الأربعاء، 3 مايو 2017

طفولة يوسف

*************
التوراة: 
تحكي عن طفولته, عليه السلام حين كان ابن سبع عشرة سنة يرعى الغنم مع إخوته, على أرض كنعان, وتسجل نصوص سفر التكوين (البدء) أن يعقوب عليه السلام كان يكنّ, لا بل يظهر حبًا زائدًا ليوسف عن بقيّة إخوته وتذكر أسباب ذلك الحب والتمييز أيضًا فقد كان يوسف ابن شيخوخة أبيه, جاء على كبر, ومن هذا التمييز أن يعقوب صنع ليوسف قميصًا ملونًا, فلما رأى إخوته أن أباه يحبه أكثر منهم ويخصّه بأشياء دونهم كرهوه وأساءوا إليه في كلامهم وقت اللعب, فأَبلغ يوسف أَباهُ بنمِيمتهم الرَّدِيئةِ.
تواصل قصة التوراة ذكر أسبابًا أخرى لكراهية إخوة يوسف له فنقرأ أنه حلم حلمًا وقَصَّه على إِخْوته، فازدادوا له بُغضًا.
قَال يوسف لإخوته: اسمعوا هذا الحُلم الذي حلمته. رأيت وكأَنّنا نحزم حُزمًا في الحقل، فإذا بحزمتي وقفت ثم انتصبت، فأحاطت بها حُزمكم وانحنت لها. استشعر الأخوة مصيرهم مع أخيهم فقالوا له: ألعلَّك تملِك علينا أو تحكُمنا؟ ومن هنا تضاعف بُغْضُ إخوته له بسبب كلامه لأبيهم عنهم, وأحلامه تلك التي تنذر بسيادته عليهم وترؤسه لهم, بل الانحناء الذي قد يعني السجود! وهو ما تجسَّد في حلم آخر ليوسف سرَده على إِخوته . . قال: حلمت إذا الشمس والقمر وأحد عشر كوكبًا ساجدة لي)! وقَصَّهُ على أبيه أيضًا. 
لكن الأب َأَنَّبَهُ وقَالَ: (أي حلم هذا الذي حلمته؟ أتظنّ حقاً أنّني وأُمّك وإخوتك سنأْتي وننحني لك إلى الأرض؟). فحسده إخوته. أما أَبوه فأسرّ هذا الكلام في قلبه.
كان يوسف إذن قد اشتهر منذ صغره بحبه لتفسير الأحلام وكان اعتاد ترديد أحلامه بصوت عال والملاحظ أن أحلامه كلها تقريبًا كانت ترفع من شأنه وتحطّ من شأن إخوته الأحد عشر الآخرين! 
تشير التفاسير إلى أن هناك أسبابًا أخرى على الأقل أثارت في نفوس الأخوة التوجس من محاباة الأب ليوسف كأن يتخطاهم جميعًا ويمنح البكورية لابن راحيل! وهو ما جعلهم يخفون مشاعرهم الحقيقية تجاه هذا الأخ. 
نعرف من عبارات الأب يعقوب عن يوسف وعن تلك الأحداث أنه كان يؤمن أن الرب قد كشف ليوسف عن أمور تحدث في المستقبل. ولم يكن أولئك الأخوة على شاكلة يوسف في النقاء الداخلي وطهارة النفس التي تمتع بها منذ صغره, فقد سيطرت على نفوسهم الروح نفسها التي سيطرت على قايين (قابيل) وألهبت مشاعره ضد أخيه هابيل! 
القرآن:
جاء وصف تلك الأحداث في سورة يوسف على النحو التالي:
(إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ‏ قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ( سورة يوسف/الآيات 4-5.
ويمكن للقاري أن يكتشف بسهولة ويسر الفروقات بين الروايتين؛ رواية التوراة ورواية القرآن, في مرحلة طفولة يوسف, فهناك ما لم يأت ذكره في القرآن الكريم, كبعض صور تفضيل يعقوب عليه السلام يوسف على إخوته؛ القميص الملون, ثم حلم الحزم التي التفَّت حول حزمة يوسف وانحنت لها! أمّا المشترك بين الروايتين هو حلم أو رؤيا الأحد عشر كوكبًا والشمس والقمر التي سجدت له!
وفي التفاسير متسع للقراءة في هذا الموضوع إنما قصدت المقارنة المباشرة بين روايتي القصة في التوراة والقرآن وهو ما قد لا يكون متاحًا لكثيرين.
يتبع
د. سامي الإمام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق