كان تابوت العهد, أو تابوت عهد الرب من المقدسات التي أمر الله موسى بصناعتها على الصورة التي أراه إياها في الجبل عند خروج بني إسرائيل من مصر في الزمن القديم. وهو عبارة عن صندوق صنع من خشب شجر السنط أبعاده طولا وعرضا وارتفاعًا ذراعان ونصف الذراع×ذراع ونصف الذراع×ذراع ونصف الذراع. مغشّى بذهب خالص من الداخل ومن الخارج, وله حلقات عند زواياه وعصوان لحمله. وفوقه ملكان من الكروبيم (مخلوقات علويّة مجنّحة).
كان الغرض من هذا التابوت المعجز مزدوجًا فكانت إرادة الرب تتجلّى عنده في عامود من الدخان نهارًا وآخر من النار ليلا – بحسب التوراة - فوقه ليهدي موسى وقومه في طريق الخروج, حين يتقدم مسيرتهم يحمله الكهنة والملائكة! وكان مستودعًا لبعض الأشياء المقدّسة؛ كعصا موسى عليه السلام, ولوحي الوصايا منقوش عليهما الوصايا العشر عماد الشريعة اليهودية, وتذكرة من طعام المنّ الذي خصّ الله به بنو إسرائيل في الصحراء, وعصا هارون (في التوراة كان لكل من موسى وهارون عصا ينفذ بها معجزاته).
ذكر هذا التابوت الذي كانت تحمله الملائكة في سورة البقرة؛ حيث نقرأ:
(وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) سورة البقرة/الآية 248
ففي الآية إشارة إلى عصا موسى وعصا هارون, وإلى بقية الأشياء التي ذكرناها.
وقيل إن السكينة هنا – بحسب التصوّر اليهودي - هى حلول الله عنده وهى ما تسمّى (شخينا) ولها شرح يطول سنتناوله في منشور آخر بإذن الله.
ولكن لماذا كان فوق هذا التابوت تمثالان من طائفة مخلوقات علوية تسمَّى (الكروبيم)؟ مع النهي عن صناعة التماثيل كوصية ضمن الوصايا العشر! لا نعرف
ومع ذلك يمكننا تعليل ذلك بإصرارهم على فكر التجسيم الذي يتبين من سؤالهم موسى عليه السلام :
(فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ ..)
وكانوا خرجوا على التو من مصر وأنجاهم الله من قبضة فرعون وجعل لهم طريقًا في اليم يجتازونه بسهولة ويسر.
كانت الملائكة ترفعه فوق الأرض فيعرف الكهنة أن الله يريدهم أن ينتقلوا إلى موضع جديد فيتناولون العصي ويحملونه ويسيرون به إلى الموضع الذي يريد الرب أن يحلّوا فيه في رحلة التيه, حين يأمر الملائكة بإيقافه فيه, فتنزله الكهنة إلى الأرض فتتوقف المسيرة كلها وتقيم في هذا المكان إلى أن تحين جولة جديدة من السير إلى موضع آخر. ويفهم من ذلك أن الملائكة كانت تخفف من ثقل هذا التابوت وتساعد الكهنة في حمله.
وجدير بالذكر أن رحلة التيه التي استمرت 40 سنة مرّت بأربعين موضعًا وهو ما يعني أنهم كانوا يقيمون في كل موضع سنة كاملة..
جاء في مصادر عربية ان هذا التابوت كان به (نعلا موسى عليه السلام وقطعة من عصاه وجزء من المنّ وعمامة هارون)!! وورد في تفاسير أخرى أن كتاب التوراة كان من ضمن هذه الأشياء! ولا نعرف كيف كان كتاب سماوي كبير كالتوراة كان إلى جوار نعلي موسى عليه السلام؟ إلا إذا كان هذا النعل من المقدسات!! وهو ما لم يذكر في المصادر العبرية, ولا العربية فضلا عن ان خلع النعل ووضعه في التابوت كان يعني ضمنًا أن موسى عليه السلام كان يسير حافي القدمين طيلة رحلة التيه! وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يرد أن نعلي هارون أيضًا كانا من ضمن مكنوزات هذا التابوت؟ كما لنا أن نتساءل هل هناك علاقة بين وضع نعلي موسى عليه السلام في التابوت وأمر الله له (اخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى)؟
ولمكانة التابوت العظيمة والمقدّسة في الفكر اليهودي فكان موضوعًا في قدس أقداس هيكل سليمان بعد بنائه سنة 957 قبل الميلاد. وقدس الأقداس هى الحجرة الداخليه من حجرتي الهيكل ولم يكن يدخل إليه غير الكاهن الأكبر مرة في العام لعمل طقوس يوم الغفران عنده.
أمّا قصة استيلاء الفلسطينيين على هذا التابوت - التي نحن بصددها - فترجع إلى حوالي سنة 1000ق.م , حين كانت قبائل بني إسرائيل متجمعة حول هيكل مركزي في بلدة تسمى "شيلو/سيلون)؛ وهى بلدة تقع على بعد حوالي 50 كم شمال مدينة القدس, حيث وضع تابوت العهد هناك. لم يتسع الوقت للفاتحين (بني إسرائيل) لتوطيد انتصارهم الأول على الفلسطينيين؛ حين دخلوا مدينة أريحا وقتّلوا بحد السيف كل من كان بها من الرجال والنساء والأطفال حتى الرضّع منهم بل أكثر من ذلك حرّقوا كل ما وجدوه بالمدينة بالنار, حتى البهائم والأمتعة! ولم يستثنوا غير زانية اسمها راحاب هى وأهل بيتها إكرامًا لها لأنها كانت ساعدت جواسيس الغزاة على الاختفاء فالهرب (ولذلك يستخدم الموساد الإسرائيلي البغاء في أعمال الاستخبارات إلى اليوم لاستدراج الضحايا! عمل مقدّس!).
شنّ الفسطينيون هجومًا مضادًا أخذ يتغلغل من المنطقة الساحلية إلى الداخل حتى بلغ قلب إسرائيل, فهدم هيكل "شيلو" وسبي تابوت العهد, وفي هذه الأثناء كان سكان البلاد المجاورة؛ المديانيون, والموابيون, والعمونيون, والأراميون, لا يكفون عن الإغارة على حدود إسرائيل, لأن الفرقة كانت تمزقها من الداخل. فتمكن الفلسطينيون من هدم المدينة والاستيلاء على تابوت العهد.
وقد ورد خبر ذلك في سفر صموئيل فورد أن تابوت العهد كان في بلاد الفلسطينيين سبعةَ أَشهر, في مدينة "أشدود", حيث وضعوه في بيت المعبود "داجون", وكان وثنًا يُعبد من دون الله! فسقط على وجهه, واجتاحت الأوبئة المميتة مدن "جَت" و"عِقرون" و"بيت شِمِش", لأنهم لم يحترموا أو يتعاملوا بوقار مع التابوت.
دعا الفلسطينيون الكهنةَ والعرافين (لاحظ استدعاء الكهنة والعرافين كما استدعى فرعون سحرته للرد على سحر موسى عليه السلام) قائلين: ماذا نعمل بتابوت الرب؟ أَخبرونا بماذا نرسله إلى مكانه. فقالوا: إذا أَرسلتم تابوت إله إسرائيل، فلا ترسلوه فارغًا، بل رُدُّوا له قربان إثم. حينئذ تشفون ويعلم عندكم لماذا لا ترتفع يده عنكم.
فقالوا : وما هو قُربان الإثم الّذي نرده له؟
قيل: هى أوزان بعض التماثيل التي يعبدونها بقيمتها ذهبًا!
وحذروهم: ولماذا تغلظون قُلوبكم كما أَغلظ المصريون وفرعون قلوبهم؟! أَليس على ما فعل بهم أَطلقُوهم فَذهبوا؟
فالآن خذوا واعملوا عجلةً واحدة جديدة وبقرتين مرضعتين لم يعلهما نير، واربطوا البقرتين إلى العجلة، وأَرجعوا ولديهما عنهما إلى البيت!. وخذوا تابوت الرب واجعلوه على العجلة، وضعوا أَمتعةَ الذّهب الّتي تردونها له قربان إثم في صندوق بجانبه وأَطْلقُوه فيذهب.
وانظروا، فإن صعد في طرِيق بيت شمس (اسم قرية) فإنه هو الّذي فعل بنا هذا الشر العظيم. وإلاّ فنعلم أَن يده لم تضربنا. كان ذلك علينا عرضًا.
فلما فعل الرجال كذلك فاستقامت البقرتان في الطّريق إلى بيت شمس، وكانتا تسيران في سكّة واحدة وتجأَران، ولم تنحرفا يمينا ولا شمالا، وأَقطاب الفلسطينيين يسيرون وراءهما إلى حدود بلدة بيت شمس.
وكان أَهل بيتَ شمس يحصدون حصاد الحنطة في الوادي، فرفعوا أَعينهم ورأَوا التّابوت وفَرحوا برؤيته. فأَتت العَجلةُ إلى حقل شخص يدعى "يوشع" البيتشمسي ووقفت هناك. وهناك حجر كبير. فشقّقوا خشب العجلة وأَصعدوا البقَرتين محرقَةً للرب!.
فأَنزل اللاَّويون تابوت الرب والصندوق الّذي معه الّذي فيه أَمتعةُ الذّهب ووضعوهما على الحجر الكبير. وأَصعد أَهل بيت شمس محرقَات وذبحوا ذبائح في ذلك اليوم للرب.
فرأَى أَقطاب الفلسطينيين الخمسةُ ورجعوا إلى عقرون في ذلك اليوم.
وكانت قرابين الفلسطِينيون الذهبية التي أرسلوها بحسب مشورة العرافين قرابين إثم للرب: عن مدن أَسدود، وغزة، وعسقلان، وجَت، وعِقرون.
لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحدّ فقد ضرب الرب أَهل بيتشمس لأَنهم نظروا إلى تابوت الرب. مات منهم في ذلك اليوم أكثر من خمسين أَلف رجل!! . فناح الشّعب لأَن الرب ضرب الشّعب ضربةً عظيمةً.
وكان تعليق أَهل بيت شمس على ذلك قولهم:
(من يقدر أَن يقِف أَمام الرب الإله القدوس هذا؟
وأَرسلوا رسلا إلى سكان قرية (يعاريم) قائلين:
قد رَدّ الفلسطينيون تابوت الرب، فانزلوا وأَصعدوه إليكم.
(يتبع)
د. سامي الإمام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق