الأربعاء، 19 أبريل 2017

كوش (السودان) في التوراة

لن يكون منطلقي للكتابة عن كوش (السودان) في كتاب (العهد القديم) هو ذلك الافتراض الذي صدر عن كاتب سوداني بأن التوراة نزلت في كوش (السودان) وأن موسى عليه السلام دفن بها أيضًا! (على الرغم من أن اليهود أنفسهم لا يعرفون أين دُفن موسى!) وغير ذلك من الأمور التي باتت مستقرة عن حياة موسى ونزول التوراة عليه بمصر, وخروجه بقومه بني إسرائيل منها.

وقد سبق هذا الباحث السوداني باحث آخر لكنه يتميز بالفكر الأكاديمي الذي يتناول أفكاره بأدلة من التوراة ومن خارج التوراة كالاعتماد على سجلات الجغرافيين وغيرهم, وأقصد به الدكتور/ كمال الصليبي, الأستاذ بالجامعة الأمريكية ببيروت, في كتابه (التوراة جاءت من جزيرة العرب), حيث قال إن البحث في جغرافية التوراة وبيئتها يثبت أن أحداث قصة موسى وبني إسرائيل لم تكن بمصر بل كانت في منطقة عسير غربي شبه الجزيرة العربية. وهو جهد علمي يستحق النظر والتحقيق.
كما يضاف إلى حُمّى الغيرة من أهرامات مصر وحضارتها العريقة إعلان الصهاينة الإسرائيليين أمس, الأحد 16/ابريل/2017, عن عثور باحثين هناك على هرم! لا يزيد ارتفاعه عن ثلاثة أمتار! يا لها من صفاقة! 
لقد فشلوا عبر أكثر من ستين عامًا, منذ احتلال فلسطين, من البحث والتنقيب في منطقة المسجد الأقصى وتحته وبكل ما أوتي الكيان الصهيوني من إمكانات حديثة وتقنيات تكنولوجية عالية وبمساعدة أكثر الدول تقدمًا في التنقيب عن الآثار, وبمشاركة علماء من أنحاء الأرض وعلى رأسهم إسرائيليون بالطبع, أقول فشلوا في العثور على حجر واحد ممّا زعموا أنها حجارة تماثل حجم حجارة الأهرامات وضعت في قاعدة بناء (هيكل سليمان), فشلوا فشلا ذريعًا في تغليف أكاذيبهم بقشرة من حقيقة! ولما فشلوا في ذلك راحوا يدّعون أنهم بنوا أهرامات مصر أو على الأقل هم من استُعبِدوا في بنائها على يد فراعنة مصر, وهذا محض كذب وافتراء لأن الأهرامات كما ذكرت قبل ذلك بنيت قبل ميلاد إسرائيل نفسه عليه السلام بأكثر من 1000 سنة.
لكن سأنتهز هذه الفرصة للتعرّف على سيرة السودان (كوش) في كتاب (العهد القديم). 
فقد ذكر اسم كوش أكثر من 30 مرة فيه, حيث جاء أول ذكر لأرض كوش التي يمرّ بها نهر جيحون الذي هو نهر النيل بحسب أكثر الافتراضات قربًا للصواب, والذي يعدّ أحد أربعة أنهار تتغذى منها جنّة عدن التوراتية, هى دجلة والفرات وجيحون وفيشون, ولا يعرف حتى الآن اين يقع نهر فيشون هذا! 
وكوش هو أحد أبناء أربعة لـ حام ابن نوح, هم كوش ومصرايم وفوط وكنعان. وَأَنْجَبَ كُوْشُ نِمْرُودَ الَّذِي مَا لَبِثَ أَنْ أَصْبَحَ عَاتِياً ومحاربًا مرهوبًا فِي الأَرْضِ! 
وينسب لكوش مملكة كانت في التاريخ القديم موقعها شمال السودان, وعاصمتها مروى, وكانت مملكة قويّة قبل سيطرة مصر عليها في زمن تحوتمس الأول (حوالي 1500 ق.م) 
ويورد سفر العدد من التوراة خبر زواج موسى عليه السلام بامرأة كوشيّة وهو ما أثار حفيظة أخويه هارون ومريم, لكن وبخهما الله على ذلك فما الحكاية بالضبط؟
نعرف من التوراة أن موسى حين هرب إلى صحراء مدين تزوج بامرأة مديانية هى "صفورة", ولم تذكر, التوراة, شيئًا عن امرأة كوشيّة فكيف جاءت فجأة هذه المرأة الكوشية إلى الصحراء؟
أورد ترجوم أونقلوس (وهو ترجمة آرامية للتوراة) هذه المرأة الكوشية بعبارة (انْتثَا شِفِيرَا) وتعني (أنثى/امرأة جميلة). لكن وفي ترجمات أخرى قيل عن المقصود بالمرأة الجميلة هى صفورة المديانية. ولذلك يرجح بقوّة أن المرأة الكوشيّة كانت هى صفورة نفسها.
وجاءت التعليلات لذلك أن الناس يعبرون أحيانًا بالدمامة عن الجمال ربما اتقاء للحسد أو إذا كانت طفلة جميلة بيضاء الوجه عبروا عن ذلك بالسوداء!فقالوا : يا سوداء!
نفهم من ذلك أن موسى عليه السلام لم يتزوج بامرأة كوشيّة ولم يتزوج غير صفورة المديانية وهى التي وصفها القوم بالكوشيّة لما ذكرناه.
وورد في سفر أشعيا سيرة ملك كوشي يسمى ترهاقا جاء لمحاربة ملك آشور! 
وفي نبوءة عن مملكة كوش:
(وَيْلٌ لأَرْضِ حَفِيفِ الأَجْنِحَةِ فِي عَبْرِ أَنْهَارِ كُوشَ، 2الَّتِي تَبْعَثُ رُسُلاً فِي الْبَحْرِ فِي قَوَارِبِ الْبَرْدِيِّ السَّابِحَةِ فَوْقَ الْمِيَاهِ، امْضُوا أَيُّهَا الرُّسُلُ الْمُسْرِعُونَ إِلَى شَعْبٍ طُوَالِ الْقَامَةِ جُرْدٍ، إِلَى شَعْبٍ بَثَّ الرُّعْبَ فِي الْقَاصِي وَالدَّانِي، إِلَى قَوْمٍ أَقْوِيَاءَ وَقَاهِرِينَ تَشْطُرُ الأَنْهَارُ أَرْضَهُمْ).
يتوعد الرب هنا بإرسال من يؤدب (كوش) الذين وصفهم كقراصنة بحر يسبحون على قوارب مصنوعة من نبات البردي وهم طوال القامة بثوا الرعب في أنحاء المعمورة, وهم أقوياء وقاهرين!
وفي سفر صفنيا (نبي من القرن 7 ق.م) يذكر أن المنفيين (اليهود) سيقدمون ذبائح قرابينهم هناك عند أنهار كوش :
(فَيُقَرِّبُ إِلَيَّ شَعْبِي الْمُشَتَّتُ ذَبِيحَةً مِنْ وَرَاءِ أَنْهَارِ كُوشٍ(
بنيت اهرامات كوش (النوبة) كأضرحة لملوك وملكات ممالك ثلاث كوشيّة (كرمة ونبتة ومروى), على الضفة الغربية لنهر النيل في النوبة العليا حوالي 200 كيلومتر شمال الخرطوم, وكان ذلك في أثناء مملكة قويّة حكمها ملوك كوشيين (سودانيين/اثيونيين) وامتدت حدودها ربما إلى جنوب تركيا (يحتاج التحقق إلى بحث منفصل ومدقق).
وكانت تلك الأهرامات متأثرة بأهرامات مصر العملاقة لكنها كانت قصيرة ومحدودة القاعدة فلم يزد الارتفاع عن 30 مترًا وضلع القاعدة الواحدة لم يتعد ثمانية أمتار لذا تشكلت أسطح هرمية تميل بزاوية 70 درجة. 
وختامًا لن أعلق على ما جاء به الباحث السوداني من ان التوراة نزلت في السودان وان موسى دفن بها! وسأترك الحكم للقراء مع افتخارنا بتاريخ السودان وتمنياتنا لشعبه العظيم بالرخاء والاستقرار. 
د. سامي الإمام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق