*****************************************************
تعرض اليهود, عبر تاريخهم الطويل, لأحداث مهمة حملت مفهوم المنفى, وكان لهم أكبر الأثر في مسيرتهم:
الأول : هو السبي البابلي.
والثاني: هو سبي فارس.
والثالث : هو سبي روما؛ وهو.الشتات في الأرض.
والرابع: سبي العصر (المقصود به هذا المحيط الإسلامي الذي يطوّق إسرائيل, في وجهة نظرهم, لأنه لا يجعلهم يتمتعون بالحرية الكاملة على أرض الميعاد كما يدّعون, ويندرج تحت هذا السبي أيضًا ما ذكرناه؛ سبي فارس, حيث كانوا يتمتعون بمزيَّة منحهم إياها الملك الفارسي قوروش, لكن تهديد حياتهم بالقتل والإبادة جعلهم يستشعرون الخطر!
وكل ذلك إنما يحلّ عليهم عقابًا على معاصيهم, وعدم طاعتهم للرب وتنفيذ وصاياه, وتماديهم في عدم الطاعة ومخالفة الأوامر والوصايا التي كانت شرطًا لتفضيلهم كشعب مختار!
وهذه الأحداث حفّزت فيهم التفكير في الغيبيات في اتجاهين:
1. نهاية العالم. 2. الخلاص على يد مسيح منتظر.
في الوقت الذي كانوا يركزون اهتمامهم على مسألتين كبيرتين؛ هما:
الأولى: أن الدنيا تبدو بعيدة عن الكمال بالمقارنة بما كان الله قد طالبهم به. وهذا يقتضي أن يحدث تنسيق بقدر الإمكان بين نقص الدنيا ومتطلبات الرب. ولن يكون هذا إلا بأن يُنزل الرب عقابًا صارمًا على كل الذين تركوا سواء السبيل.
والثانية : أن الله قد اختار إسرائيل شعبًا له ومع ذلك فإن الشعب المختار لم يكن دائمًا من حيث الاستقامة والهداية على مستوى المسئولية التي يلقيها عليه هذا الاختيار. وبالتالي فإنه لم يفلح في ريادة شعوب الأرض جميعًا كما كان متوقعًا, بل كثيرًا ما حدث العكس فاضطهدته شعوب الأرض جميعًا, ورتبت ضدهم المذابح, والمحارق, والاضطهاد, والتشريد, والمطاردة, مصداقًا لما جاء بالكتاب المقدس على لسان النبي حزقيال:
"لأن أحكامي رفضوها وفرائضي لم يسلكوا فيها ..من أجل أنكم لم تسلكوا في فرائضي ولم تعملوا حسب أحكامي ..من أجل أنك (الضمير يعود على جماعة بني إسرائيل) نجست مقدسي بكل مكرهاتك, وبكل أرجاسك فأنا أيضًا أجزّ ولا تشفق عيني وأنا أيضًا لا أعفو, ثلث يموت بالوباء, وبالجوع يفنون, وثلث يسقط بالسيف, وثلث أذريه في كل ريح وأستل سيفًا وراءهم" حزقيال 5 : 6-12.
وعلى الرغم من كل ما يبدو في العالم من دنس, وما يبدو من شعب الله المختار, طبقًا لليهودية, من إصرار على التفريط في عهده مع الرب, فإن الرب أخيرًا سيكون له مع الدنيا يوم عظيم, تذكره التوراة :
(يوم الرب لكم ظلمة لا نور. كما إذا هرب إنسان من وجه الأسد فلقيه الدب, أو دخل البيت وأسند يده إلى الحائط فلسعته حيّة أليس يوم الرب ظلمة لا نور ؟ بل هو ديجور لا ضياء له).
يقول "جينيبر": إنه يبدو من هذه العبارة أن اليهود ينتظرون يوم الرب ليحمل لهم انتصار شعب الله المختار على الأمم الأخرى التي قد دانت لهم بالخضوع . لكن يتضح من الآية أن يوم الرب سوف يمتاز بانتصار العدالة الإلهية التي سيرتعد منها الشعب الإسرائيلي نفسه رعبًا بسبب ما اقترفه من جرائم وآثام.
فـ "يوم الرب" بالمعنى الذي جاء وصفه لدى الأنبياء, يعنى التهديد والوعيد والانتقام من العصاة وفي مقدمتهم الشعب الإسرائيلي نفسه, هذا اليوم كان موضع تهكم وسخرية من الكثيرين, وكانوا يرون أنه بعيد جدًا ولذلك أطلقوا عليه لتأكيد هذا البعد (آخرة الأيام/آخر الأيام), وهو يوم لم تذكر التوراة عنه شيئًا.
وكان اليهود يسخرون من أخبار هذا اليوم مما جعل الرب يخاطبهم بقوله :
(ياابن آدم...لأني أنا الرب أتكلم، والكلمة التي أقضي بها تتمّ، من غير مماطلة، بل ها أنا أنطق بقضائي في أيامكم أيّها الشعب المتمرِّد وأُنفّذه في حينه، يقول السيد الرب).
ومع ذلك يرتب اليهود سيناريوهات الحرب الأخيرة بناء على ما يُعِدُّونها إرهاصات وردت في مواضع عدّة في "العهد القديم".
فبعد أن يعيد الرب اليهود إلى إسرائيل (من الشتات), وهو ما تحقق في العصر الراهن – سوف يجعل الرب شعوب الشمال, التي تفسّر بفارس/إيران, - التي على وشك تطوير سلاح نووي, قادر على الوصول لأوربا, وبالتأكيد إلى إسرائيل – تخوض حربًا تستمر لزمن طويل, قد يصل لأكثر من عام, تسيطر خلالها جيوش أجنبية على منطقة إسرائيل!, وكما يقول المتكهنون : هاهى قوات فارس موجودة في الشمال؛ يقصد بذلك "حزب الله" في جنوب لبنان, وبحوزته آلاف الصواريخ – فمن الشمال يأتي الخراب, طبقًا لنبوءة النبي "حزقيال", وفي القريب سيبدأ الهجوم.
ومن أسباب اندلاع حرب آخر الأيام ما ورد في "العهد القديم" :
"ها أنا مزمع أن أجعل أُورشليم كأس خمر تترنح منها جميع الشعوب المحيطة بها... ويتألب عليها جميع شعوب الأرض".
أي أن السبب الرئيس للصراع المرتقب – هو تمسّك إسرائيل بأورشليم.
معالم النهاية, كما جاءت في سفر دانيال:
"كل من كان اسمُه مدوّنًا في الكتاب من شعبك ينجو في ذلك الزمان. ويستيقظ كثيرون من الأموات المدفونين في تراب الأرض، بعضهم ليثابوا بالحياة الأبدية وبعضهم ليساموا ذلّ العار والازدراء إلى الأبد. ويضيء الحكماء (أي شعب الله) كضياء الجلد".
والمقصود بالحكماء, في الآيات السابقة هم المؤمنون من بني إسرائيل آنذاك, قديمًا, في زمن موسى, عليه السلام, وبعده, قبل نزول رسالة عيسى عليه السلام.
متى تنتهي أحداث النهاية ؟
الإجابة التي وردت في سفر دانيال؛ تشير إلى أن :
"هذه العجائب تنقضي بعد ثلاث سنوات ونصف، حين يتم تشتيت قوّة الشعب المقدس.
فسمعت ما قاله ولكنني لم أفهم، فسألت:
ياسيدي ما هي آخر هذه؟
فأجاب: اذهب يا دانيال لأن الكلمات مكتومة ومختومة إلى وقت النهاية. كثيرون يتطهّرون ويتنقون ويمحصون بالتجارب، أما الأشرار فيرتكبون شرًا ولا يفهمون. إنما ذوو الفطْنة يدركون.
أَما الفترة ما بين إزالة المحرقة الدائمة وإقامة رجس المُخرب، فهي أَلف ومئتان وتسعون يومًا. فطوبى لمن ينتظر حتى يبلغ إلى الألف والثّلاث مئة والخمسة والثّلاثين يومًا. وأما أنت فاذهب إلى آخرتك فتستريح، ثم تقوم في نهاية الأيام لتثاب بما قسم لك».
وهذه الأرقام المذكورة في الآيات الأخيرة هى التي جعلت اليهود على مرّ العصور يخمنون موعدًا للنهاية أو ليوم القيامة. وحددوا تواريخ عدة لهذا اليوم وباءت جميعها بالخسران المبين, آخرها كان عام (2012), ولم تتحقق النبوءة بالطبع.
وما يؤكد غيب هذا اليوم عن المعرفة هو ما يفهم من عبارة واردة في الآية التي أمامنا؛ وهى :
"لأن الكلمات مكتومة ومختومة إلى وقت النهاية"
فكلمة "مكتومة" فيها إشارة إلى أن موعد هذه الأحداث هو سرّ مكتوم غير مباح, أي في علم الغيب, وكلمة "مختوم" أي أنه لا يزال هذا الختم إلا حين يريد الرب ويأذن بالبوح بهذا الغيب, وهذا ما نفهمه من العبارة المذكورة.
د. سامي الإمام
أستاذ اللغة العبرية والديانة اليهودية
كلية اللغات والترجمة/جامعة الأزهر
تعرض اليهود, عبر تاريخهم الطويل, لأحداث مهمة حملت مفهوم المنفى, وكان لهم أكبر الأثر في مسيرتهم:
الأول : هو السبي البابلي.
والثاني: هو سبي فارس.
والثالث : هو سبي روما؛ وهو.الشتات في الأرض.
والرابع: سبي العصر (المقصود به هذا المحيط الإسلامي الذي يطوّق إسرائيل, في وجهة نظرهم, لأنه لا يجعلهم يتمتعون بالحرية الكاملة على أرض الميعاد كما يدّعون, ويندرج تحت هذا السبي أيضًا ما ذكرناه؛ سبي فارس, حيث كانوا يتمتعون بمزيَّة منحهم إياها الملك الفارسي قوروش, لكن تهديد حياتهم بالقتل والإبادة جعلهم يستشعرون الخطر!
وكل ذلك إنما يحلّ عليهم عقابًا على معاصيهم, وعدم طاعتهم للرب وتنفيذ وصاياه, وتماديهم في عدم الطاعة ومخالفة الأوامر والوصايا التي كانت شرطًا لتفضيلهم كشعب مختار!
وهذه الأحداث حفّزت فيهم التفكير في الغيبيات في اتجاهين:
1. نهاية العالم. 2. الخلاص على يد مسيح منتظر.
في الوقت الذي كانوا يركزون اهتمامهم على مسألتين كبيرتين؛ هما:
الأولى: أن الدنيا تبدو بعيدة عن الكمال بالمقارنة بما كان الله قد طالبهم به. وهذا يقتضي أن يحدث تنسيق بقدر الإمكان بين نقص الدنيا ومتطلبات الرب. ولن يكون هذا إلا بأن يُنزل الرب عقابًا صارمًا على كل الذين تركوا سواء السبيل.
والثانية : أن الله قد اختار إسرائيل شعبًا له ومع ذلك فإن الشعب المختار لم يكن دائمًا من حيث الاستقامة والهداية على مستوى المسئولية التي يلقيها عليه هذا الاختيار. وبالتالي فإنه لم يفلح في ريادة شعوب الأرض جميعًا كما كان متوقعًا, بل كثيرًا ما حدث العكس فاضطهدته شعوب الأرض جميعًا, ورتبت ضدهم المذابح, والمحارق, والاضطهاد, والتشريد, والمطاردة, مصداقًا لما جاء بالكتاب المقدس على لسان النبي حزقيال:
"لأن أحكامي رفضوها وفرائضي لم يسلكوا فيها ..من أجل أنكم لم تسلكوا في فرائضي ولم تعملوا حسب أحكامي ..من أجل أنك (الضمير يعود على جماعة بني إسرائيل) نجست مقدسي بكل مكرهاتك, وبكل أرجاسك فأنا أيضًا أجزّ ولا تشفق عيني وأنا أيضًا لا أعفو, ثلث يموت بالوباء, وبالجوع يفنون, وثلث يسقط بالسيف, وثلث أذريه في كل ريح وأستل سيفًا وراءهم" حزقيال 5 : 6-12.
وعلى الرغم من كل ما يبدو في العالم من دنس, وما يبدو من شعب الله المختار, طبقًا لليهودية, من إصرار على التفريط في عهده مع الرب, فإن الرب أخيرًا سيكون له مع الدنيا يوم عظيم, تذكره التوراة :
(يوم الرب لكم ظلمة لا نور. كما إذا هرب إنسان من وجه الأسد فلقيه الدب, أو دخل البيت وأسند يده إلى الحائط فلسعته حيّة أليس يوم الرب ظلمة لا نور ؟ بل هو ديجور لا ضياء له).
يقول "جينيبر": إنه يبدو من هذه العبارة أن اليهود ينتظرون يوم الرب ليحمل لهم انتصار شعب الله المختار على الأمم الأخرى التي قد دانت لهم بالخضوع . لكن يتضح من الآية أن يوم الرب سوف يمتاز بانتصار العدالة الإلهية التي سيرتعد منها الشعب الإسرائيلي نفسه رعبًا بسبب ما اقترفه من جرائم وآثام.
فـ "يوم الرب" بالمعنى الذي جاء وصفه لدى الأنبياء, يعنى التهديد والوعيد والانتقام من العصاة وفي مقدمتهم الشعب الإسرائيلي نفسه, هذا اليوم كان موضع تهكم وسخرية من الكثيرين, وكانوا يرون أنه بعيد جدًا ولذلك أطلقوا عليه لتأكيد هذا البعد (آخرة الأيام/آخر الأيام), وهو يوم لم تذكر التوراة عنه شيئًا.
وكان اليهود يسخرون من أخبار هذا اليوم مما جعل الرب يخاطبهم بقوله :
(ياابن آدم...لأني أنا الرب أتكلم، والكلمة التي أقضي بها تتمّ، من غير مماطلة، بل ها أنا أنطق بقضائي في أيامكم أيّها الشعب المتمرِّد وأُنفّذه في حينه، يقول السيد الرب).
ومع ذلك يرتب اليهود سيناريوهات الحرب الأخيرة بناء على ما يُعِدُّونها إرهاصات وردت في مواضع عدّة في "العهد القديم".
فبعد أن يعيد الرب اليهود إلى إسرائيل (من الشتات), وهو ما تحقق في العصر الراهن – سوف يجعل الرب شعوب الشمال, التي تفسّر بفارس/إيران, - التي على وشك تطوير سلاح نووي, قادر على الوصول لأوربا, وبالتأكيد إلى إسرائيل – تخوض حربًا تستمر لزمن طويل, قد يصل لأكثر من عام, تسيطر خلالها جيوش أجنبية على منطقة إسرائيل!, وكما يقول المتكهنون : هاهى قوات فارس موجودة في الشمال؛ يقصد بذلك "حزب الله" في جنوب لبنان, وبحوزته آلاف الصواريخ – فمن الشمال يأتي الخراب, طبقًا لنبوءة النبي "حزقيال", وفي القريب سيبدأ الهجوم.
ومن أسباب اندلاع حرب آخر الأيام ما ورد في "العهد القديم" :
"ها أنا مزمع أن أجعل أُورشليم كأس خمر تترنح منها جميع الشعوب المحيطة بها... ويتألب عليها جميع شعوب الأرض".
أي أن السبب الرئيس للصراع المرتقب – هو تمسّك إسرائيل بأورشليم.
معالم النهاية, كما جاءت في سفر دانيال:
"كل من كان اسمُه مدوّنًا في الكتاب من شعبك ينجو في ذلك الزمان. ويستيقظ كثيرون من الأموات المدفونين في تراب الأرض، بعضهم ليثابوا بالحياة الأبدية وبعضهم ليساموا ذلّ العار والازدراء إلى الأبد. ويضيء الحكماء (أي شعب الله) كضياء الجلد".
والمقصود بالحكماء, في الآيات السابقة هم المؤمنون من بني إسرائيل آنذاك, قديمًا, في زمن موسى, عليه السلام, وبعده, قبل نزول رسالة عيسى عليه السلام.
متى تنتهي أحداث النهاية ؟
الإجابة التي وردت في سفر دانيال؛ تشير إلى أن :
"هذه العجائب تنقضي بعد ثلاث سنوات ونصف، حين يتم تشتيت قوّة الشعب المقدس.
فسمعت ما قاله ولكنني لم أفهم، فسألت:
ياسيدي ما هي آخر هذه؟
فأجاب: اذهب يا دانيال لأن الكلمات مكتومة ومختومة إلى وقت النهاية. كثيرون يتطهّرون ويتنقون ويمحصون بالتجارب، أما الأشرار فيرتكبون شرًا ولا يفهمون. إنما ذوو الفطْنة يدركون.
أَما الفترة ما بين إزالة المحرقة الدائمة وإقامة رجس المُخرب، فهي أَلف ومئتان وتسعون يومًا. فطوبى لمن ينتظر حتى يبلغ إلى الألف والثّلاث مئة والخمسة والثّلاثين يومًا. وأما أنت فاذهب إلى آخرتك فتستريح، ثم تقوم في نهاية الأيام لتثاب بما قسم لك».
وهذه الأرقام المذكورة في الآيات الأخيرة هى التي جعلت اليهود على مرّ العصور يخمنون موعدًا للنهاية أو ليوم القيامة. وحددوا تواريخ عدة لهذا اليوم وباءت جميعها بالخسران المبين, آخرها كان عام (2012), ولم تتحقق النبوءة بالطبع.
وما يؤكد غيب هذا اليوم عن المعرفة هو ما يفهم من عبارة واردة في الآية التي أمامنا؛ وهى :
"لأن الكلمات مكتومة ومختومة إلى وقت النهاية"
فكلمة "مكتومة" فيها إشارة إلى أن موعد هذه الأحداث هو سرّ مكتوم غير مباح, أي في علم الغيب, وكلمة "مختوم" أي أنه لا يزال هذا الختم إلا حين يريد الرب ويأذن بالبوح بهذا الغيب, وهذا ما نفهمه من العبارة المذكورة.
د. سامي الإمام
أستاذ اللغة العبرية والديانة اليهودية
كلية اللغات والترجمة/جامعة الأزهر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق