الاثنين، 28 أغسطس 2017

الضربات العشر لمصر (في التوراة) #מכות_מצרים_בתורה

الضربات الخمس الأولى: وهى على التوالي كما جاءت في نص التوراة؛ الدم والضفادع, والقمَّل, والبعوض, والوباء.

الضربة الأولى: الّدم
****************
نقرأ نص التوراة في ضربة الدم التي أنزلها الرب بمصر, في زمن موسى عليه السلام:
"وخاطب الرب موسى: قل لهارون: خذ عصاك وابسط يدك على مياه المصريين وعلى أنهارهم وعلى جداولهِم وسواقيهم وخزانات المياه فتتحوّل كلها إلى دم، ويكون دم في كل أرض مصر حتى في الأواني الخشبيّة والحجريّة".
"وفعل موسى وهارون كما أمر الرب، فرفع هارون العصا وضرب ماء النهر على مشهد من فرعون وحاشيته فتحول كل ماء النهر إلى دم، ومات كل سمكه وأنتن النهر فلم يستطع المصريون الشرب من مائه. وكان دم في كل أرجاء أرض مصر".
لكن لماذا كانت "ضربة الدم" هى أولى الضربات العشر ؟
يقول المفسِّر "راشي" إن الضربات بدأت بالدم لأن النهر كان معبودًا للمصريين, فلما أراد الرب الانتقام من الشعب المصري انتقم من معبوده أولا.
وطبقًا لتفاسير الحكماء فإن بني إسرائيل لم يتأثروا بهذه الضربة, وكان لديهم مياه نقية, لكن لو طلب مصري من يهودي أن يشرب شربة ماء, سواء أتى اليهودي بالإناء, أو أتى به المصري, كانت المياه النقية التي لليهودي بمجرد صبها في الإناء للمصري تتحول إلى دم.
ويقول المفسرون, لو أن المصري دفع لليهودي مقابل ما يأخذه من الماء من اليهودي لم يكن هذا الماء يتحول إلى دم, ولذلك لعبت ضربة الدم دورًا كبيرًا في إثراء اليهود.!! (حرص على المال حتى في الأمر الرباني؟!)
ولم تقتصر "ضربة الدم" على النهر فقط, على الرغم أنه الشريان الرئيسي للحياة في مصر, بل تعدته إلى أي مياه, والجداول, والقنوات, والبرك, ! لقد كان حصارًا دمويًا بمعنى الكلمة. حتى الحفر التي كانت تتم بجوار النهر, يبدو انها هى الأخرى لم تف بالحاجة إلى الماء.!
وكم كانت مدة الضربة؟ والزمن بين ضربة وأخرى؟
تصعب الإجابة على هذا السؤال, لكن بملاحظة تتابع الضربات والزروع التي كانت تنمو في الأوقات المختلفة يتبين أن المدة بين كل ضربة وأخرى هى سبعة أيام.
ورد في التفسير الكبير "مدراش ربَّا" أن هارون هو الذي رفع عصاه على النهر في ضربة الدم, وليس موسى. والتعليل أن النهر هو الذي أنقذ موسى في طفولته, حين وضعته أمه "يوكابد" في سفط وألقته في النهر. ومن ثم لم يكن من الوفاء أن يقوم موسى بالإشارة بعصاه لحدوث هذه الضربة.!
جدير بالذكر أن بعض الضربات كانت بإشارة عصا موسى, وبعضها الأخر كان بعصا هارون.
الضربة الثانية: الضفادع
*******************
نتناول الضربة الثانية, بحسب الترتيب التوراتي, الضفادع, فنورد أولا نص التوراة :
"ثم قال الرب لموسى: قل لهارون ابسط يدك بعصاك على الأنهار والسواقي والبرك وأصعد الضفادع على كل أرض مصر. فبسط هارون يده على مياه مصر فأقبلت الضفادع وغطت أرض مصر".
كان موسى عليه السلام أيضًا, حافظًا لعهد الوفاء للنهر الذي أنقذه من الموت حين وضعته أمه في السفط وتركته, وكان عمره لا يتجاوز ثلاثة شهور؛ فلم يشارك موسى في هذه الضربة, فالذي أشار بالعصا لتنفيذ الضربة هو هارون وليس موسى.
كان من نتيجة الضربة أن الضفادع انتشرت في ربوع مصر وغطت الأرض, واستطاع عرافو مصر أن يصنعوا بسحرهم كصنيع موسى وهارون فأصعدوا هم أيضًا الضفادع على أرض مصر. وطلب فرعون من موسى وهارون أن يصليا للرب ليرفع عن المصريين غضبة الضفادع. وطلب موسى من الرب أن يرفع الضفادع عن الدور, والأرض, والحقول لكن تبقى في النهر. بالفعل صنع الرب كما أراد موسى وماتت الضفادع من البيوت والحقول وجمعت في كومة عظيمة حتى أنتنت هواء مصر.!
أما سبب ضربة الضفادع فلأن الضفادع كانت معبودة وكانت رمزًا للإله "بتاح", وكانوا يسمونها "ملكة العالمَين"؛ الدنيا والآخرة. وكان الإله "آمون" يمثل بصورة إنسان برأس ضفدع. وكان صور الضفدع وتماثيله, بشكل عام, رمزًا للخصب والنماء. فأراد الله أن يجعل هذا الإله ذاته, بحسب فكر المصريين قديمًا, ضربة قاسية.
وقيل إن الضفادع كانت تقفز من الطين, بشكلها القبيح, ورائحتها الكريهة, وصوتها المزعج. وكانت تقتحم, حتى موائد الطعام, وأفران الخبيز, والسرر.
وعلى الرغم من كل ذلك لم يمتثل فرعون لله وزاد في عناده المر الذي جلب عليه الضربة الثالثة.
الضربة الثالثة: القمَّل
*****************
جاء بالتوراة الأمر بالضربة الثالثة حينما لم يمتثل فرعون لأمر الرب حتى بعد إنزال الضربة الثانية (الضفادع), نقرأ :
"فقال الرب لموسى : قل لهارون أن يبسط يده بعصاه ويضرب تراب الأرض ليملأ البعوض كل أرجاء مصر. وهكذا فعلا؛ إذ بسط هارون يده بعصاه وضرب تراب الأرض، فانتشر البعوض على الناس والبهائم. فصار كل تراب الأرض بعوضاً في جميع أرجاء مصر".
لقد امتلأت الأرض بهذه الحشرة, والكلمة العبرية التي تدل عليها هى (كِنّيم), التي تعني في الواقع أكثر من نورع واحد من الحشرات؛ فهى تعني القمّل, والبعوض, وكل آفات الزروع, والهوام في الهواء.
جاءت هذه الضربة كسابقتها دون تحذير. وجاءت, على حدّ تعبير المصادر اليهودية, ضربة قوية وكما أن المصريين لم يسمحوا لبني إسرائيل بالاغتسال, كذلك ابتلاهم الله بالقمّل, الذي ينتشر مقتحمًا جميع مناطق الجسد, ولا يجدي معه حتى خمش الأجساد بعيدان الخشب المُسنّنة, لأن الرب أصاب الأيدي فلا تستطيع معالجة آثار تلك الحشرات.
وانتشر القمل في البشر, والبهائم, وتحول تراب الأرض إلى قمّل, لدرجة أن المصريين حفروا الأرض بعمق قامة وقامتين فلم يجدوا ترابًا بل ملايين القمل.!!
حاول عرافو فرعون وسحرته صرف القمّل والحشرات فلم يستطيعوا؛ واعترفوا حينئذ, وقالوا لفرعون "هذا أصبع الله". وسلموا بأن يد القدرة الإلهية هى التي تعمل وتسيطر.
وورد في بعض التفاسير (مِدْراش ربّا), أن الرب عاقب المصريين بقانون "العين بالعين والسن بالسن", وحيث إن بني إسرائيل كانوا يسخرون في أعمال الطين الشاقة, في العراء, فكذلك عاقبهم بتحويل هذا الطين إلى قمَل. 
وتعلل نصوص المِدْراش رفض يعقوب, عليه السلام, أن يدفن في مصر, وكذا وصية يوسف عليه السلام, حين الموت, بأن يدفن إلى جوار آبائه في فلسطين, وهو ما تشير التوراة إلى أنه حنط ونقل مع موسى عند الخروج, تعلل النصوص ذلك بأن الرب أعلمهم بأن ضربة القمّل ستحيل تراب مصر وطينها إلى قمّل. !
الضربة الرابعة : الذباب/البعوض
***************************
جاء عن الضربة الرابعة التي نزلت بمصر (في زمن موسى ) :
وإن لم تطلق شعبي فها أنا أرسل أسراب الذباب عليك وعلى حاشيتك وعلى شعبك وعلى بيوتك، فتمتليء بيوت المصريين بالذباب، وكذلك الأرض التي يقيمون عليها.
ذهب مفسرون إلى أن هذه الضربة الرابعة لم تقتصر على الذباب والبعوض فقط, بل نتج عنها انتشار الحشرات والقوارض والآفات, وأحياء الطين .
وكان موسى, عليه السلام, قد خاطب فرعون وحذره مما سيحدث إن لم يمكن بني إسرائيل من الخروج إلى الصحراء لعبادة الرب. وكان موسى على علم بأن الضربة ستحلّ في اليوم التالي بأرض مصر, باستثناء مكان إقامة بني إسرائيل, منطقة جوشن/جاسان (في حدود محافظة الشرقية الآن )
تحكي المصادر العبرية أن فرعون ساوم موسى وهارون في مسألة الخروج؛ فعرض عليهما, في أول الأمر, أن يقدموا القرابين للرب على أرض مصر ولا ضرورة للخروج إلى الصحراء. لكن موسى رفض هذا العرض بحجة أنهم لا يمكنهم تقديم قرابين من الضأن المصري الذي يعدّ مقدسًا لدى المصريين. وانهم إن فعلوا ذلك سيكون جزاؤهم الرجم ؟! في النهاية وافق فرعون على خروج بني إسرائيل لكن بشرط ألا يذهبوا بعيدًا, وأن يصلي من أجل رفع هذه الضربة. وافق موسى على اقتراح فرعون, لكنه ذكره بما فعل في الضربة الثالثة وأنه لم ينفذ ما وعد به.
صلى موسى لرفع ضربة الذباب عن أرض مصر والمصريين, لكن فرعون لم يف بما وعد به ورفض إطلاق بني إسرائيل.
وهناك تفسيرات عدة للكلمة العبرية (عَاروڤ), التي تشير إلى نوع المخلوقات التي يعاقب بها الفرعون والمصريون, وأراضيهم, فيذهب التفسير التقليدي إلى أن المقصود بها خليط من الآفات الضارة بالإنسان. بينما يرى التفسير القديم (الترجمة السبعينية للتناخ), أن المقصود بها ضربة بأنواع عدة من الحشرات. أما المفسرون اللغويون فيذهبون إلى أن الكلمة تعني بالآكدية, نوعًا من الديدان. وقال رابي "يهودا" إن المقصود هو خليط من المخلوقات والأحياء التي سلطها الرب على مصر. وذهب آخرون أن هذه الضربة تضمنت عددًا من الوحوش الضارية, بما فيها الأسود, والنمور, والذئاب, والضباع, وغيرها, هاجمت بيوت المصريين وعاثت فسادًا في البلاد, ولم تمسّ بني إسرائيل بسوء. 
الضربة الخامسة: الوباء
*******************
(ثم قال الرب لموسى: امض إلى فرعون وقل له: هذا ما يعلنه إله العبرانيين أطلق شعبي ليعبدني؛ لأنك إن أبيت أن تطلقهم وحجزتهم لديك، فإن يد الرب ستهلك مواشيك التي في الحقولِ، والخيول، والحمير والجمال والثيران والغنم، بوبأ شديد جدًا ).
تشير المصادر العبرية إلى أن موسى, عليه السلام, هو الذي نفذ ضربة الوباء, التي حلّت بالحيوانات التي كانت في الحقول الزراعية, دون الحيوانات التي كانت في البيوت والدور فلم يصبها الوباء.
كما أن مواشي بني إسرائيل فلم تصب بأذى : "لا يموت من كل ما لبني إسرائيل شيء".
وكان الرب قد عيّن وقتًا لإنزال تلك الضربة : " غدًا يفعل الرب هذا الأمر في الأرض".
ومع ذلك غلظ قلب فرعون ولم يطلق بني إسرائيل ليعبدوا الله.
ولماذا ضربة الوباء ؟
اعتقد المصريون في قداسة بعض الحيوانات, مثل فرس النهر, والعجل "أبيس", وغير ذلك. وكانوا يعتقدون أن العجل "أبيس" فيه روح إلههم "أوزوريس" ! وبلغوا من تقديس الحيوانات ان المؤرخ "ديودورس" سجل فيما كتب أن المصريين قاموا بتمزيق جسد رسول روماني لأنه قتل قطًا.!
ولذلك كان المقصود بهذه الضربة التي وجهها رب بني إسرائيل لحيواناتهم أن يلفت نظرهم إلى خطأ معتقداتهم تلك. ورأى آخرون أن المقصود من هذه الضربة كان ضبط الشهوة الحيوانية في نفوس المصريين؛ فلا يعيش الإنسان كالحيوان بل يجب عليه أن يبحث عن الطهارة.!
وعلى الرغم من أن النص التوراتي لم يشر إلى موت بشر من هذه الضربة إلا أن الأجاداه (النصوص غير التشريعية في التلمود), تحكي أن الناس الذين كان عملهم مرتبطًا بتلك الحيوانات التي نفقت ماتوا مع حيواناتهم؛ فمات الراعي مع غنمه, والخيال مع جياده وأفراسه, والحمّار مع حميره, والجمّال مع جماله, وغير ذلك. وتقول الأجاداه أيضًا إن حيوانات بني إسرائيل التي كانت لدى مصريين لسبب أو لآخر لم تمت ولم تصب بسوء.
يتبع
د. سامي الإمام
أستاذ الديانة اليهودية
كلية اللغات والترجمة/جامعة الأزهر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق