************************
يعقوب يصارع ملاك الرب فيصبح إسرائيل !!
وُصف يعقوب, في التوراة, بأنه رجل هادئ يقيم في الخيام, وعلى الرغم من ذلك نجد الآيات التي تتناول سيرته تلفها الأحزان والآلام, والصراعات داخل بيته وبيئته, وكان الهدوء والاستقرار بعيدان عنه تمامًا.
ويستدل من ذلك أن كل ما يحدث للآباء هو بشارة لما سيحدث للأبناء؛ فحياة يعقوب, طبقًا للمصادر اليهودية, هى مؤشر لحياة شعب إسرائيل, نسل يعقوب!.
مرجع الحدث:
نقرأ عن حدث مصارعة يعقوب, عليه السلام, لإنسان, في باديء الأمر, وتغير اسمه :
"ثم قام (يعقوب) في تلك الليلة وصحب معه زوجتيه (ليئة وراحيل) وجاريتيه (زلفى وبلهة) وهما زوجتاه أيضًا , وأولاده الأَحد عشر (بالأحرى الاثنا عشر: رأوبين/شمعون/ليفي/يهودا/زبولون/يسْسَاكر/جاد/أشير/يوسف/بنيامين/دان/نفتالي). وعبر بهم مخاضة يبّوق، ولما أجازهم وكل ما له عبر الوادي، وبقي وحده، صارعه إنسان حتى مطلع الفجر. وعندما رأى أنه لم يتغلَّب على يعقوب، ضربه على حقّ فخذه، فانخلع مفصل فخذ يعقوب في مصارعته معه.
وقال له: أطلقني، فقد طلع الفجر.
فأجابه يعقوب: لا أُطلقك حتى تباركني.
فسألَه: ما اسمك؟ فأجاب: يعقوب.
فقال: لا يدعى اسمك في ما بعد يعقوب، بل إسرائيل (ومعناه: يجاهد مع الله)،
لأَنك جاهدت مع الله والناس وقدرت.
فسألَه يعقوب: أخبرني ما اسمك؟
فقال: لماذا تسأل عن اسمي؟ وباركه هناك.
ودعا يعقوب اسم المكان فنيئيل (ومعناه : وجه الله)
إذ قال (يعقوب) : لأني شاهدت الله وجهًا لوجه وبقيت حيًا.
وما إن عبر فنوئيل حتى أشرقت عليه الشمس فسار وهو عارج من فخذه لذلك يمتنع بنو إسرائيل عن أكل عرق النَّسا الذي على حقّ الفخذ إلى هذا اليوم، لأن الرجل ضرب حقّ فخذ يعقوب على عرق النَّسا.
" سفر التكوين/الإصحاح 32
تتحدث الآيات السابقة عن مواجهة بين يعقوب وإنسان, في باديء الأمر, وتشير الآية إلى أن هذا الإنسان لم يستطع التغلب على يعقوب, فضربه ضربة قوية على حقّ فخذه فأصيب مفصل فخذ يعقوب.
وهذا الإنسان يطلب من يعقوب أن يطلقه, حين طلوع الفجر!! على الرغم من أنه تغلب عليه بالضربة! فرفض يعقوب طلبه ما لم يباركه ؟!
وهنا يسأل الإنسان: ما اسمك؟ (وكأنه لا يعرف اسم يعقوب!)
فأجاب : يعقوب.
فأجاب : لا يدعى اسمك فيما بعد يعقوب, بل إسرائيل (ومعنى هذا الاسم: يجاهد/يصارع مع الله).
ويعلل سبب التسمية بأن يعقوب جاهد مع الله ومع الناس, وقدر وصمد في هذه المواجهة.
وجاء الدور على يعقوب فسأله: اخبرني عن اسمك؟ فرفض الإجابه واستنكر السؤال. ومع ذلك باركه. أما يعقوب فدعا المكان فنيئيل (وجه الله), وقال في سبب التسمية: إنه شاهد الله وجهًا لوجه, وبقي حيًا.
ويرى بعض نقاد الكتاب المقدس أن هذا الحدث نوع من المبادأة بالعدوان! يظهر تدريجيًا في حياة يعقوب, في إشارة إلى ما سيتعرض له بنو إسرائيل فيما بعد وعلى مرّ التاريخ ! وحينئذ سارع يعقوب ليقتنص كل فرصة, في إشارة أيضًا إلى أن إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي في أي صراع . كما يرى النقاد في طلب يعقوب البركة اكتشافه للحقيقة وهى أنه كان في صراع من الرب !
قصة غريبة كل الغرابة, وليس لها موضع, في رأي النقاد في غير الميثولوجيا البدائية, وهذا ليس كلامنا بالطبع, لأننا مهما يكن نتحدث عن نصّ عقائدي.
والسؤال: هل تساوي قوة إنسان قوة الإله الذي يعتقد فيه ؟!
ويعقوب هو في التوراة من الآباء, وليس من الأنبياء.
على كل حال هذه قصة حولها جدل شديد, ويرى بعض الباحثين, أنها قصة مختلقة, لإطلاق تسمية "إسرائيل" على النبي "يعقوب", بينما لا يرى هذا البعض أن يعقوب هو إسرائيل بل يرى أنهما ليسا شخصًا واحدًا, ويستدل – هذا الفريق - بأن القرآن الكريم لم يتحدث عن إسرائيل كنبي أبدًا, بل كرجل صالح, وأنه ليس من ذريّة إبراهيم, بدليل العطف في العبارة (ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل) يقتضي المغايرة. واستدلوا كذلك بأن إسرائيل حرّم على نفسه أنواعًا من الطعام لم يحرمها الله عليه وهو سلوك يتنافى مع سلوك الأنبياء, حتى أن الله تعالى عاتب سيدنا وسيد الخلق أجمعين محمدًا, "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" سورة التحريم.
فهل يعقل أن يطلق الله اسمي علم على شخص واحد ؟, وهو ما لم يحدث بالنسبة لأي نبي؟ وهذا حديث ليس موضعه هنا, لأنه يخصّ الأصول العقدية الإسلامية.
التحليل اللغوي للاسم إسرائيل:
تورد المعاجم العبرية أن الاسم يِسْرَائِيل (יִשְׂרָאֵל), الذ ي ينقسم إلى (يِسْرَا) , و(إيل), مشتق جزؤه الأول من الجذر (سَارَا) بمعنى : جَهَدَ, وصَرَعَ, قَدَرَ. وبالتالي ترتب على ذلك أن معنى جزئي الاسم مجتمعين هو : من جهد الإله/من تغلّب على الإله!.
وبصرف النظر عن عدم رضانا عن هذا المعنى الاصطلاحي فإننا نرى أن هذه الطريقة في الاشتقاق غير دقيقة, ونقترح الاشتقاق التالي:
لما كان تدوين التوراة قد تم بعد نزولها على موسى عليه السلام بحوالي 800 عام, ولما لم يكن هناك تنقيط دقيق للألفاظ فإننا نقترح أن يكون الجزء الأول من الاسم مشتق من شَارَا : שרה, بصوت الشين وليس السين, بمعنى: فتح, سمح. أو من ישר (ي.ش.ر) وهى جذر يشتق منه معاني الاستقامة والصلاح والتمام الأخلاقي, وليس في معاني الجذر (י.ש.ר : ي. س/ش. ر) معاني "عبد" بالمرة!
وعلى ذلك يكون معنى جزئي الاسم يَشَارئيل, ويمكن لغويًا أيضًا يَسَارئيل: فالأولى تعني (من استقام مع الرب/من كان صالحًا مع الرب), والثانية تعني (من تيسر له طريق الرب), وأيضًا (مُطِيعُ الله). كما يسمى البعض (موفق الدين).
وهذه المعاني هى التي تنسجم مع دور (إسرائيل) في التراث اليهودي, وكذلك في التراث الإسلامي؛ حيث هو في التراث اليهودي أحد الآباء, وليس أحد الأنبياء. وفي التراث الإسلامي هو أحد الأنبياء, وأحد الصالحين, في قول !!.
بقلم : أ.د/سامي الإمام.
أستاذ الديانة اليهودية/كلية اللغات والترجمة/جامعة الأزهــــــــر.
يعقوب يصارع ملاك الرب فيصبح إسرائيل !!
وُصف يعقوب, في التوراة, بأنه رجل هادئ يقيم في الخيام, وعلى الرغم من ذلك نجد الآيات التي تتناول سيرته تلفها الأحزان والآلام, والصراعات داخل بيته وبيئته, وكان الهدوء والاستقرار بعيدان عنه تمامًا.
ويستدل من ذلك أن كل ما يحدث للآباء هو بشارة لما سيحدث للأبناء؛ فحياة يعقوب, طبقًا للمصادر اليهودية, هى مؤشر لحياة شعب إسرائيل, نسل يعقوب!.
مرجع الحدث:
نقرأ عن حدث مصارعة يعقوب, عليه السلام, لإنسان, في باديء الأمر, وتغير اسمه :
"ثم قام (يعقوب) في تلك الليلة وصحب معه زوجتيه (ليئة وراحيل) وجاريتيه (زلفى وبلهة) وهما زوجتاه أيضًا , وأولاده الأَحد عشر (بالأحرى الاثنا عشر: رأوبين/شمعون/ليفي/يهودا/زبولون/يسْسَاكر/جاد/أشير/يوسف/بنيامين/دان/نفتالي). وعبر بهم مخاضة يبّوق، ولما أجازهم وكل ما له عبر الوادي، وبقي وحده، صارعه إنسان حتى مطلع الفجر. وعندما رأى أنه لم يتغلَّب على يعقوب، ضربه على حقّ فخذه، فانخلع مفصل فخذ يعقوب في مصارعته معه.
وقال له: أطلقني، فقد طلع الفجر.
فأجابه يعقوب: لا أُطلقك حتى تباركني.
فسألَه: ما اسمك؟ فأجاب: يعقوب.
فقال: لا يدعى اسمك في ما بعد يعقوب، بل إسرائيل (ومعناه: يجاهد مع الله)،
لأَنك جاهدت مع الله والناس وقدرت.
فسألَه يعقوب: أخبرني ما اسمك؟
فقال: لماذا تسأل عن اسمي؟ وباركه هناك.
ودعا يعقوب اسم المكان فنيئيل (ومعناه : وجه الله)
إذ قال (يعقوب) : لأني شاهدت الله وجهًا لوجه وبقيت حيًا.
وما إن عبر فنوئيل حتى أشرقت عليه الشمس فسار وهو عارج من فخذه لذلك يمتنع بنو إسرائيل عن أكل عرق النَّسا الذي على حقّ الفخذ إلى هذا اليوم، لأن الرجل ضرب حقّ فخذ يعقوب على عرق النَّسا.
" سفر التكوين/الإصحاح 32
تتحدث الآيات السابقة عن مواجهة بين يعقوب وإنسان, في باديء الأمر, وتشير الآية إلى أن هذا الإنسان لم يستطع التغلب على يعقوب, فضربه ضربة قوية على حقّ فخذه فأصيب مفصل فخذ يعقوب.
وهذا الإنسان يطلب من يعقوب أن يطلقه, حين طلوع الفجر!! على الرغم من أنه تغلب عليه بالضربة! فرفض يعقوب طلبه ما لم يباركه ؟!
وهنا يسأل الإنسان: ما اسمك؟ (وكأنه لا يعرف اسم يعقوب!)
فأجاب : يعقوب.
فأجاب : لا يدعى اسمك فيما بعد يعقوب, بل إسرائيل (ومعنى هذا الاسم: يجاهد/يصارع مع الله).
ويعلل سبب التسمية بأن يعقوب جاهد مع الله ومع الناس, وقدر وصمد في هذه المواجهة.
وجاء الدور على يعقوب فسأله: اخبرني عن اسمك؟ فرفض الإجابه واستنكر السؤال. ومع ذلك باركه. أما يعقوب فدعا المكان فنيئيل (وجه الله), وقال في سبب التسمية: إنه شاهد الله وجهًا لوجه, وبقي حيًا.
ويرى بعض نقاد الكتاب المقدس أن هذا الحدث نوع من المبادأة بالعدوان! يظهر تدريجيًا في حياة يعقوب, في إشارة إلى ما سيتعرض له بنو إسرائيل فيما بعد وعلى مرّ التاريخ ! وحينئذ سارع يعقوب ليقتنص كل فرصة, في إشارة أيضًا إلى أن إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي في أي صراع . كما يرى النقاد في طلب يعقوب البركة اكتشافه للحقيقة وهى أنه كان في صراع من الرب !
قصة غريبة كل الغرابة, وليس لها موضع, في رأي النقاد في غير الميثولوجيا البدائية, وهذا ليس كلامنا بالطبع, لأننا مهما يكن نتحدث عن نصّ عقائدي.
والسؤال: هل تساوي قوة إنسان قوة الإله الذي يعتقد فيه ؟!
ويعقوب هو في التوراة من الآباء, وليس من الأنبياء.
على كل حال هذه قصة حولها جدل شديد, ويرى بعض الباحثين, أنها قصة مختلقة, لإطلاق تسمية "إسرائيل" على النبي "يعقوب", بينما لا يرى هذا البعض أن يعقوب هو إسرائيل بل يرى أنهما ليسا شخصًا واحدًا, ويستدل – هذا الفريق - بأن القرآن الكريم لم يتحدث عن إسرائيل كنبي أبدًا, بل كرجل صالح, وأنه ليس من ذريّة إبراهيم, بدليل العطف في العبارة (ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل) يقتضي المغايرة. واستدلوا كذلك بأن إسرائيل حرّم على نفسه أنواعًا من الطعام لم يحرمها الله عليه وهو سلوك يتنافى مع سلوك الأنبياء, حتى أن الله تعالى عاتب سيدنا وسيد الخلق أجمعين محمدًا, "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" سورة التحريم.
فهل يعقل أن يطلق الله اسمي علم على شخص واحد ؟, وهو ما لم يحدث بالنسبة لأي نبي؟ وهذا حديث ليس موضعه هنا, لأنه يخصّ الأصول العقدية الإسلامية.
التحليل اللغوي للاسم إسرائيل:
تورد المعاجم العبرية أن الاسم يِسْرَائِيل (יִשְׂרָאֵל), الذ ي ينقسم إلى (يِسْرَا) , و(إيل), مشتق جزؤه الأول من الجذر (سَارَا) بمعنى : جَهَدَ, وصَرَعَ, قَدَرَ. وبالتالي ترتب على ذلك أن معنى جزئي الاسم مجتمعين هو : من جهد الإله/من تغلّب على الإله!.
وبصرف النظر عن عدم رضانا عن هذا المعنى الاصطلاحي فإننا نرى أن هذه الطريقة في الاشتقاق غير دقيقة, ونقترح الاشتقاق التالي:
لما كان تدوين التوراة قد تم بعد نزولها على موسى عليه السلام بحوالي 800 عام, ولما لم يكن هناك تنقيط دقيق للألفاظ فإننا نقترح أن يكون الجزء الأول من الاسم مشتق من شَارَا : שרה, بصوت الشين وليس السين, بمعنى: فتح, سمح. أو من ישר (ي.ش.ر) وهى جذر يشتق منه معاني الاستقامة والصلاح والتمام الأخلاقي, وليس في معاني الجذر (י.ש.ר : ي. س/ش. ر) معاني "عبد" بالمرة!
وعلى ذلك يكون معنى جزئي الاسم يَشَارئيل, ويمكن لغويًا أيضًا يَسَارئيل: فالأولى تعني (من استقام مع الرب/من كان صالحًا مع الرب), والثانية تعني (من تيسر له طريق الرب), وأيضًا (مُطِيعُ الله). كما يسمى البعض (موفق الدين).
وهذه المعاني هى التي تنسجم مع دور (إسرائيل) في التراث اليهودي, وكذلك في التراث الإسلامي؛ حيث هو في التراث اليهودي أحد الآباء, وليس أحد الأنبياء. وفي التراث الإسلامي هو أحد الأنبياء, وأحد الصالحين, في قول !!.
بقلم : أ.د/سامي الإمام.
أستاذ الديانة اليهودية/كلية اللغات والترجمة/جامعة الأزهــــــــر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق