******************************
تناولت في المنشور السابق الضربات الخمس الأولى, وهى: الدم, والضفادع, والقمّل, والذباب, والوباء. ونكمل في هذا المنشور الضربات الخمس التالية وهى من السادسة إلى العاشرة:
الضربة السادسة : الدمامل والقيح: השחין
**********************************
جاء عن الضربة السادسة بالتوراة :
"فقال الرب لموسى وهارون: ليأخذ كل منكما حفنة من رماد الأتون، وليذر موسى الرماد نحو السماء بمرأى من فرعون، فيتحول إلى غبار يغطي كل أرض مصر، فيصاب الناس والبهائم بدمامل مُتقيّحة في كل أرض مصر".
تروي المصادر أن موسى, عليه السلام, هو الذي نفذ هذه الضربة, فعلى الرغم من أن أمر الرب في الآيات موجه لكليهما معًا إلا أن الشروح تبين أن معجزة حدثت حين تنفيذ الضربة؛ ففي اللحظة التي ذرّ فيها كل منهما الحفنة, باتجاه السماء, توجهت حفنة الرماد التي كانت في يد هارون ودخل رمادها إلى يد موسى أولا ثم انطلقت الحفنتان من يد موسى عليه السلام. فانتشر الرماد على جميع أرض مصر وجلب ضربة البثور والقيح للمصريين وبهائمهم أيضًا.
حاول سحرة فرعون إيقاف عمل الضربة لكنهم لم يستطيعوا, وازدادت آلامهم عن بقية المصريين. وبعد انتهاء زمن الضربة زالت آثارها من لدى المصريين والبهائم باستثناء السحرة حيث أخذت آلامهم تزداد يومًا بعد يوم إلى أن ماتوا.
يقول النص, في أعقاب الضربة السادسة : "شدد الرب قلب فرعون فلم يسمع لهما كما كلم الرب موسى". بينما في الضربات الخمس السابقة ورد : "اشتد قلب فرعون فلم يسمع لهما كما تكلم الرب".
أي أن في هذه الضربة الرب هو الذي شدد قلب فرعون؛ وقال له : أنت شرير لأنك لم تندم على تسببك في الضربات الخمس السابقة, ومنذ الآن فصاعدًا حتى لو أردت التوبة, أشدد قلبك كي انتقم منك, لأن هذه هى طريق الرب أن يغلق باب التوبة أمام الإنسان الذي يعاود مرات عدة فعل الخطيئة.
الضربة السابعة : البرد: הברד
*************************
كان البرد إحدى الضربات التي أنزلها الرب بالمصريين, في زمن موسى, عليه السلام, نتيجة عصيان فرعون وتكبره, وعدم انصياعه لطلب الرب بإطلاق سراح بني إسرائيل , جاء بالتوراة :
"وقال الرب لموسى: مدّ يدك نحو السماء فينهمر البرد على كل أرض مصر، وعلى الرجالِ والبهائم وعلى عشب الحقل في جميع أرض مصر. فمد موسى عصاه نحو السماء، فأرسل الرب رعودًا وبردًا. وأصابت الصواعق الأرض، وأمطر الرب بردًا على كل بلاد مصر، فانهمر البرد، واختلطت الصواعق بالبرد، فكانت أسوأ عاصفة شهِدتها أرض مصر".
طلب الرب من موسى عليه السلام تنفيذ ضربة البرد, فمد موسى يده نحو السماء وعلى الفور بدأت كتل ضخمة من الجليد بداخلها نار متقدة في السقوط من السماء على الأرض. أصابت هذه الضربة جميع المحاصيل التي كانت نضجت وجاهزة لطعام المصريين. وتجمدت على إثر ذلك الحيوانات والبهائم والطيور التي كانت في بر مصر من شدة الصقيع, ثم احترقت بفعل النار الحامية التي سلطها الرب على تلك الأحياء.
أرسل فرعون إلى موسى وهارون وأبلغهما بخطأه تلك المرة واعترف بأن الرب هو البار وأنه هو وشعبه الأشرار. وطلب منهما أن يصليا للرب من أجل توقف تلك الصواعق المهلكة. رأى موسى أن فرعون بدأ يعترف بشره. وقال : إن البرد إذا توقف فإن فرعون لن يؤمن به, ومع كل ذلك راح موسى وهارون يصلون للرب خارج المدينة وتوقف البرد فورًا.
تشير بعض التفاسير إلى أن بعضًا من ذاك البرد الذي بدأ في السقوط من السماء, في ذلك الزمن البعيد, لم يصل إلى الأرض بعد لأنه أوقف في طريقه إلى الأرض.
الضربة الثامنة : الجراد: הארבה
****************************
لما لم تفلح الضربات السبع المتتالية في وقف عناد فرعون بعث الله له الضربة الثامنة, وهى ضربة الجراد, جاء بالتوراة :
"فقال الرب لموسى: أبسط يدك على أرض مصر لتبتلى بالجراد، فيغطي بلاد مصر ويلتهِم كل نبات الأرض المتخلف عن البرد. فمدّ موسى عصاه على أرض مصر، فأرسل الرب عليهم ريحًا شرقيّة طوال ذلك النهار والليل، وما إن أقبل الصباح حتى حملت الريح الشرقيّة الجراد. فانتشر الجراد في كل بلاد مصر، وحلّ في جميع تخومها بأسراب عظيمة، فلم يكن له نظير من قبل ولن يحدث مثله في ما بعد".
توضح الآيات أن موسى هو الذي قام بتنفيذ الضربة الثامنة, الجراد, فمد عصاه نحو السماء لتهب فجأة رياح شرقية استمرت طوال النهار والليل وحملت في صباح اليوم التالي أسراب الجراد. التهم الجراد ما كان تبقى بعد ضربة البرد من ثمار وخَضار, في حقول مصر. اقتات المصريون ممّا كان مدخرًا في بيوتهم من الغلة والثمار المجففة.
استدعى فرعون موسى وهارون على الفور واعترف بخطيئته وطلب منهما الصفح هذه المرة أيضًا وأن يصليا للرب كي يرفع عنه ضربة الجراد هذه. ووعد بأنه سوف يطلق بني إسرائيل بمجرد رفع الضربة عن مصر. استجاب موسى وهارون وصليا للرب من أجل رفع الجراد. فأرسل الرب ريحًا غربية, هذه المرة, فحملت أكداس الجراد وألقت به في بحر سوف (غير معروف على وجه الدقة أهو البحر الأحمر, أم البحيرات المرّة, أم ماذا). وبذلك توقفت ضربة الجراد.غير إن فرعون لم يستجب ولم يف بوعده الذي كان قطعه.
جاء في التفاسير أن الريح الغربية الشديدة التي هبت ورفعت الجراد الميت, الذي كانت الريح الشرقية أتت به, أخذت معها أيضًا الجراد المملّح الذي كان المصريون يحفظونه للطعام قبل الضربة, وبذلك لم يكن في أرض مصر جرادة واحدة.
تعدّ ضربة الجراد دليلا على سخط الرب على من تحلّ به حيث إن الجراد يتميز بالشراهة ويفني كل أخضر في طريقه حتى الثمار والبراعم. ويعد الجراد من الحشرات الطاهرة في اليهودية, ويحلّ أكله.
وللجراد أسماء عدة جاءت في سفر يوئيل, بحسب سلوكه فهناك "القمص" وهو الجراد القارض, و"الزحاف" وهو الجراد الزاحم في زحفه, و"الغوغاء" وهو الجراد النطاط, و"الطيّار" وهو الجراد المخرِّب, وهو أشدها فتكًا وإتلافًا للخضر بعامة.
الضربة التاسعة : الظلام: חושך
***************************
توالت الضربات الموجعة على مصر؛ فمرت ثماني ضربات من المؤكد أنها أثرت تأثيرًا كبيرًا على المصريين, ومع ذلك لم يستجب الفرعون الحاكم لطلب الرب بإطلاق سراح بني إسرائيل, لذلك جاءت الضربة التاسعة, الظلام؛ نقرأ :
(فقال الرب لموسى: أبسط يدك نحو السماء فيطغى ظلام على كل أرجاء مصر حتى يكاد يلمس لكثافته.فبسط موسى يده نحو السماء، فطغى ظلام كثيف على كل أرجاء أرض مصر لمدة ثلاَثة أيام. فلميتمكّن أحد من أن يرى أخاه، ولا غادر أحد مكانه طوال ثلاثة أيام).
توضح الآيات السابقة أن موسى هو الذي نفذ ضربة الظلام, حين مدّ يده بالعصا نحو السماء, وعلى الفور غطى ظلام حالك السواد, تقول الآية في هذا الظلام : فلم يتمكن أحد من أن يرى أخاه, ولا غادر أحد مكانه".
استمر هذا الظلام لمدة ثلاثة أيام. تصف بعض التفاسير أن هذا الظلام كان يُلمس باليد.
يرى المفسر "راشي" في تعليله لحُلُوكة الظلام أن الرب أراد أن يعاقب أشرار بني إسرائيل, بالتخلص منهم بالقتل, لكنه لم يشأ أن يطلع المصريون على ذلك. وفي رأي آخر, لراشي أيضًا, أن سبب حلوكة الظلام هى أن الرب أراد أن يمرّ بنو إسرائيل على دور المصريين ليتعرفوا على ما بها من مقتنيات ثمينة حتى يكون أخذها حين الخروج من مصر موضوعًا في الحسبان.! ومعنى هذا التفسير أن الظلام لم يؤثر على بني إسرائيل وكانت رؤياهم للأشياء عادية وكأن الظلام الحالك غير موجود.
دعا فرعون موسى وهارون للتفاوض حول الخروج من مصر, وقال لهما: أوافق على خروج كل بني إسرائيل, لكن الغنم والبقر لا تأخذوها معكم". رفض موسى عرض فرعون وأخبره قائلا: "سوف نخرج من مصر ليس فقط بممتلكاتنا بل بممتلكاتك أيضًا".
قال فرعون لموسى : أغرب عن وجهى, لم أعد أطيق أن أرى وجهك بعد, ويوم تأتي, يا موسى, مرة أخرى, لقصري, سوف أقتلك.
إذن لم تأت الضربات التسع بنتيجة مرجوة من فرعون, وزاد فرعون بأن حذر موسى من المجيء إلى قصره وهدده بالقتل!
لكن الرب يطمئن موسى ويخبره بأن الضربة المتبقية هى الضربة القاصمة, ويخبره بما يجب فعله تجهزًا للخروج الكبير.
الضربة العاشرة : قتل البكور: בכורות
********************************
كانت الضربة العاشرة والأخيرة, هى ضربة البُكُور, أي؛ قتل كل مولود بكر للمصريين, سواءً أكان هذا البكر للإنسان, أم للحيوان. نقرأ في التوراة :
(وفي منتصف الليل أهلك الرب كل بكر في بلاد مصر، من بكر فرعون المتربع على العرش إلى بكر الحبيس في السجن، وأبكار البهائم جميعاَا أيضاَ. فاستيقظ فرعون وحاشيته وجميع المصريين وإذا عويل عظيم في أرض مصر، لأنه لم يوجد بيت ليس فيه ميت. فاستدعى موسى وهرون ليلا قائلا: قوموا واخرجوا من بين الشعب أنتما وبنو إسرائيل، وانطلقوا اعبدوا الرب كما طلبتم، وخذوا معكم غنمكم وبقركم كما سألتم وامضوا وباركوني أيضاَ).
نفذ موسى الضربة العاشرة, وأصابت الضربة جميع المصريين. تقول بعض التفاسير أن بكور مصر لم تمت جميعها. فلم يمت فرعون نفسه على الرغم من أنه كان البكر بين اخوته, لأن الرب أراد له أن يعاين سقوط مملكته, وأن يشاهد أيضًا المعجزات التي سوف تحدث لبني إسرائيل. كما لم تمت "باتيا" ابنة فرعون لأن موسى كان قد صلى من أجل ألا تموت لأنها أنقذته من الغرق, حين انتشلته من النهر.
استيقظ فرعون في الصباح على عويل المصريين وبدأ يبحث عن موسى وهارون, ولما وجد موسى أخذ يحثه على الخروج هو وهارون والشعب وينطلقوا ليعبدوا الرب كما طلبوا. ويأخذوا معهم غنمهم وبقرهم, وحتى لو أرادوا أن يأخذوا غنمه وبقره, أيضًا, فليأخذوها, المهم الخروج! الخروج!. وورد في تفسير آخر أن فرعون أمر بقتل مستشاريه الذين أشاروا عليه بعدم السماح بإطلاق سراح بني إسرائيل.
أصابت الضربة, بحسب التوراة, جميع البكور الكبير منهم والصغير, الذكر والأنثى, بكر الإنسان وبكر الحيوان. ولم يرد ذكر عن بكور الطيور.
كان من الضروري أن يضع بنو إسرائيل علامة على عتبة أبواب بيوتهم العليا حتى يجتازهم الرب حين يمرّ على الدور لقتل البكور, ولكي يميز بين بيوت المصريين وبيوت بني إسرائيل ! فماذا صنعوا ؟
أمر الرب كل بيت من بيوت بني إسرائيل بذبح شاة, وأمرهم بالأخذ من الدم وجعله على القائمتين والعتبة العليا في البيوت, وكان حين اجتاز الرب هذه الليلة وضرب كل بكر للمصريين ورأى علامة الدم على أبواب بني إسرائيل فتجاوز وعبر عنهم. ! وكأن الرب لو لم تكن هذه العلامة موجودة ما كان سيفطن أي بيت للإسرائيلي والآخر للمصري!
وكيف حدث ذلك مع أن التوراة يخبر أن بني إسرائيل كانوا يسكنون منطقة جاسان (بالشرقية الآن), وكانت حيّهم المميز, فمتى اختلطوا بالمصريين هذا الاختلاط الذي استوجب وضع علامة تنبيه للرب !؟
وهذا هو أصل العلامة (الخمسة), طبعة اليد الملطخة بدماء الذبيحة التي توضع على أبواب البيوت تبركًا حين عودة حاج من حجه, فرحًا باستقباله! (وهى ضمن ما سمي بالإسرائيليات).
د. سامي الإمام
تناولت في المنشور السابق الضربات الخمس الأولى, وهى: الدم, والضفادع, والقمّل, والذباب, والوباء. ونكمل في هذا المنشور الضربات الخمس التالية وهى من السادسة إلى العاشرة:
الضربة السادسة : الدمامل والقيح: השחין
**********************************
جاء عن الضربة السادسة بالتوراة :
"فقال الرب لموسى وهارون: ليأخذ كل منكما حفنة من رماد الأتون، وليذر موسى الرماد نحو السماء بمرأى من فرعون، فيتحول إلى غبار يغطي كل أرض مصر، فيصاب الناس والبهائم بدمامل مُتقيّحة في كل أرض مصر".
تروي المصادر أن موسى, عليه السلام, هو الذي نفذ هذه الضربة, فعلى الرغم من أن أمر الرب في الآيات موجه لكليهما معًا إلا أن الشروح تبين أن معجزة حدثت حين تنفيذ الضربة؛ ففي اللحظة التي ذرّ فيها كل منهما الحفنة, باتجاه السماء, توجهت حفنة الرماد التي كانت في يد هارون ودخل رمادها إلى يد موسى أولا ثم انطلقت الحفنتان من يد موسى عليه السلام. فانتشر الرماد على جميع أرض مصر وجلب ضربة البثور والقيح للمصريين وبهائمهم أيضًا.
حاول سحرة فرعون إيقاف عمل الضربة لكنهم لم يستطيعوا, وازدادت آلامهم عن بقية المصريين. وبعد انتهاء زمن الضربة زالت آثارها من لدى المصريين والبهائم باستثناء السحرة حيث أخذت آلامهم تزداد يومًا بعد يوم إلى أن ماتوا.
يقول النص, في أعقاب الضربة السادسة : "شدد الرب قلب فرعون فلم يسمع لهما كما كلم الرب موسى". بينما في الضربات الخمس السابقة ورد : "اشتد قلب فرعون فلم يسمع لهما كما تكلم الرب".
أي أن في هذه الضربة الرب هو الذي شدد قلب فرعون؛ وقال له : أنت شرير لأنك لم تندم على تسببك في الضربات الخمس السابقة, ومنذ الآن فصاعدًا حتى لو أردت التوبة, أشدد قلبك كي انتقم منك, لأن هذه هى طريق الرب أن يغلق باب التوبة أمام الإنسان الذي يعاود مرات عدة فعل الخطيئة.
الضربة السابعة : البرد: הברד
*************************
كان البرد إحدى الضربات التي أنزلها الرب بالمصريين, في زمن موسى, عليه السلام, نتيجة عصيان فرعون وتكبره, وعدم انصياعه لطلب الرب بإطلاق سراح بني إسرائيل , جاء بالتوراة :
"وقال الرب لموسى: مدّ يدك نحو السماء فينهمر البرد على كل أرض مصر، وعلى الرجالِ والبهائم وعلى عشب الحقل في جميع أرض مصر. فمد موسى عصاه نحو السماء، فأرسل الرب رعودًا وبردًا. وأصابت الصواعق الأرض، وأمطر الرب بردًا على كل بلاد مصر، فانهمر البرد، واختلطت الصواعق بالبرد، فكانت أسوأ عاصفة شهِدتها أرض مصر".
طلب الرب من موسى عليه السلام تنفيذ ضربة البرد, فمد موسى يده نحو السماء وعلى الفور بدأت كتل ضخمة من الجليد بداخلها نار متقدة في السقوط من السماء على الأرض. أصابت هذه الضربة جميع المحاصيل التي كانت نضجت وجاهزة لطعام المصريين. وتجمدت على إثر ذلك الحيوانات والبهائم والطيور التي كانت في بر مصر من شدة الصقيع, ثم احترقت بفعل النار الحامية التي سلطها الرب على تلك الأحياء.
أرسل فرعون إلى موسى وهارون وأبلغهما بخطأه تلك المرة واعترف بأن الرب هو البار وأنه هو وشعبه الأشرار. وطلب منهما أن يصليا للرب من أجل توقف تلك الصواعق المهلكة. رأى موسى أن فرعون بدأ يعترف بشره. وقال : إن البرد إذا توقف فإن فرعون لن يؤمن به, ومع كل ذلك راح موسى وهارون يصلون للرب خارج المدينة وتوقف البرد فورًا.
تشير بعض التفاسير إلى أن بعضًا من ذاك البرد الذي بدأ في السقوط من السماء, في ذلك الزمن البعيد, لم يصل إلى الأرض بعد لأنه أوقف في طريقه إلى الأرض.
الضربة الثامنة : الجراد: הארבה
****************************
لما لم تفلح الضربات السبع المتتالية في وقف عناد فرعون بعث الله له الضربة الثامنة, وهى ضربة الجراد, جاء بالتوراة :
"فقال الرب لموسى: أبسط يدك على أرض مصر لتبتلى بالجراد، فيغطي بلاد مصر ويلتهِم كل نبات الأرض المتخلف عن البرد. فمدّ موسى عصاه على أرض مصر، فأرسل الرب عليهم ريحًا شرقيّة طوال ذلك النهار والليل، وما إن أقبل الصباح حتى حملت الريح الشرقيّة الجراد. فانتشر الجراد في كل بلاد مصر، وحلّ في جميع تخومها بأسراب عظيمة، فلم يكن له نظير من قبل ولن يحدث مثله في ما بعد".
توضح الآيات أن موسى هو الذي قام بتنفيذ الضربة الثامنة, الجراد, فمد عصاه نحو السماء لتهب فجأة رياح شرقية استمرت طوال النهار والليل وحملت في صباح اليوم التالي أسراب الجراد. التهم الجراد ما كان تبقى بعد ضربة البرد من ثمار وخَضار, في حقول مصر. اقتات المصريون ممّا كان مدخرًا في بيوتهم من الغلة والثمار المجففة.
استدعى فرعون موسى وهارون على الفور واعترف بخطيئته وطلب منهما الصفح هذه المرة أيضًا وأن يصليا للرب كي يرفع عنه ضربة الجراد هذه. ووعد بأنه سوف يطلق بني إسرائيل بمجرد رفع الضربة عن مصر. استجاب موسى وهارون وصليا للرب من أجل رفع الجراد. فأرسل الرب ريحًا غربية, هذه المرة, فحملت أكداس الجراد وألقت به في بحر سوف (غير معروف على وجه الدقة أهو البحر الأحمر, أم البحيرات المرّة, أم ماذا). وبذلك توقفت ضربة الجراد.غير إن فرعون لم يستجب ولم يف بوعده الذي كان قطعه.
جاء في التفاسير أن الريح الغربية الشديدة التي هبت ورفعت الجراد الميت, الذي كانت الريح الشرقية أتت به, أخذت معها أيضًا الجراد المملّح الذي كان المصريون يحفظونه للطعام قبل الضربة, وبذلك لم يكن في أرض مصر جرادة واحدة.
تعدّ ضربة الجراد دليلا على سخط الرب على من تحلّ به حيث إن الجراد يتميز بالشراهة ويفني كل أخضر في طريقه حتى الثمار والبراعم. ويعد الجراد من الحشرات الطاهرة في اليهودية, ويحلّ أكله.
وللجراد أسماء عدة جاءت في سفر يوئيل, بحسب سلوكه فهناك "القمص" وهو الجراد القارض, و"الزحاف" وهو الجراد الزاحم في زحفه, و"الغوغاء" وهو الجراد النطاط, و"الطيّار" وهو الجراد المخرِّب, وهو أشدها فتكًا وإتلافًا للخضر بعامة.
الضربة التاسعة : الظلام: חושך
***************************
توالت الضربات الموجعة على مصر؛ فمرت ثماني ضربات من المؤكد أنها أثرت تأثيرًا كبيرًا على المصريين, ومع ذلك لم يستجب الفرعون الحاكم لطلب الرب بإطلاق سراح بني إسرائيل, لذلك جاءت الضربة التاسعة, الظلام؛ نقرأ :
(فقال الرب لموسى: أبسط يدك نحو السماء فيطغى ظلام على كل أرجاء مصر حتى يكاد يلمس لكثافته.فبسط موسى يده نحو السماء، فطغى ظلام كثيف على كل أرجاء أرض مصر لمدة ثلاَثة أيام. فلميتمكّن أحد من أن يرى أخاه، ولا غادر أحد مكانه طوال ثلاثة أيام).
توضح الآيات السابقة أن موسى هو الذي نفذ ضربة الظلام, حين مدّ يده بالعصا نحو السماء, وعلى الفور غطى ظلام حالك السواد, تقول الآية في هذا الظلام : فلم يتمكن أحد من أن يرى أخاه, ولا غادر أحد مكانه".
استمر هذا الظلام لمدة ثلاثة أيام. تصف بعض التفاسير أن هذا الظلام كان يُلمس باليد.
يرى المفسر "راشي" في تعليله لحُلُوكة الظلام أن الرب أراد أن يعاقب أشرار بني إسرائيل, بالتخلص منهم بالقتل, لكنه لم يشأ أن يطلع المصريون على ذلك. وفي رأي آخر, لراشي أيضًا, أن سبب حلوكة الظلام هى أن الرب أراد أن يمرّ بنو إسرائيل على دور المصريين ليتعرفوا على ما بها من مقتنيات ثمينة حتى يكون أخذها حين الخروج من مصر موضوعًا في الحسبان.! ومعنى هذا التفسير أن الظلام لم يؤثر على بني إسرائيل وكانت رؤياهم للأشياء عادية وكأن الظلام الحالك غير موجود.
دعا فرعون موسى وهارون للتفاوض حول الخروج من مصر, وقال لهما: أوافق على خروج كل بني إسرائيل, لكن الغنم والبقر لا تأخذوها معكم". رفض موسى عرض فرعون وأخبره قائلا: "سوف نخرج من مصر ليس فقط بممتلكاتنا بل بممتلكاتك أيضًا".
قال فرعون لموسى : أغرب عن وجهى, لم أعد أطيق أن أرى وجهك بعد, ويوم تأتي, يا موسى, مرة أخرى, لقصري, سوف أقتلك.
إذن لم تأت الضربات التسع بنتيجة مرجوة من فرعون, وزاد فرعون بأن حذر موسى من المجيء إلى قصره وهدده بالقتل!
لكن الرب يطمئن موسى ويخبره بأن الضربة المتبقية هى الضربة القاصمة, ويخبره بما يجب فعله تجهزًا للخروج الكبير.
الضربة العاشرة : قتل البكور: בכורות
********************************
كانت الضربة العاشرة والأخيرة, هى ضربة البُكُور, أي؛ قتل كل مولود بكر للمصريين, سواءً أكان هذا البكر للإنسان, أم للحيوان. نقرأ في التوراة :
(وفي منتصف الليل أهلك الرب كل بكر في بلاد مصر، من بكر فرعون المتربع على العرش إلى بكر الحبيس في السجن، وأبكار البهائم جميعاَا أيضاَ. فاستيقظ فرعون وحاشيته وجميع المصريين وإذا عويل عظيم في أرض مصر، لأنه لم يوجد بيت ليس فيه ميت. فاستدعى موسى وهرون ليلا قائلا: قوموا واخرجوا من بين الشعب أنتما وبنو إسرائيل، وانطلقوا اعبدوا الرب كما طلبتم، وخذوا معكم غنمكم وبقركم كما سألتم وامضوا وباركوني أيضاَ).
نفذ موسى الضربة العاشرة, وأصابت الضربة جميع المصريين. تقول بعض التفاسير أن بكور مصر لم تمت جميعها. فلم يمت فرعون نفسه على الرغم من أنه كان البكر بين اخوته, لأن الرب أراد له أن يعاين سقوط مملكته, وأن يشاهد أيضًا المعجزات التي سوف تحدث لبني إسرائيل. كما لم تمت "باتيا" ابنة فرعون لأن موسى كان قد صلى من أجل ألا تموت لأنها أنقذته من الغرق, حين انتشلته من النهر.
استيقظ فرعون في الصباح على عويل المصريين وبدأ يبحث عن موسى وهارون, ولما وجد موسى أخذ يحثه على الخروج هو وهارون والشعب وينطلقوا ليعبدوا الرب كما طلبوا. ويأخذوا معهم غنمهم وبقرهم, وحتى لو أرادوا أن يأخذوا غنمه وبقره, أيضًا, فليأخذوها, المهم الخروج! الخروج!. وورد في تفسير آخر أن فرعون أمر بقتل مستشاريه الذين أشاروا عليه بعدم السماح بإطلاق سراح بني إسرائيل.
أصابت الضربة, بحسب التوراة, جميع البكور الكبير منهم والصغير, الذكر والأنثى, بكر الإنسان وبكر الحيوان. ولم يرد ذكر عن بكور الطيور.
كان من الضروري أن يضع بنو إسرائيل علامة على عتبة أبواب بيوتهم العليا حتى يجتازهم الرب حين يمرّ على الدور لقتل البكور, ولكي يميز بين بيوت المصريين وبيوت بني إسرائيل ! فماذا صنعوا ؟
أمر الرب كل بيت من بيوت بني إسرائيل بذبح شاة, وأمرهم بالأخذ من الدم وجعله على القائمتين والعتبة العليا في البيوت, وكان حين اجتاز الرب هذه الليلة وضرب كل بكر للمصريين ورأى علامة الدم على أبواب بني إسرائيل فتجاوز وعبر عنهم. ! وكأن الرب لو لم تكن هذه العلامة موجودة ما كان سيفطن أي بيت للإسرائيلي والآخر للمصري!
وكيف حدث ذلك مع أن التوراة يخبر أن بني إسرائيل كانوا يسكنون منطقة جاسان (بالشرقية الآن), وكانت حيّهم المميز, فمتى اختلطوا بالمصريين هذا الاختلاط الذي استوجب وضع علامة تنبيه للرب !؟
وهذا هو أصل العلامة (الخمسة), طبعة اليد الملطخة بدماء الذبيحة التي توضع على أبواب البيوت تبركًا حين عودة حاج من حجه, فرحًا باستقباله! (وهى ضمن ما سمي بالإسرائيليات).
د. سامي الإمام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق