الجمعة، 23 سبتمبر 2016

من أدلّة المؤامرة الصهيونية وجذورها (2)

ملحوظة: أنا لا اختار القراء, لكنني أكتب لمن يريد أن يتتبع الحكاية من البداية, أو المأساة وأصولها الممتدّة في أعماق التاريخ وعبره, ومن يرغب في فهم أعمق للوصول إلى جذور ثمار دمويّة! ليكون مقتنعًا بأن المؤامرة ليست دربًا من الخيال وإنما فصولها ماثلة في طبقات التاريخ ومسجّلة في أضابير الدول وذاكرة الشعوب!! ويتبقى العيب فينا نحن الذين أهملنا إدراج ذلك كله في مناهج تعليمنا ومعارض ثقافتنا ولم نفهمها حتى لأطفالنا ونطوعها يسيرة لهم في ألعابهم وأدوات لهوهم كما يصنع اليهود بالأكاذيب أفلا نصنع نحن بالحقائق؟!
 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
كان لظهور الشعور القومي لدى شعوب أوربا في منتصف القرن الثامن عشر أثرًا جليًا على حالة اليهود المشتتين في أنحاء المعمورة الذين يعيشون في ظلام الجيتوهات (أماكن حياة اليهود المنعزلة/حارات اليهود) يعانون التفرقة والفقر والاحتقار من أبناء الشعوب غير اليهودية نتيجة تعالى اليهود وغطرسة فكرهم بعقيدة "شعب الله المختار" التي ارتدت عليهم بالويلات والعذاب والمذابح!
من هنا بدأت فكرة امتلاك أرض في دولة, أية دولة!, تظهر ولم يعد الأمر يعني انتظار ظهور المسيح وترديد عبارة تقليدية تقال في المناسبات والأفراح وهى "العام القادم في القدس"! أو "إن نسيتك يا أورشليم تُنسى يميني"!
من هنا بدأت فكرة الصهيونية كحركة سياسية تتبلور على الأرض, وكان لابد من العثور على عناصر بعث لها – ولو مزيفة – في تراث اليهود نفسه لتكون أكثر إقناعًا للمشتتين بالتوحد حول الفكرة. 
وكان من مروجي أفكار الصهيونية, زعماء غير يهود أيضًا, من أمثال نابليون بونابرت, الذي أعلن في 1799م دعوته لليهود للانضمام تحت رايته لاستعادة القدس القديمة! وتحجج بوضع حد للاضطهاد الذي يلاحق الورثة الشرعيين للقدس! ووعدهم إذا أسهموا في مساعيه أن يعيد بناء الهيكل وخلق دولة لليهود! وعبارات دافعة مثل: "هناك مهمة ضخمة تنتظركم . . وسوف تلعبون دور الوسيط بين بلدان أوروبا وبلدان أقصى الشرق في آسيا .. وسوف تفتحون الطرق الكبيرة التي تؤدي إلى الهند والصين, وسوف نتتبعكم بقلوبنا, وتساعدكم أيدينا في عملكم البناء هذا .. إن الوطن القديم يناديكم!! 
هكذا يتدثر المنافقون في كل عصر بالدين! وبالآمال الدنيوية الكاذبة!
وهناك شخصيات بروتستانتية عدّة لامعة لعبت دورًا بارزًا في دفع اليهود لاحتلال فلسطين من أمثال "هنري دونان" مؤسس جمعية الصليب الأحمر, وأ.ف ينافيل, الذي نادى بعودة اليهود إلى فلسطين! في كتاب أسماه "إسرائيل, شعب المستقبل".
فضلا عن عدد كبير من المفكرين اليهود من مختلف الدول مهدوا الطريق, ففي فرنسا كتب "جوزيف سلفادور" في النصف الثاني من القرن التاسع عشر قائلا: ستقام دولة جديدة على شواطيء الجليل وفي "كنعان" القديمة, وسوف تتغلب مطالب اليهود في هذا الصدد تحت الضغط المزدوج للذكريات التاريخية والاضطهاد في بعض الدول وتعاطف النزعة الدينية "المتطهرة في انجلترا"! 
عرض "موشي هيس" سنة 1848م في كتابه "روما والقدس" مقولته إن اليهود يجب أن يحققوا أهدافهم القومية مثلهم مثل أي شعب آخر. وأكّد المشرع اليهودي "تسفي هيرش" سنة 1862م في كتابه المعنون ب"البحث عن صهيون" أن عودة اليهود إلى فلسطين لا يمكن أن تتحقق بغير استعمار الدولة!. 
وفي سنة 1871م شاهد الطبيب اليهودي "ليو بنسكر" إحدى المذابح التي المتوالية ضد اليهود في روسيا ولم تتدخل فيها السلطات بل كانت بتنظيم بعضها من وراء الستار. وكانت التشريعات الخاصة باليهود تحظر إقامتهم بعيدًا عن بعض المناطق, واستبعادهم من بعض المدارس والجامعات. وهو ما دفع "ليو بنسكر" في 1882م لتأليف كتاب أسماه " الانعتاق الذاتي", بعد أن تأكد من أنه ليس هناك ما يمكن انتظاره من الدولة الروسية أو المجتمع الروسي . . كتب يقول:
إن معاداة السامية مرض لا شفاء منه. ويرجع البلاء كله إلى ان اليهودي لا وطن له" فالأحياء يعتبرونه ميتًا, والمواطنون يعتبرونه أجنبيًا, والمستعمرون يعتبرونه متشردًا, والغني يعتبره متسولا, . . فهو شخص لا وطن له, وهو بالنسبة لجميع الطبقات منافس غير مرغوب فيه. واختتم كلامه قائلا: يجب أن يصبح اليهود أمة مرة أخرى, وشعبًا له أرضه الخاصة به". 
تولى "بنسكر" بعد ذلك رئاسة جمعيات تسمى "محبي صهيون" في بلدان عدّة مهمتها استعمار فلسطين زراعيًا! وكان الهدف الوحيد لليهود من ذلك هو الهروب بجلدهم من المذابح التي رتبت لهم في بلدان كثيرة. 
وانقسم اليهود حينها إلى فريقين: الأول الأرثوذوكس الذين رأوا في استعمار فلسطين سبقًا لعمل المسيح وبديلا عن انتظار إرادة الرب الخالدة!
الثاني: اليهود المسكيليم (المستنيرون) الذين سعوا للتطور ونددوا بالتمسك بالأفكار الرجعية – في نظرهم – للوطنية اليهودية!
وأبدى "آحاد هاعام" (معنى الاسم : واحد من الناس), معارضته الشديدة لاستعمار فلسطين وقال معلقًا على ذلك: ذلك ليس هو الطريق"
(يتبع لفهم خلفيات المؤامرة)
د. سامي الإمام
أستاذ الديانة اليهودية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق