عرفنا من مفهوم النسخ فيما تقدّم أنه إلغاء لحكم شرعي قديم وإحلال لحكم جديد محلّه, ويستدعي ذلك إلغاء العمل بالحكم القديم وبدء العمل بالحكم الجديد من لحظة تشريعه. وعلى ذلك فإذا كانت اليهودية والمقصود بها الدين الذي نزل على موسى عليه السلام أتت بجديد كان فيه حكم قديم فلابد أن يكون الحكم الجديد فيه إضافة إلى ما في القديم أو تبديل له بالكلية ووضع غيره مكانه وهذا حقيقة النسخ. كما يكون النسخ في الديانة نفسها أو بينها وبين الديانة اللاحقة.
وعلى ذلك فلابد أن يكون للنسخ, بمفهومه العام, إحدى صورتين, إما تحريم شيء كان حلالا, أو تحليل شيء كان حرامًا!
لكن في التوراة مفاهيم جديدة للنسخ مثل أن يرجع! الرب عن حكم كان اتخذه وإبداله بحكم آخر, سواء من ذاته, أو بناء على طلب نبي كموسى عليه السلام, أو ندمه! (حاشاه ذلك) على حكم وإبداله بحكم آخر أو إلغائه تمامًا وإلغاء ما كان سيترتب عليه! أو حزنه وتأسفه على فعل قام به!, أو بطلان طقوس دينية كتقديم القرابين مثلا في الهيكل وتشريع الصلاة محلها بعد خراب الهيكل, أو انتفاء طقوس بانتفاء مقوماتها وضروراتها كالتطهّر برماد (البقرة الحمراء) بسبب فَقد سلسلة التواصل بين رماد البقرة الجديدة ورماد البقرة القديمة, وهو شرط لإقامة طقوس التطهير بهذا الرماد الناتج عن حرق البقرة, الذي لم يعد موجودًا بعد دمار الهيكل, وتدمير مقدساته التعبديّة.
ومن ذلك أيضًا ما فرضته الظروف كإبدال زيارة الهيكل قديمًا وتقديم القرابين عنده وكانت واجبة الالتزام 3 مرات في السنة بالصلاة في المعابد اليهودية في بلاد الشتات.
ومن النسخ أيضًا ما ابتدعوه في المشنا من تشريعات تخالف تشريعات السبت التوراتية الصارمة التي يستوجب مخالِفها القتل رجمًا, كما فُعل بالحطّاب الذي خرج يحتطب في السبت, راح الحكماء وشرّعوا ما سمي بالـ (عيروفين) وهو فصل في باب السبت بالمشنا يناقش كيفية التغلّب على محظورات الحركة والانتقال في يوم السبت! ويعملون بها مع علمهم بأن هذا يخالف ويبطل أحكام السبت التوراتية. أي أن من النسخ ما فرضته الظروف التاريخية والسياسية والاجتماعية.
فهل في التوراة ما ينطبق عليه ما قلنا وبالتالي يكون نسخًا لا يمكن إنكاره؟
أكتب فيما يلي نماذج فقط عن أبرز حالات النسخ وصوره:
1. كان زواج العمّة مباحًا قبل نزول التوراة بدليل ما جاء في التوراة من أن يوكابد أم موسى عليه السلام كانت عمّة أبيه عمرام! جاء:
" َتَزَوَّجَ عَمْرَامُ عَمَّتَهُ يُوكَابَدَ فَأَنْجَبَتْ لَهُ هَرُونَ وَمُوسَى. وَقَدْ عَاشَ عَمْرَامُ مِئَةً وَسَبْعاً وَثَلاَثِينَ سَنَةً. سفر التكوين " 6 : 20
وهو مما نُسخ بالتحريم بعد ذلك:
" لاَ تَتَزَوَّجْ أُخْتَ أَبِيكَ. إِنَّهَا عَمَّتُكَ " سفر اللاويين 18 : 12
"إِذَا عَاشَرَ رَجُلٌ عَمَّتَهُ أَوْ خَالَتَهُ، يُعَاقَبُ كِلاَهُمَا بِذَنْبِهِمَا" سفر اللاويين 20 : 19
2. كان زوج الأخت, غير الشقيقة مباحًا, بدليل زواج إبراهيم عليه السلام من أخته سارة , كما تقول التوراة؛ حيث جاء:
"وَهِيَ بِالْحَقِيقَةِ أُخْتِي، ابْنَةُ أَبِي، غَيْرَ أَنَّهَا لَيْسَتْ ابْنَةَ أُمِّي فَاتَّخَذْتُهَا زَوْجَةً لِي” سفر التكوين 20 : 12
وقد نسخ وحظرته التوراة وعدّت من يفعل ذلك ملعونًا ويجب قتله:
"لاَ تَتَزَوَّجْ أُخْتَكَ بِنْتَ أَبِيكَ، أَوْ بِنْتَ أُمِّكَ، سَوَاءٌ وُلِدَتْ فِي الْبَيْتِ أَمْ بَعِيداً عَنْهُ، وَلاَ تَكْشِفْ عَوْرَتَهَا." سفر اللاويين 18 : 9
"إِذَا تَزَوَّجَ رَجُلٌ أُخْتَهُ، ابْنَةَ أَبِيهِ أَوِ ابْنَةَ أُمِّهِ، فَذَلِكَ عَارٌ، وَيَجِبُ أَنْ يُسْتَأْصَلاَ عَلَى مَشْهَدٍ مِنْ أَبْنَاءِ شَعْبِهِ، لأَنَّهُ قَدْ كَشَفَ عَوْرَةَ أُخْتِهِ، وَيُعَاقَبُ بِذَنْبِهِ" سفر اللاويين 20 : 17
3. والجمع بين الأختين كان حلالا ثم نُسخ بدليل جمع الأب يعقوب عليه السلام بين الأختين ليئة وراحيل ابنتي خاله لابان. سفر التكوين 29 : 15- 35
وهو جمع نسخ وحرّم في سفر اللاويين بالتوراة حيث نقرأ:
"لاَ تَتَزَوَّجِ امْرَأَةً عَلَى أُخْتِهَا لِتَكُونَ ضَرَّةً مَعَهَا فِي أَثْنَاءِ حَيَاةِ زَوْجَتِكَ." سفر اللاويين 18 : 18
وإذا لم تكن صور هذا الزواج مباحة في تشريعات ما قبل موسى عليه السلام لكانت كل تلك علاقات محرّمة غاص فيها السلف وأنجب أبناء غير شرعيين وهذا من المحال عقلا ومما لا يسمح به الله على الأقل بالنسبة لذرية الأنبياء والصالحين. وهو ما يؤكده في التوراة من أن جماعة الرب لا يدخلها غير أنقياء العرق وأطهاره كما يتضح من نص التوراة:
"لاَ يَدْخُلِ ابْنُ زِنًى وَلاَ أَحَدٌ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ حَتَّى الْجِيلِ الْعَاشِرِ فِي جَمَاعَةِ الرَّبِّ. " سفر التثنية 23 : 2
4. وجاء عن الحلال في الطعام ما يفهم منه تحليل جميع الحيوانات بلا استثناء:
"وَلْيَكُنْ كُلُّ حَيٍّ مُتَحَرِّكٍ طَعَاماً لَكُمْ، فَتَأْكُلُونَ كُلَّ شَيْءٍ كَمَا تَأْكُلُونَ الْبُقُولَ الْخَضْرَاءَ الَّتِي أَعْطَيْتُكُمْ." في سفر التكوين 9 : 3
ويؤكد النصّ بأن أكل (كل حيّ متحرك) حلالا كما تؤكل البقول الخضراء!
لكن نسخ هذا بنصّ آخر يبين الحلال والحرام من الحيوانات والبهائم باتخاذ الاجترار والظِلف المشقوق مقياسًا أساسيًا فيها.
5. وعن إتمام الشريعة جاء في إرميا:
"وَسَأَلَنِي الرَّبُّ: «مَاذَا تَرَى يَاإِرْمِيَا ؟» فَأَجَبْتُ: «أَرَى غُصْنَ لَوْزٍ». 12فَقَالَ لِي الرَّبُّ: «قَدْ أَحْسَنْتَ الرُّؤْيَةَ، لأَنِّي سَاهِرٌ عَلَى كَلِمَتِي لأُتَمِّمَهَا». إرميا 1/ 11 – 12
ومعنى ليتممها أنه يريد إكمالها وإتمامها على وجه آخر يريده عير الوجه الذي هى عليه!
6. وعن ارتداد بني إسرائيل وعبادتهم آلهة وثنية يسمي الرب ذلك استبدالا! غريبًا وهو تعبير عن النسخ , فيسأل سؤالا استنكاريًا:
"هَلِ اسْتَبْدَلَتْ أُمَّةٌ آلِهَتَهَا مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ حَقّاً آلِهَةً؟ أَمَّا شَعْبِي فَاسْتَبْدَلَ مَجْدَهُ بِمَا لاَ جَدْوَى مِنْهُ" إرميا 1/ 11
7. وعن عهد جديد يأتي ناسخًا لعهد قديم جاء في إرميا:
«هَا أَيَّامٌ مُقْبِلَةٌ»، يَقُولُ الرَّبُّ أَقْطَعُ فِيهَا عَهْداً جَدِيداً مَعَ ذُرِّيَّةِ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا، 32لاَ كَالْعَهْدِ الَّذِي أَبْرَمْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ، يَوْمَ أَخَذْتُهُمْ بِيَدِهِمْ لأُخْرِجَهُمْ مِنْ دِيَارِ مِصْرَ، فَنَقَضُوا عَهْدِي، لِذَلِكَ أَهْمَلْتُهُمْ. 33وَلَكِنْ هَذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أُبْرِمُهُ مَعَ ذُرِّيَّةِ إِسْرَائِيلَ بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ»، يَقُولُ الرَّبُّ: «سَأَجْعَلُ شَرِيعَتِي فِي دَوَاخِلِهِمْ، وَأُدَوِّنُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ وَأَكُونُ لَهُمْ إِلَهاً وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْباً. 34وَلاَ يَحُضُّ فِي مَا بَعْدُ كُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبَهُ قَائِلاً: اعْرِفِ الرَّبَّ إِلَهَكَ لأَنَّهُمْ جَمِيعاً سَيَعْرِفُونَنِي، مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ، لأَنِّي سَأَصْفَحُ عَنْ إِثْمِهِمْ وَلَنْ أَذْكُرَ خَطَايَاهُمْ مِنْ بَعْدُ». سفر إرميا 31 / 13 – 32
نلاحظ أن الرب يذكر إهماله لشعبه! لأنهم نقضوا عهده فكتب عليهم الشتات وبشر بعهد جديد ليس كسابقه بل ستكون الشريعة فيه مطبوعة في قلوبهم وهى إشارة على شريعة معنوية وإيمان غير مادي بعدما انحرف الجيل القديم بسبب حبهم للماديات والتجسيم ابتداء من عبادتهم لعجل الذهب في برية سيناء ومرورًا بجمع مراحل ابتعادهم عن الرب باتباعهم عبادات وثنية وعصيانهم أوامره ونواهيه.
8. ومن النسخ إلغاء حكم تقديم ابن إبراهيم عليه السلام محرّقة للرب حين أراد امتحانه:
"فَقَالَ لَهُ: «خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، إِسْحقَ الَّذِي تُحِبُّهُ، وَانْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا وَقَدِّمْهُ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَهْدِيكَ إِلَيْهِ». . .
وبعد إيفاء إبراهيم بتنفيذ الأمر نقرأ: فَقَالَ الله:
«لاَ تَمُدَّ يَدَكَ إِلَى الصَّبِيِّ وَلاَ تُوْقِعْ بِهِ ضُرّاً لأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّكَ تَخَافُ اللهَ وَلَمْ تَمْنَعِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّي».
ونلاحظ أنه سمّى ما كان إبراهيم سيقوم به؛ تقديم الولد محرّقة للرب, سمّاه ضُرًا!!
9. ومن صور النسخ والإلغاء أيضًا ما جاء في سفر صموئيل:
" لِذَلِكَ يَقُولُ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: لَقَدْ وَعَدْتُ أَنْ يَظَلَّ بَيْتُكَ وَبَيْتُ أَبِيكَ يَخْدُمُونَ فِي مَحْضَرِي إِلَى الأَبَدِ. أَمَّا الآنَ، يَقُولُ الرَّبُّ: فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ، لأَنَّنِي أُكْرِمُ الَّذِينَ يُكْرِمُونَنِي، أَمَّا الَّذِينَ يَحْتَقِرُونَنِي فَيَصْغَرُونَ.). صموئيل الأول 2 : 30 – 35
ويعبر عن إلغاء الحكم باستمرار الكهانة في بيت الكاهن "عالي" والرجوع فيه بكلمة (حاشا لي)!!
10. والرب يندم! والندم صورة من صور الضعف والخلل في تقييم القرار وهولا يجوز على الخالق جل شأنه:
"«لَقَدْ نَدِمْتُ لأَنِّي جَعَلْتُ شَاوُلَ مَلِكاً، فَقَدِ ارْتَدَّ عَنِ اتِّبَاعِي وَلَمْ يُطِعْ أَمْرِي». فَحَزِنَ صَمُوئِيلُ وَصَلَّى إِلَى الرَّبِّ اللَّيْلَ كُلَّهُ." سفر صموئيل الأول 15 : 11
11. والرب يحزن ويأسف لأمور قام بها! :
" 6فَمَلأَ قَلبَهُ الأَسَفُ وَالْحُزْنُ لأَنَّهُ خَلَقَ الإِنْسَانَ. 7وَقَالَ الرَّبُّ: «أَمْحُو الإِنْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُهُ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ مَعَ سَائِرِ النَّاسِ وَالْحَيَوَانَاتِ وَالزَّوَاحِفِ وَطُيُورِ السَّمَاءِ، لأَنِّي حَزِنْتُ أَنِّي خَلَقْتُهُ».. سفر التكوين 6 : 6 - 7
12. وبعد هلاك الشعب واستئصاله بالشتات, خرج النبيان "أرميا" و"حزقيال" وشنّوا هجومًا عنيفًا على مبدأ العقاب الجماعي والعائلي :
(ما بالكم تضربون هذا المثل بشأن أرض إسرائيل قائلين: أكل الآباء الحصرم فضرست أسنان الأبناء؟ حي أَنا يقول الرب: إنكم حتماً لن تضربوا هذا المثل في إسرائيل بعد اليوم. ها جميع النفوس هي لي. نفس الأب كنفس الابن كلتاهما لي. والنفس التي تخطيء هي تموت).
نفهم من هذا الاستنكار الإلهي أن العقاب مقصور على النفس التي تخطيء فقط دون غيرها, بعد أن كان عقابًا جماعيًا وعقاب أحفاد على فعل أسلاف وهو نسخ واضح.
وغير ذلك كثير من صور النسخ والإبطال والاستبدال في التوراة وكتاب العهد القديم كله وبمفاهيم بعضها يتنافى مع طلاقة القدرة الإلهية وإحكامها وتنزيهها عما يوصف به البشر.
د. سامي الإمام
وعلى ذلك فلابد أن يكون للنسخ, بمفهومه العام, إحدى صورتين, إما تحريم شيء كان حلالا, أو تحليل شيء كان حرامًا!
لكن في التوراة مفاهيم جديدة للنسخ مثل أن يرجع! الرب عن حكم كان اتخذه وإبداله بحكم آخر, سواء من ذاته, أو بناء على طلب نبي كموسى عليه السلام, أو ندمه! (حاشاه ذلك) على حكم وإبداله بحكم آخر أو إلغائه تمامًا وإلغاء ما كان سيترتب عليه! أو حزنه وتأسفه على فعل قام به!, أو بطلان طقوس دينية كتقديم القرابين مثلا في الهيكل وتشريع الصلاة محلها بعد خراب الهيكل, أو انتفاء طقوس بانتفاء مقوماتها وضروراتها كالتطهّر برماد (البقرة الحمراء) بسبب فَقد سلسلة التواصل بين رماد البقرة الجديدة ورماد البقرة القديمة, وهو شرط لإقامة طقوس التطهير بهذا الرماد الناتج عن حرق البقرة, الذي لم يعد موجودًا بعد دمار الهيكل, وتدمير مقدساته التعبديّة.
ومن ذلك أيضًا ما فرضته الظروف كإبدال زيارة الهيكل قديمًا وتقديم القرابين عنده وكانت واجبة الالتزام 3 مرات في السنة بالصلاة في المعابد اليهودية في بلاد الشتات.
ومن النسخ أيضًا ما ابتدعوه في المشنا من تشريعات تخالف تشريعات السبت التوراتية الصارمة التي يستوجب مخالِفها القتل رجمًا, كما فُعل بالحطّاب الذي خرج يحتطب في السبت, راح الحكماء وشرّعوا ما سمي بالـ (عيروفين) وهو فصل في باب السبت بالمشنا يناقش كيفية التغلّب على محظورات الحركة والانتقال في يوم السبت! ويعملون بها مع علمهم بأن هذا يخالف ويبطل أحكام السبت التوراتية. أي أن من النسخ ما فرضته الظروف التاريخية والسياسية والاجتماعية.
فهل في التوراة ما ينطبق عليه ما قلنا وبالتالي يكون نسخًا لا يمكن إنكاره؟
أكتب فيما يلي نماذج فقط عن أبرز حالات النسخ وصوره:
1. كان زواج العمّة مباحًا قبل نزول التوراة بدليل ما جاء في التوراة من أن يوكابد أم موسى عليه السلام كانت عمّة أبيه عمرام! جاء:
" َتَزَوَّجَ عَمْرَامُ عَمَّتَهُ يُوكَابَدَ فَأَنْجَبَتْ لَهُ هَرُونَ وَمُوسَى. وَقَدْ عَاشَ عَمْرَامُ مِئَةً وَسَبْعاً وَثَلاَثِينَ سَنَةً. سفر التكوين " 6 : 20
وهو مما نُسخ بالتحريم بعد ذلك:
" لاَ تَتَزَوَّجْ أُخْتَ أَبِيكَ. إِنَّهَا عَمَّتُكَ " سفر اللاويين 18 : 12
"إِذَا عَاشَرَ رَجُلٌ عَمَّتَهُ أَوْ خَالَتَهُ، يُعَاقَبُ كِلاَهُمَا بِذَنْبِهِمَا" سفر اللاويين 20 : 19
2. كان زوج الأخت, غير الشقيقة مباحًا, بدليل زواج إبراهيم عليه السلام من أخته سارة , كما تقول التوراة؛ حيث جاء:
"وَهِيَ بِالْحَقِيقَةِ أُخْتِي، ابْنَةُ أَبِي، غَيْرَ أَنَّهَا لَيْسَتْ ابْنَةَ أُمِّي فَاتَّخَذْتُهَا زَوْجَةً لِي” سفر التكوين 20 : 12
وقد نسخ وحظرته التوراة وعدّت من يفعل ذلك ملعونًا ويجب قتله:
"لاَ تَتَزَوَّجْ أُخْتَكَ بِنْتَ أَبِيكَ، أَوْ بِنْتَ أُمِّكَ، سَوَاءٌ وُلِدَتْ فِي الْبَيْتِ أَمْ بَعِيداً عَنْهُ، وَلاَ تَكْشِفْ عَوْرَتَهَا." سفر اللاويين 18 : 9
"إِذَا تَزَوَّجَ رَجُلٌ أُخْتَهُ، ابْنَةَ أَبِيهِ أَوِ ابْنَةَ أُمِّهِ، فَذَلِكَ عَارٌ، وَيَجِبُ أَنْ يُسْتَأْصَلاَ عَلَى مَشْهَدٍ مِنْ أَبْنَاءِ شَعْبِهِ، لأَنَّهُ قَدْ كَشَفَ عَوْرَةَ أُخْتِهِ، وَيُعَاقَبُ بِذَنْبِهِ" سفر اللاويين 20 : 17
3. والجمع بين الأختين كان حلالا ثم نُسخ بدليل جمع الأب يعقوب عليه السلام بين الأختين ليئة وراحيل ابنتي خاله لابان. سفر التكوين 29 : 15- 35
وهو جمع نسخ وحرّم في سفر اللاويين بالتوراة حيث نقرأ:
"لاَ تَتَزَوَّجِ امْرَأَةً عَلَى أُخْتِهَا لِتَكُونَ ضَرَّةً مَعَهَا فِي أَثْنَاءِ حَيَاةِ زَوْجَتِكَ." سفر اللاويين 18 : 18
وإذا لم تكن صور هذا الزواج مباحة في تشريعات ما قبل موسى عليه السلام لكانت كل تلك علاقات محرّمة غاص فيها السلف وأنجب أبناء غير شرعيين وهذا من المحال عقلا ومما لا يسمح به الله على الأقل بالنسبة لذرية الأنبياء والصالحين. وهو ما يؤكده في التوراة من أن جماعة الرب لا يدخلها غير أنقياء العرق وأطهاره كما يتضح من نص التوراة:
"لاَ يَدْخُلِ ابْنُ زِنًى وَلاَ أَحَدٌ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ حَتَّى الْجِيلِ الْعَاشِرِ فِي جَمَاعَةِ الرَّبِّ. " سفر التثنية 23 : 2
4. وجاء عن الحلال في الطعام ما يفهم منه تحليل جميع الحيوانات بلا استثناء:
"وَلْيَكُنْ كُلُّ حَيٍّ مُتَحَرِّكٍ طَعَاماً لَكُمْ، فَتَأْكُلُونَ كُلَّ شَيْءٍ كَمَا تَأْكُلُونَ الْبُقُولَ الْخَضْرَاءَ الَّتِي أَعْطَيْتُكُمْ." في سفر التكوين 9 : 3
ويؤكد النصّ بأن أكل (كل حيّ متحرك) حلالا كما تؤكل البقول الخضراء!
لكن نسخ هذا بنصّ آخر يبين الحلال والحرام من الحيوانات والبهائم باتخاذ الاجترار والظِلف المشقوق مقياسًا أساسيًا فيها.
5. وعن إتمام الشريعة جاء في إرميا:
"وَسَأَلَنِي الرَّبُّ: «مَاذَا تَرَى يَاإِرْمِيَا ؟» فَأَجَبْتُ: «أَرَى غُصْنَ لَوْزٍ». 12فَقَالَ لِي الرَّبُّ: «قَدْ أَحْسَنْتَ الرُّؤْيَةَ، لأَنِّي سَاهِرٌ عَلَى كَلِمَتِي لأُتَمِّمَهَا». إرميا 1/ 11 – 12
ومعنى ليتممها أنه يريد إكمالها وإتمامها على وجه آخر يريده عير الوجه الذي هى عليه!
6. وعن ارتداد بني إسرائيل وعبادتهم آلهة وثنية يسمي الرب ذلك استبدالا! غريبًا وهو تعبير عن النسخ , فيسأل سؤالا استنكاريًا:
"هَلِ اسْتَبْدَلَتْ أُمَّةٌ آلِهَتَهَا مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ حَقّاً آلِهَةً؟ أَمَّا شَعْبِي فَاسْتَبْدَلَ مَجْدَهُ بِمَا لاَ جَدْوَى مِنْهُ" إرميا 1/ 11
7. وعن عهد جديد يأتي ناسخًا لعهد قديم جاء في إرميا:
«هَا أَيَّامٌ مُقْبِلَةٌ»، يَقُولُ الرَّبُّ أَقْطَعُ فِيهَا عَهْداً جَدِيداً مَعَ ذُرِّيَّةِ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا، 32لاَ كَالْعَهْدِ الَّذِي أَبْرَمْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ، يَوْمَ أَخَذْتُهُمْ بِيَدِهِمْ لأُخْرِجَهُمْ مِنْ دِيَارِ مِصْرَ، فَنَقَضُوا عَهْدِي، لِذَلِكَ أَهْمَلْتُهُمْ. 33وَلَكِنْ هَذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أُبْرِمُهُ مَعَ ذُرِّيَّةِ إِسْرَائِيلَ بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ»، يَقُولُ الرَّبُّ: «سَأَجْعَلُ شَرِيعَتِي فِي دَوَاخِلِهِمْ، وَأُدَوِّنُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ وَأَكُونُ لَهُمْ إِلَهاً وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْباً. 34وَلاَ يَحُضُّ فِي مَا بَعْدُ كُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبَهُ قَائِلاً: اعْرِفِ الرَّبَّ إِلَهَكَ لأَنَّهُمْ جَمِيعاً سَيَعْرِفُونَنِي، مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ، لأَنِّي سَأَصْفَحُ عَنْ إِثْمِهِمْ وَلَنْ أَذْكُرَ خَطَايَاهُمْ مِنْ بَعْدُ». سفر إرميا 31 / 13 – 32
نلاحظ أن الرب يذكر إهماله لشعبه! لأنهم نقضوا عهده فكتب عليهم الشتات وبشر بعهد جديد ليس كسابقه بل ستكون الشريعة فيه مطبوعة في قلوبهم وهى إشارة على شريعة معنوية وإيمان غير مادي بعدما انحرف الجيل القديم بسبب حبهم للماديات والتجسيم ابتداء من عبادتهم لعجل الذهب في برية سيناء ومرورًا بجمع مراحل ابتعادهم عن الرب باتباعهم عبادات وثنية وعصيانهم أوامره ونواهيه.
8. ومن النسخ إلغاء حكم تقديم ابن إبراهيم عليه السلام محرّقة للرب حين أراد امتحانه:
"فَقَالَ لَهُ: «خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، إِسْحقَ الَّذِي تُحِبُّهُ، وَانْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا وَقَدِّمْهُ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَهْدِيكَ إِلَيْهِ». . .
وبعد إيفاء إبراهيم بتنفيذ الأمر نقرأ: فَقَالَ الله:
«لاَ تَمُدَّ يَدَكَ إِلَى الصَّبِيِّ وَلاَ تُوْقِعْ بِهِ ضُرّاً لأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّكَ تَخَافُ اللهَ وَلَمْ تَمْنَعِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّي».
ونلاحظ أنه سمّى ما كان إبراهيم سيقوم به؛ تقديم الولد محرّقة للرب, سمّاه ضُرًا!!
9. ومن صور النسخ والإلغاء أيضًا ما جاء في سفر صموئيل:
" لِذَلِكَ يَقُولُ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: لَقَدْ وَعَدْتُ أَنْ يَظَلَّ بَيْتُكَ وَبَيْتُ أَبِيكَ يَخْدُمُونَ فِي مَحْضَرِي إِلَى الأَبَدِ. أَمَّا الآنَ، يَقُولُ الرَّبُّ: فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ، لأَنَّنِي أُكْرِمُ الَّذِينَ يُكْرِمُونَنِي، أَمَّا الَّذِينَ يَحْتَقِرُونَنِي فَيَصْغَرُونَ.). صموئيل الأول 2 : 30 – 35
ويعبر عن إلغاء الحكم باستمرار الكهانة في بيت الكاهن "عالي" والرجوع فيه بكلمة (حاشا لي)!!
10. والرب يندم! والندم صورة من صور الضعف والخلل في تقييم القرار وهولا يجوز على الخالق جل شأنه:
"«لَقَدْ نَدِمْتُ لأَنِّي جَعَلْتُ شَاوُلَ مَلِكاً، فَقَدِ ارْتَدَّ عَنِ اتِّبَاعِي وَلَمْ يُطِعْ أَمْرِي». فَحَزِنَ صَمُوئِيلُ وَصَلَّى إِلَى الرَّبِّ اللَّيْلَ كُلَّهُ." سفر صموئيل الأول 15 : 11
11. والرب يحزن ويأسف لأمور قام بها! :
" 6فَمَلأَ قَلبَهُ الأَسَفُ وَالْحُزْنُ لأَنَّهُ خَلَقَ الإِنْسَانَ. 7وَقَالَ الرَّبُّ: «أَمْحُو الإِنْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُهُ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ مَعَ سَائِرِ النَّاسِ وَالْحَيَوَانَاتِ وَالزَّوَاحِفِ وَطُيُورِ السَّمَاءِ، لأَنِّي حَزِنْتُ أَنِّي خَلَقْتُهُ».. سفر التكوين 6 : 6 - 7
12. وبعد هلاك الشعب واستئصاله بالشتات, خرج النبيان "أرميا" و"حزقيال" وشنّوا هجومًا عنيفًا على مبدأ العقاب الجماعي والعائلي :
(ما بالكم تضربون هذا المثل بشأن أرض إسرائيل قائلين: أكل الآباء الحصرم فضرست أسنان الأبناء؟ حي أَنا يقول الرب: إنكم حتماً لن تضربوا هذا المثل في إسرائيل بعد اليوم. ها جميع النفوس هي لي. نفس الأب كنفس الابن كلتاهما لي. والنفس التي تخطيء هي تموت).
نفهم من هذا الاستنكار الإلهي أن العقاب مقصور على النفس التي تخطيء فقط دون غيرها, بعد أن كان عقابًا جماعيًا وعقاب أحفاد على فعل أسلاف وهو نسخ واضح.
وغير ذلك كثير من صور النسخ والإبطال والاستبدال في التوراة وكتاب العهد القديم كله وبمفاهيم بعضها يتنافى مع طلاقة القدرة الإلهية وإحكامها وتنزيهها عما يوصف به البشر.
د. سامي الإمام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق