذلك فإن علينا أن نرضى بأن نكون كالكلاب التي تأكل ما يسقط من فتات مائدة أسيادها), وهو هنا يلمِّح بل يحتذي بقول المرأة الكنعانية صاحبة قصة مع السيد المسيح عليه السلام, حين ردّت بقولها: (نَعَمْ يَا سَيِّدُ. وَالْكِلاَبُ أَيْضاً تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا). إنجيل متى/15.
وبعد أن تحقق ما أراد الإصلاحيون راحوا يدْعون إلى تفضيل الشعائر اليهودية في الكنيسة وإلى دراسة العبرية لأنها لغة التوراة؛ لغة الرب!
ولا يمكن إغفال دور اليهود, الماسوني, في صناعة فكر الإصلاحيين الكنسيين الذين سبقوا مارتن أو حتى هو نفسه وجهودهم في إحداث فتنة الكنيسة الكاثوليكية بزرع يهود متحولين للمسيحية ظاهريًا لإنجاز مهمة هدم الكنيسة من الداخل! وهو ما يتضح في قرار الكنيسة ضده بالحرمان.
وقد نشرت وثائق تبين ضلوع اليهود في فكر مارتن وبروز المذهب البروتستانتي الذي شقّ الكنيسة في بادئ الأمر ثم استقلّ بذاته عنها.
وكشف مارتن في كتابه "اليهود وأكاذيبهم" عن وجهه الحقيقي في التعبير عن مخطط أو مؤامرة احتلال فلسطين حين أبدى فكره الصهيوني بالتعبير عن إرادة "عودة اليهود" بذريعة التخلص منهم ومن عبء مشكلاتهم في أوربا. وصرح بالاستعداد لمدّهم بكل ما تتطلبه عملية الترحيل النهائي من هناك!
ولم تكن تلك بداية دعوة الصهيونية بشكل عام لأن الصهيونية لها جذور قديمة يمكن وصفها بالجذور الدينية النقيّة حين دبّت في اليهود نهضة دينية أثناء سبيهم, إلى بابل (586 ق.م), على يد نبوخذ نصَّر الذي هدم الهيكل, وتاقوا إلى العودة إلى المكان الذي كان فيه الهيكل (مدينة أورشليم/القدس), فعبّروا عن العودة إلى الهيكل بالعودة إلى الجبل الذي كان مقامًا عليه الهيكل (جبل صهيون), فكانت الصهيونية القديمة أو الدينية, إن جاز التعبير.
لقد تزامنت حركة الإصلاح الديني في أوربا مع اكتشاف القارة الأمريكية، لذا فقد أدت الحروب الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت إلى هجرات جماعية لبعض الطوائف البروتستانتية إلى أمريكا الشمالية على وجه الخصوص، ذلك لكون الكاثوليك من الأسبان والبرتغاليين قد سبقوهم إلى أمريكا الجنوبية.
وهناك في أمريكا تمكّن المهاجرون البروتستانت من التعبير عن ثقافتهم الدينية التوراتية بكل حرية، ومن ذلك أنهم شبّهوا خروجهم من أوربا إلى أمريكا، بخروج اليهود أيام موسى عليه السلام، من مصر إلى فلسطين، حيث نظروا إلى أمريكا على أنها (بلاد كنعان الجديدة) أي فلسطين، ونظروا أيضاً إلى الهنود الحمر وهم سكان أمريكا الأصليين – على أنهم الكنعانيين العرب، وهم سكان فلسطين الأصليين، ولما كانت التوراة – المحرفة - تذكر أن اليهود أقاموا المجازر للكنعانيين لذا فقد فعل المهاجرون, البروتستانت الشيء نفسه بالهنود الحمر, ويقال إن الهنود الحمر الذين قتلوا على يد الرجل الأبيض الوربي المتعجرف يربو على 100 مليون هندي!! وفي أحد بحوث جامعة أمريكية يقول باحث: إن بعض الإنجليز استساغوا هناك طعم لحم الهنود الحمر. ولمَ لا ؟ فقد كانت وليمة مجانية!
كذلك فقد كان المهاجرون البروتستانت الأوائل يؤدون صلواتهم باللغة العبرية، ويطلقون على أبنائهم وبناتهم أسماء أنبياء، وأبناء وبنات بني إسرائيل، الوارد ذكرهم في التوراة، كما قاموا بفرض تعليم اللغة العبرية في مدارسهم. وجُعلت اللغة العبرية هي اللغة الرسمية للدراسة في جامعة هارفارد عند تأسيسها، ونوقشت فيها أول رسالة دكتوراه وكان عنوانها (اللغة العبرية هي اللغة الأم).
ومع تزايد الاهتمام باليهود رآى المفكرون وأصحاب القرار بتأثير من الصهاينة أن تتمحور الجهود حول ضرورة التعجيل في احتلال فلسطين وجعلها وطناً لليهود.
وفي عام 1891م قام أحد أبرز زعماء الصهيونية المسيحية في ذلك الوقت، وهو القس (ويليام بلاكستون) بعد عودته من فلسطين برفع عريضة إلى الرئيس الأمريكي بنيامين هاريسون (الرئيس رقم 23 لأمريكا
وفي نهايات القرن ال 18 تفتّق ذهن القسّ الصهيوني المسيحي – بعد زيارة لفلسطين – بفكرة رفعها للرئيس الأمريكي بنجامين هاريسون دعاه فيها إلى الاقتداء بالإمبراطور الفارسي (قورش) الذي أعاد اليهود من السبي البابلي إلى فلسطين, وكان يقصد من ذلك حثه على بذل قصارى في تيسير إعادة اليهود إلى فلسطين! وتم بالفعل في آخر سنة 1917م إعلان ما سمي "تصريح بلفور" بإعطاء فلسطين لليهود لإقامة وطن لهم وذلك بضغط من الرئيس الأمريكي آنذاك (وودرو ولسون).
في عام 1918م ووفق على ما جاء بتصريح بلفور, وجاء في بيان موافقة مجلس النواب ما يلي :
(حيث إن الشعب اليهودي كان يتطلع لقرون طويلة، ويتشوق لإعادة بناء وطنه القديم، وبسبب ما تمخضت عنه الحرب العالمية، ودور اليهود فيها، فيجب أن يُمكّن الشعب اليهودي من إعادة إنشاء وتنظيم وطن قومي في أرض آبائه)!.
وتميزت الكلمات التي ألقيت في مجلسي الكونجرس بمفاهيم توراتية بحته حيث نقرأ: ( كما خلّص موسى بني إسرائيل من العبودية في مصر، فإن الحلفاء الآن يخلصون يهودا - أي فلسطين – من أيدي الأتراك القبيحين، وهي الخاتمة الملائمة لهذه الحرب العالمية.
(يتبع للأهمية)
د. سامي الإمام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق