الجمعة، 4 أغسطس 2017

المهر مئتي غلفة فلسطينية!! (2)

****************************
كان داود محاربًا قويَا يحرز الانتصارات تلو الانتصارات ما جعل شعبيته تزداد يومًا بعد يوم, وكان ذلك مما يثير غيرة الملك شاءول منه وحقده عليه, وذات مرة سيطر عليه روح رديء (الشيطان) وكان رمح بيده فأشرعه وقال في نفسه: أضرب داود حتى إلى الحائط, ولكن داود حاد من طريقه مرتين"!
أي كانت نيّة شاءول أن يقتل داود بالرمح ويسمّر جسده بالرمح في الحائط لكن داود راغ من الرمح!
ويعبر نص العهد القديم عن الغيرة التي اعترت نفس شاءول ضد داود, في سفر صموئيل الأول/الإصحاح 17 بقوله: 
6وَعِنْدَ رُجُوعِ الْجَيْشِ بَعْدَ مَقْتَلِ جُلْيَاتَ، خَرَجَتِ النِّسَاءُ مِنْ جَمِيعِ مُدُنِ إِسْرَائِيلَ بِالْغِنَاءِ وَالرَّقْصِ، وَبِدُفُوفِ الْفَرَحِ وَبِمُثَلَّثَاتٍ لاِسْتِقْبَالِ شَاوُلَ الْمَلِكِ. 7وَرَاحَتِ النِّسَاءُ الرَّاقِصَاتُ يُنْشِدْنَ: «قَتَلَ شَاوُلُ أُلُوفَهُ وَقَتَلَ دَاوُدُ رِبْوَاتِهِ (أَيْ عَشَرَاتِ الأُلُوفِ)». 8فَأَثَارَ هَذَا غَضَبَ شَاوُلَ، وَسَاءَ هَذَا الْغِنَاءُ فِي نَفْسِهِ وَقَالَ: «نَسَبْنَ لِدَاوُدَ قَتْلَ عَشَرَاتِ الأُلُوفِ، أَمَّا أَنَا فَنَسَبْنَ لِي قَتْلَ الأُلُوفِ فَقَطْ! لَمْ يَبْقَ سِوَى أَنْ يُنْعِمْنَ عَلَيْهِ بِالْمَمْلَكَةِ». 9وَشَرَعَ شَاوُلُ مُنْذُ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَصَاعِداً يُرَاقِبُ دَاوُدَ بِعَيْنٍ مُمْتَلِئَةٍ بِالْغَيْرَةِ. 
وبعد زمن قصير جعل شاءول داود رئيس فرقة عسكرية كبيرة كي يبعده عنه ويحّد من شعبيته المتزايدة بين الناس, فأخذ يحرز نجاحًا تلو نجاح وازدادت شعبيته وأخذ اسمه يتردد على كل لسان.
وفي ذات يوم دعا شاءول إليه داود وعرض عليه أن يعطيه ابنته الكبيرة, "ميراب" إمرأة له, شريطة أن يحارب له حروب الرب. ولكنه كان في الوقت نفسه يدبر له مكيدة ليُقتل على يد الفلسطينيين. لكن داود قال للملك (شاءول): من أنا وما حياتي وعشيرة أبي حتى أكون صهرًا للملك! 
من المفيد هنا أن نذكِّر بأن داود ما زال يخفي واقعة مسح صموئيل (النبي) له ملكًا. "وكان في وقت إعطاء ميرب ابنة شاءول لداود أنها اعطيت زوجة لشخص يدعى "عدريئل المحولي"!!
لكن ميكال ابنة شاءول الصغرى كانت أحبت داود فأخبروا شاءول بذلك فحسن الأمر في عينيه وقال في نفسه: أعطيه إياها فتكون له شركًا, وتكون يد الفلسطينيين عليه"!
تعليق: لأنه يريد التخلّص منه غيرة من تزايد شعبيته وتعلق الإسرائيليين به.
كان داود سعيدًا بخبر الزواج من ميكال الحسناء, أمّا الأب شاءول فقد شعر بأنه تسرّع في قرار الموافقة على هذا الزواج! ولما تأكدت له رغبة داود في زواج ابنته بدأ يطلب منه ما يعرقل هذه الصفقة, بطلب المستحيل وما لن يكون بمقدوره تحقيقه!
وَأَمَرَ شَاوُلُ رِجَالَهُ أَنْ يُسِرُّوا فِي أُذُنِ دَاوُدَ أَنَّ الْمَلِكَ يُحِبُّهُ، وَأَنَّهُ مَحَلُّ إِعْجَابِ الْحَاشِيَةِ، وَأَنْ يَنْصَحُوهُ بِمُصَاهَرَةِ الْمَلِكِ، فَرَاحَ عَبِيدُ شَاوُلَ يُسِرُّونَ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي مَسَامِعِ دَاوُدَ. 
فَأَجَابَ دَاوُدُ: «أَتَظُنُّونَ مُصَاهَرَةَ الْمَلِكِ أَمْراً تَافِهاً؟ أَنَا لَسْتُ سِوَى رَجُلٍ مِسْكِينٍ حَقِيرٍ». 
فَأَخْبَرَ عَبِيدُ شَاوُلَ سَيِّدَهُمْ بِحَدِيثِ دَاوُدَ. 
فَقَالَ شَاوُلُ لَهُمْ: «هَذَا مَا تَقُولُونَهُ لِدَاوُدَ: إِنَّ الْمَلِكَ لاَ يَطْمَعُ فِي مَهْرٍ، بَلْ فِي مِئَةِ غُلْفَةٍ مِنْ غُلَف الْفِلِسْطِينِيِّينَ، انْتِقَاماً مِنْ أَعْدَاءِ الْمَلِكِ». 
قَالَ هَذَا ظَنّاً مِنْهُ أَنْ يُوْقِعَ دَاوُدَ فِي أَسْرِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. 
فَأَبْلَغَ عَبِيدُ شَاوُلَ دَاوُدَ بِمَطْلَبِ الْمَلِكِ، فَرَاقَهُ الأَمْرُ، وَلاَ سِيَّمَا فِكْرَةُ مُصَاهَرَةِ الْمَلِكِ. وَقَبْلَ أَنْ تَنْتَهِيَ الْمُهْلَةُ الْمُعْطَاةُ لَهُ، انْطَلَقَ مَعَ رِجَالِهِ وَقَتَلَ مِئَتَيْ رَجُلٍ مِنَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، وَأَتَى بِغُلَفِهِمْ وَقَدَّمَهَا كَامِلَةً لِتَكُونَ مَهْراً لِمُصَاهَرَةِ الْمَلِكِ. فَزَوَّجَهُ شَاوُلُ عِنْدَئِذٍ مِنِ ابْنَتِهِ مِيكَالَ. 
أَدْرَكَ شَاوُلُ يَقِيناً أَنَّ الرَّبَّ مَعَ دَاوُدَ، وَأَنَّ ابْنَتَهُ مِيكَالَ تُحِبُّهُ. 29فَتَزَايَدَ خَوْفُ شَاوُلَ مِنْ دَاوُدَ، وَأَصْبَحَ عَدُوَّهُ اللَّدُودَ طَوَالَ حَيَاتِهِ.!!
ويعلق الكاتب "ليو تاكسل" على هذه الأحداث بقوله:
(هل يستطيع قاريء كريم أن يتخيّل اللوحة: ينظمون عقد الزواج في احتفال مهيب, ورئيس ديوان الملك يعدّ مائتي جلدة قضيب, واحدة إثر الأخرى, وميكال المغرمة تدفن وجهها الجميل في صدر داود وهى مفتونة بهدية الزواج التي قدمها لها! بيد أن الفلسطينيين رفضوا أن يكونوا مجرد مصدر لأغطية الأعضاء التناسلية للذكور التي يقدمها الشبان اليهود هدايا في أعراسهم. فاستؤنفت الحرب. "وخرج قادة الفلسطينين للحرب, ومن حين خروجهم كان داود يُفلح أكثر من جميع عبيد شاءول فتوقد اسمه"). 
لم ينته الصراع بين شاءول وداود عند هذا الحدّ بل أمر شاءول ابنه "يوناثان" ولجميع عبيده بقتل داود, لكن الابن يوناثان ابن الملك شاءول كان معجبًا بشخصية داود, فأخبره: أبي يسعى لقتلك, حافظ على نفسك"!
يوناثان يقدِّم النصح لأبيه الملك شاءول!:
(وَرَاحَ يُونَاثَانُ يُثْنِي عَلَى دَاوُدَ أَمَامَ أَبِيهِ وَتَسَاءَلَ: «لِمَاذَا يُسِيءُ الْمَلِكُ إِلَى عَبْدِهِ دَاوُدَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُخْطِيءْ إِلَيْكَ، وَمَآثِرُهُ عَظِيمَةٌ جِدّاً؟, لَقَدْ عَرَّضَ حَيَاتَهُ لِلْخَطَرِ عِنْدَمَا قَتَلَ الْفِلِسْطِينِيَّ، فَأَجْرَى الرَّبُّ خَلاصاً عَظِيماً لِجَمِيعِ إِسْرَائِيلَ. وَقَدْ شَهِدْتَ ذَلِكَ وَابْتَهَجْتَ بِهِ. فَلِمَاذَا تَقْتُلُ دَاوُدَ مِنْ غَيْرِ دَاعٍ وَتُسِيءُ إِلَى دَمٍ بَرِيءٍ؟» فَاقْتَنَعَ شَاوُلُ بِكَلامِ يُونَاثَانَ، وَقَالَ: «أُقْسِمُ بِاللهِ الْحَيِّ، لَنْ يُقْتَلَ دَاوُدُ». فَاسْتَدْعَى يُونَاثَانُ دَاوُدَ وَأَطْلَعَهُ عَلَى مَا دَارَ مِنْ حَدِيثٍ،ثُمَّ جَاءَ بِهِ إِلَى شَاوُلَ، فَمَثُلَ فِي حَضْرَتِهِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ مِنْ قَبْلُ.)!
نلاحظ سيرة (روح رديء) في هذه الأحداث تسيطر على رأس الملك شاءول! وتسوقه إلى أفعال وتصرفات لا يرضى عنها حتى شاءول نفسه بدليل رجوعه عن فكرة قتل داود بنصيحة ابنه يوناثان في الفقرة السابقة مباشرة. ونقرأ عبارة: (فَهَاجَمَ الرُّوحُ الرَّدِيءُ شَاءولَ مِنْ لَدَى الرَّبِّ وَهُوَ جَالِسٌ فِي بَيْتِهِ) فكيف ذلك؟!
وفي القصة تفاصيل أخرى غريبة, يضمها الكتاب المقدّس!
د. سامي الإمام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق