الثلاثاء، 20 فبراير 2018

تناسخ الأرواح (في الفكر اليهودي) #גלגול_נשמות_ביהדות

تستخدم اللغة العبرية ثلاثة مصطلحات لمعنى التناسخ, هى גלגול נשמות لانتقال أرواح البشر في شخصيات إنسانة أو غير إنسانية عدّة, وשכפול אדם لمعنى استنساخ متماثل للإنسان بعيدًا عن الطريق الطبيعي للقاء زوجين, ذكر وأنثى, وباستخدام تقنيات جينية بمادة ما يعرف بال دنا (DNA), وأخيرًا שבוט وتعني استنساخ عناصر جينية لانتاج شبيه للمخلوق؛ حيوانًا أو طائرًا, او غيره من الأحياء غير الإنسان, مطابق للمصدر وهو بذلك يتطابق مع مصطلح שכפול في التقنية المستخدمة.
وسنناقش هنا موضوع تناسخ الأرواح البشرية
على الرغم من الاعتقاد الجازم ببقاء النفس بعد الموت في جميع المصادر اليهودية؛ التناخ والتلمود والتفاسير, غير إنه من الصعب العثور مصطلح التناسخ. ونجد جدلا في هذا الموضوع متأخرًا جدًا. فهناك معارضون لهذه العقيدة أمثال راب سعديا جاءون , وراب أبراهام بن دفيد, وكذا راب أشير بن يحيئيل الذي أجاب عن سؤال لابنه راب يهودا, عن رأيه في الاعتقاد في التناسخ, فرفض كل الآراء والمعتقدات المتعلقة بهذا الموضوع, وختم كلامه بعبارة "ليست هناك أدلة كافية لهذا الاعتقاد".
ومن العارضين أيضًا راب شمشون بن رفائيل هيرش, لمسألة تناسخ الأرواح ورآى أنها عقيدة مصرية قديمة تتعارض مع اليهودية. كما طبع حاخام فرانكفورت سنة 1854م مؤلفه "بن داود", كتاب الراب يهودا أرييه الذي عارض فيه عقيدة تناسخ الأرواح.
هناك من ناحية أخرى شرح وافي عن دور التناسخ وعن الأرواح التي استنسخت في أدب القبالا خاصة منه كتاب "الزوهار" وكتابات راب إسحاق لوريا. وبحسب رؤى هؤلاء المعتقدين في حقيقة التناسخ فإن جميع الأرواح الخارجين حديثًا للحياة هم تناسخ لأرواح قديمة وقليل فقط هم أرواح جديدة.
وتفسر هذه الظاهرة أو المعتقد من الناحية الدينية مشكلات الثواب والعقاب, كما تفسِّر بصفة خاصة تلك المآسي التي تحلّ بالأطفال غير المكلفين ولا يخضعون لقانون العقاب! وكذلك ما يحلّ بالصدِّيقين كمصير تلاميذ التنائيم العشرة الذين أعدموا بأمر الحاكم الروماني قديمًا وعدّوا شهداء, وتعليق الخطأ الذي وقع على عقيدة تناسخ الأرواح, أي أن أرواح هؤلاء كانت في أساسها أرواح قدماء مستحقين للعقاب! فماتوا وحق عليهم التناسخ في أشكال جديدة لإنزال العذاب والعقاب المستحق عليهم.

كان راب عوفاديا يوسف, الحاخام اليهودي الذي توفي منذ سنين معدودة, قد أثار عاصفة من النقد حين اقتبس كلمات الراب أهارون راطا, الذي استعان بعقيدة التناسخ لتبرير أحداث الكارثة اليهودية (محارق النازي في ألمانيا/الهولوكوست). وكانت آراء هذا الأخير قد انبنت على آراء إسحاق لوريا التي استند عليها في تعليل أسباب محاكم التفتيش, في العصور الوسطى بأسبانيا, بأنها كانت أرواحًا تناسخت لاستيفاء العقاب. وتظهر قصص في الأدب الحسيدي كما جاء في "مدح بعل شيم طوف", حيث ورد أن تلاميذه سألوه عن حاخام مبتديء قُتل على أيدي جوييم (غير يهود), أجاب بقوله: "هذه شريعة وهذا ثمنها", وأوضح لهم بعل شيم طوف أن هذا الإنسان نفسه كان رئيسًا للسنهدرين في زمن النبي زكريا, وحينما تنبأ زكريا بشأن نوازل المستقبل ضربه هذا الرئيس على خدّه وقال له: هؤلاء غوغاء من أذن لك لتتنبأ؟" وهو ما تسبب في قيام الجمهور الغاضب على زكريا وقتلوه! وكعقاب لرئيس السنهدرين هذا, كُتب عليه التناسخ مرة بعد مرة ليُقتل في كل مرة بسبب إثارته الغوغاء على النبي وقتله.
وعلى النقيض من معتقدات في بلاد الشرق ترى أن التناسخ هو مجرد تماثل أو تجسيد جديد للشخص, فإن القبالا ترى فيه هدفًا نبيلا وهو إصلاح تلك النفس. إن التجربة الحياتية هى القوّة المحركة لروح الإنسان للمجيء إلى الدنيا مرة تلو المرة والتي تجعلها تسعى لاكتساب المعرفة. ومن ناحية أخرى فإن التشبع هو الذي يولِّد عدم الرغبة في التناسخ؛ وهذا معناه أن تناسخ الروح سينتهي حين تتطور تلك الروح إلى درجة قصوى وتفقد الرغبة في المجيء إلى الحياة مرة أخرى. وطبقًا للقبالا فإن رغبة الروح هى ان تظل في حالة الوعي التام دون حاجة إلى بقاء مادي/جسماني وبذلك تتحرر من قيود الجسد الذي يفرض عليها صراعات مستمرة ودائمة.
ولتناسخ الروح في القبالا أسباب محددة؛ السبب الأول العزوف عن الإنجاب والتكاثر. وهو سبب ذا أهمية قصوى لأن إنجاب الأبناء معناه ترك جزء من روح الإنسان في نسله وبالتالي تيسير استمرار هذه الروح المتوالية في العالم من الأب إلى الابن ثم إلى الحفيد وهكذا. فإذا عزف أي شخص عن لعب دوره في هذه المنظومة المتسلسلة هنا يتحتم عليه الهبوط إلى الدنيا مرة أخرى في عالم مادي / جسمي جديد!.

وبنظرة أكثر عمومية فإن كتاب الزوهار يصف هذا السلوك/العزوف عن الإنجاب والتكاثر بأنه نقض للعهد الذي بين الإنسان/اليهودي وخالقه, الذي يُلزم الإنسان ببذل أقصى الجهد من أجل حلول السكينة, وهكذا يقال: إن الخالق تقدس اسمه لا يتنازل بل يعيد الشخص إلى الدنيا كي ينجب نسلا", وطبقًا للزوهار فإن وصية اليبوم مرتبطة أيضًا بتناسخ الأرواح حيث إن الشقيق المتوفى دون إنجاب أبناء فإنه "أنقص من النموذج الأصلي"/الإنسان الإول بعدم ترك ذريّة تتواصل فيها روحه في الدنيا, ولذا كان مفروضًا على أخيه أن يكمل دوره في تواصل هذه الروح. وهذا هو سبب شدّة عقوبة من يرفض إحياء نسل لأخيه كما أمرت التوراة (راجع شريعة اليبّوم).
قال القبالي حاييم فيتال عن نفسه أنه تناسخ للملك حزقياهو, وعن معلمه الراب إسحاق لوريا أنه تناسخ للمسيح ابن داود, وقال راب شلوم شرعابي بعد ذلك بمئتي عام أنه تناسخ لإسحاق لوريا وبالمثل قال زعماءُ إسرائيليين إنهم تناسخ لشخصيات عظيمة في الماضي.
جدير بالذكر أن هناك اعتقاد قبالي بأن شمعون بار يوحاي؛ مؤلف كتاب الزوهار الذي يعدّ أساس معارف القبالا هو استنساخ لشخصية النبي موسى عليه السلام, وقام بدور الوسيط في نقل روحه لبار يوحاي النبي إلياهو الذي رفع إلى السماء وهو لا يزال يلعب دور الوسيط بين الرب وشعبه المختار في مناسبات عدّة!
وهناك درجات للمتناسخ فيه الذي قد يكون حجرًا أو نباتًا أو حيوانًا!!
ولهذا حديث آخر بمشيئة الله تعالى
د. سامي الإمام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق