للطعام في اليهودية أحكام جمّة, فليس كل الأعياد لها أطعمة محددة فقط, ولا كل القرابين التي قدمت في الهيكل - قديمًا- مرتبطة بالطعام, فالنشاط اليومي لتلبية احتياجات الإنسان وطعامه متخمة بالأحكام التي تجب مراعتها بالأدعية والصلوات. وعلى الرغم من أن ذلك أصبح شيئًا طبيعيًا في حياة اليهودي غير إن النظام الشرعي للطعام يعدّ من الأمور المهمة للغاية للحياة اليهودية, وهو الشيء الذي يبدأ بتعليمه للطفل اليهودي.
ليست وجبة الطعام في اليهودية مجرد تناول الطعام؛. فالشريعة تحدد التزامات كثيرة جدًا يعنونها: متى؟ وكيف؟ آداب وأخلاق المائدة. وتفرق الشريعة بين الإنسان والحيوان في مسألة الطعام فتقول: هناك اختلافان بين الحيوان والإنسان في تناول الطعام :
الأول: أن الحيوان يأكل بمفرده كل حيوان على إنفراد.
والثاني: أن الحيوان لا يمكنه التخلّي عن غريزة الافتراس لديه منذ اللحظة الأولى التي يمارس فيها الأكل.
وكان هذا التعريف منطلقًا – في اليهودية - لتحديد الهدف العام من آداب المائدة؛ فعلى الإنسان أن يتغلب على هاتين الغريزتين ويرتقي بوجبة الطعام عن تلك الصفات الحيوانية.
ومن آداب المائدة الشرب من الكوب على جرعتين وليس واحدة, وعدم لعق الأصابع بين المرة والمرة, ولا تقذّر اللحى. ويجب احترام المرأة؛ ولا يتناول طعام خارج البيت إذا قامت هى بإعداد طعام في بيتها, وعليها أن تؤنِّق ثيابها, وتحسن اختيارها في البيت كما في خارجه.
اهتم الحكماء بأحكام الطعام والشراب فقال الراب "يوسف حاييم" البغدادي: إن من يتجاوز أحكام حسن السلوك يعدّ جشعًا!, وينتميي لمثل عيسو الذي طلب من أخيه يعقوب طعامًا قائلا: «أَطْعِمْنِي مِنْ هَذَا الطَّبِيخِ الأَحْمَرِ لأَنَّنِي جَائِعٌ جِدّاً" ولهذه العبارة قصة خداع في سفر التكوين توضح كيف سُلبت البكورية من عيسو وأعطيت ليعقوب عن طريق وجبة طعام من العدس الأحمر!
ومن يتعدّى على أحكام حسن السير والسلوك وهو ممن يعملون بالتوراة فهو يدنس اسم الرب, لهذا قال الحكماء : إن حسن السلوك مقدم على التوراة!
وليكن الأدب وحسن السلوك حقيقيًا وليس مجرد مظهر خارجي أمام الآخرين. فلا يأكل بنهم أو شراهة بل بهدوء وطيب نفس وابتسامة ترتسم على الوجه, بلا غضب ولا حزن, ولا يأكل باليدين بل بواحدة فقط, ولا يأكل بعجلة أو تسرّع. ولا يتعمد التهام قطع كبيرة داخل فيه, فيبدو فمه مملوءًا عن آخره بالطعام, ليتمكن من الإجابة على أي سؤال لو سئل من الجالسين. وحين يأكل من وعاء واحد للجميع فلا يستأثر بنصيب أكبر ويجعله أمامه في متناول يده قريبًا منه أو يلتهمه دفعة واحدة! وحتى لو كان يستخدم ملاعق وأشواكًا فلا يملأ تلك الدوات عن آخرها.
ولا يلعق أصابع يده بين الأخذة والأخذة, ويتوقف قليلا بين هذه وتلك, وإذا رفع المشاركون في المأدبة أيديهم وكفّوا عن الطعام عليه أن يتوقف هو أيضًا وينهي طعامه, حتى لو كان لا يزال جائعًا حتى لا يكون مثل بقية الناس!
وإذا أكل بيديه فلا يخلل كل أصابعه في الطعام بل رؤوسها فقط, والأفضل ألا يتناول الطعام بدون ملعقة. خاصة في العصر الحالي الذي تحكمه قواعد عامة تعارف عليها معظم الناس.
ويجب على الطاعم أن يحافظ على ثيابه نظيفة وألا يصيب لحيته بشيء من الطعام, ولذلك قيل إن الحاخام الذي تصيب بقع الطعام ثيابه يستوجب الموت!
وتسري هذه القواعد والأحكام سواء أكان اليهودي يأكل بمفرده في بيته أو كان يأكل في جماعة داخل بيته أو خارجه. ويجب المحافظة على النظر وعدم الطعن بنظراته سواء في الشخص المرافق أو فيما يأكل وما يتناوله حتى لا تخجل, وحتى لا يظن أنك طامع فيما يأكله وحتى لا يعتقد أنك أصابك ما يغضبك حينها عليك أن تغادر وتتركه يتناول طعامه بمفرده. وإذا جمعت المائدة كبارًا وصغارًا فلينتظر الصغارُ حتى يبدأ الكبار بالطعام حتى لو كان لكل شخص وعاءًا مخصصًا لطعامه. وينصح بعدم مشاركة استخدام أدوات الطعام.
وغسل اليدين من الضروريات وحتى التدقيق على الغسل بشرط المحافظة على الماء وعدم الإسراف. واسستخدام السواك ضروري ولكن ليس أمام الآخرين. ويجب حين الجلوس على مائدة جماعية احترام القائمين بالخدمة وتقديمهم للأكل من الطعام الذي صنعوه بأيديهم.
ومن آداب مائدة الطعام أيضًا عدم تناول جميع الطعام وترك الصحون فارغة تمامًا لئلا يكون ذلك مشعرًا لصاحب البيت بأن الضيف لا يزال جائعًا, أو يكونوا في حاجة إلى بعضه بعد تناول الضيوف طعامهم.
وللأم في الأسرة اليهودية دور بارز ومهم للغاية في تربية الأبناء والاهتمام بهم وخاصة بترتيبات موائد الاحتفالات الدينية التي تتسم بظروف خاصة مستمدة من التوراة وتشريعات الحكماء, وأهم هذه الحتفالات "يوم السبت" لما له من قداسة خاصة فتقوم الأم بإعداد مائدة السبت وترتيب إشعال الشموع وغير ذلك.
ومن أهم أحكام قواعد حسن السلوك - في اليهودية - ضرورة مشددة لاحترام الزوجة؛ وجاء بالتلمود أن البركة في البيوت بسبب الزوجات فإن ذهبت الزوجة ذهبت معها البركة. وقيل : وقِّروا زوجاتكم لتصبحوا أغنياء كما حدث مع أبراهيم. ولا يجب أن يتصرف المرء بالحسنى خارج بيته وينسى أن بيته وأهل بيته من حقهم السلوك نفسه. ويجب تذكر معاملة الجميع بوجه مستبشر في البيت خاصة الزوجة.
وهناك المزيد من آداب الطعام سنتناولها إن شاء الله في منشور آخر.خاصة أن صهاينة العصر الحديث ضمنوا موائد الطعام وأدواته ووسائله وترتيباته ما يخدم أهداف الكيان الصهيوني فنراهم يشددون على انواع طعام في وجبات تخص أعيادًا دينية حولوها إلى أعياد قومية, وغير ذلك من نشر رموز اليهودية على ملابس الأطفال أو أدوات الطعام او حتى في الزينات التي تعلّق بالشوارع ووسائل المواصلات والمدارس والمنتديات العامة في المناسبات المختلفة.
د. سامي الإمام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق