*************************************
ذكرت في المنشور السابق عن هذا الموضوع: هل كان تيه بني إسرائيل في الصحراء عقابي, معنوي؟ أم كان فقدانًا للطريق باتجاه الأرض المقدّسة؟ وإذا كان تيهًا بمفهوم فقدان بوصلة السير في الاتجاه الصحيح فكيف وصلوا؟ وإذا كان تيهًا عقابيًا فما معناه وما دلائله وما أثره في هذه الجماعة؟أبدأ باسم الله الرحمن الرحيم – ثم أقول:كانت طبيعة بني إسرائيل منذ ظهروا على مسرح الأحداث, هى التذمّر والشكوى وعدم الرضا بأي شيء! ومخالفة وصايا الرب وأوامره, ليس هذا وحسب بل والتعدّي على مقامه وعلى أنبيائه ورسله. ومما ذكرته مصادرهم المقدّسة عنهم, ويؤصل لسلوكهم المتصلّب عبر تاريخهم الطويل:
* شعب عاص وكعقارب! فهذا كلام الله على لسان نبيهم "حزقيال", يصفهم ويحذرهم وحتى لا يرجو منهم استجابه فيقول لنبيّه, مؤكدًا أنهم سيكونون حسكًا وشوكًا, وعصاة ومتصلبين قساة, بل عقارب سامة:
(ها أَنا باعثُك إِلى بني إسرائيل، إلى أُمّةٍ مُتمرّدةٍ عَصَتني، إذْ تعدّوا عليّ إلى هذا اليوم. أنا باعثُك إلى الأبناء المتصلّبين القساة، فتقول لهم: هذا ما يعلنه الرب. وسواءً أسمعوا، أم أبوا لأنّهم شعب عاصٍ فإنّهم يعلمون على الأَقل أَن نبيّا بينهم. أمّا أنت، فلا ترهبهم ولا تخش كلامهم، وإن كانوا لك حسكًا وشوكًا. وأنت ساكن بين عقارب، فلا ترهب كلامهم، ولا تفزع من محضرهم لأنّهم شعب متمرّد. إنما عليك أن تُبَلّغهم كلامي سواء سمعوا أو أبوا، لأنّهم شعب متمرّد). (سفر حزقيال/الإصحاح الثان)
• شعبًا غبيًا غير حكيم, لذا نجد موسى يأمر بوضع التوراة بجوار التابوت لتشهد عليهم:
(وَعِنْدَمَا أَتَمَّ مُوسَى تَدْوِينَ نُصُوصِ هَذِهِ التَّوْرَاةِ كَامِلَةً فِي كِتَابٍ، 25أَمَرَ اللاَّوِيِّينَ حَامِلِي تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ قَائِلاً: 26«خُذُوا كِتَابَ التَّوْرَاةِ هَذَا وَضَعُوهُ إِلَى جِوَارِ تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ إِلَهِكُمْ، لِيَكُونَ هُنَاكَ شَاهِداً عَلَيْكُمْ، 27 لأَنِّي أَعْرِفُ تَمَرُّدَكُمْ ورقابكم الصلبة/وَقَسَاوَةَ قُلُوبِكُمْ. إِذْ وَأَنَا مَازِلْتُ حَيّاً مَعَكُمُ الْيَوْمَ أَخَذْتُمْ فِي مُقَاوَمَةِ الرَّبِّ. فَكَمْ بِالأَحْرَى تَتَمَرَّدُونَ بَعْدَ مَوْتِي؟) سفر التثنية 31/27,
وفي التكملة يا شعبًا غبيًا غير حكيم !!!
• ووصفوا بأنهم (كأتان شهوانية)
غرسْتُكِ كَكَرْمَةٍ مُخْتَارَةٍ، وَمِنْ بُذُورٍ سَلِيمَةٍ كَامِلَةٍ، فَكَيْفَ تَحَوَّلْتِ إِلَى كَرْمَةٍ فَاسِدَةٍ غَرِيبَةٍ؟ . . . 24أَنْتِ أَتَانُ فَرَا اعْتَادَتْ حَيَاةَ الْقَفْرِ، تَتَنَسَّمُ فِي شَهْوَتِهَا الْهَوَاءَ لَعَلَّهَا تَظْفَرُ بِرَائِحَةِ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ. . . 26وَكَمَا يَعْتَرِي الْخِزْيُ السَّارِقَ حِينَ يُقْبَضُ عَلَيْهِ، كَذَلِكَ اعْتَرَى الْخِزْيُ بَيْتَ يَعْقُوبَ: هُمْ وَمُلُوكَهُمْ، وَرُؤَسَاءَهُمْ، وَكَهَنَتَهُمْ وَأَنْبِيَاءَهُمْ. 27إِذْ قَالُوا لِنُصُبِ الْخَشَبِ: أَنْتَ أَبِي، وَلِلْحَجَرِ الْمَنْحُوتِ صَنَماً: أَنْتَ أَنْجَبْتَنِي. وَوَلَّوْا أَدْبَارَهُمْ وَلَيْسَ وُجُوهَهُمْ نَحْوِي) (سفر أرميا/الإصحاح الثاني)
• فرض الرب عليهم أكل الخبز مخبوزًا على براز الإنسان! – تاديبًا لهم!
ولما لم تكفّ الجماعة العاصية عن ارتكاب المعاصي والآثام فقد أمر الرب نبيّه حزقيال بتحضير طعام معين تشوبه النجاسة وهو إشارة إلى ما سيواجهه بنو إسرائيل في المستقبل إن هم استمروا على أفعالهم التي لا يرضى عنها الله :
(وَتَأْكُلُهُ كَكَعْكِ الشَّعِيرِ، بَعْدَ أَنْ تَخْبِزَهُ عَلَى مَشْهَدٍ مِنْهُمْ فَوْقَ بِرَازِ الإِنْسَانِ. لأَنَّهُ هَكَذَا سَيَأْكُلُ أَبْنَاءُ إِسْرَائِيلَ خُبْزَهُمُ النَّجِسَ بَيْنَ الأُمَمِ الَّذِينَ أُجْلِيهِمْ إِلَيْهِمْ).
قَالَ الرب لنبيِّه حزقيال :
(انْظُرْ هَا أَنَا أُعْطِيكَ بَعْرَ الْبَقَرِ لِتَسْتَعِيضَ بِهِ عَنْ بِرَازِ الإِنْسَانِ لِتَصْنَعَ عَلَيْهِ خُبْزَكَ. يَاابْنَ آدَمَ، هَا أَنَا أَبِيدُ مَؤُونَةَ الْخُبْزِ فِي أُورُشَلِيمَ، فَيَأْكُلُونَ الْخُبْزَ بِالْوَزْنِ مَعْجُوناً بِالْغَمِّ، وَيَشْرَبُونَ الْمَاءَ بِالْكَيْلِ مَمْزُوجاً بِالْحَيْرَةِ. إِذْ يُعْوِزُهُمُ الْخُبْزُ وَالْمَاءُ، وَيَلْجَأُ الْوَاحِدُ إِلَى أَخِيهِ وَقَدِ اعْتَرَتْهُمُ الْحَيْرَةُ فَيَفْنَوْنَ جَمِيعاً بِإِثْمِهِمْ).
• وصفوا بأنهم أضلّ من الثيران والحمير؛ فجاء (الثّور يعرف قانيه، والحمارُ معلف صاحبه، أما إسرائيل فلا يعرف!
الرب يتكلم: "ربيت أبناء وأنشأْتهم ولكنهم تمرّدوا علي. الثّور يعرف قانيه، والحمارُ معلف صاحبه، أما إسرائيل فلا يعرف، وشعبي لا يدرك. ويل للأُمة الخاطئة، الشعب المثقل بالإثم، ذرية مرتكبي الشر، أبناء الفساد. لقد تركوا الرب واستهانوا بقُدوس إسرائيل وداروا على أعقابهم. على أي موضع أضربكم بعد؟ لماذا تواظبون على التمرد؟ إن الرأس بجملته سقيم والقلب بكامله مريض" أشعيا 1 : 2 – 5.
• ويُصْغُونَ إِلَى كَلاَمِ الرب وَلاَ يَعْمَلُونَ بِهِ: إِنَّهُمْ يُعْرِبُونَ عَنْ أَشْوَاقِهِمْ بِكَلاَمِهِمْ، أَمَّا قَلْبُهُمْ فَقَدْ غَوَى وَرَاءَ مَكْسَبِهِمْ. 32وَهَا أَنْتَ لَهُمْ كَقَصِيدَةِ حُبٍّ يَتَغَنَّى بِهَا ذُو صَوْتٍ عَذْبٍ، يُحْسِنُ الْعَزْفَ، فَيُصْغُونَ إِلَى كَلاَمِكَ وَلاَ يَعْمَلُونَ بِهِ. 33وَإِذَا تَحَقَّقَ هَذَا، وَهُوَ لاَبُدَّ أَنْ يَتِمَّ، يُدْرِكُونَ أَنَّ نَبِيّاً كَانَ بَيْنَهُمْ). (حزقيال 33 : 30- 33)
جدير بالذكر أن بعض مما أوردناه سابقًا للتدليل على طبيعة بني إسرائيل لاحق على حقبة التيه, لكنه يدل على عدم انصلاح أحوال القوم وان الله حينما عاقبهم بالتيه كان ذلك مجرد حلقة في سلسلة من المعاصي المتتالية والتي لن تنتهي بغير انتهاء وجودهم على سطح الأرض!
(وَهُنَاكَ فِي الصَّحْرَاءِ تَذَمَّرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى مُوسَى وَهَرُونَ، وَقَالُوا لَهُمَا: لَيْتَ الرَّبَّ أَمَاتَنَا فِي أَرْضِ مِصْرَ، فَهُنَاكَ كُنَّا نَجْلِسُ حَوْلَ قُدُورِ اللَّحْمِ نَأْكُلُ خُبْزاً حَتَّى الشَّبْعِ. وَهَا أَنْتُمَا قَدْ أَخْرَجْتُمَانَا إِلَى هَذِهِ الصَّحْرَاءِ لِتُمِيتَا كُلَّ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ جوعًا).
يقرّون بأنفسهم وبألسنتهم بأنهم كانوا متخمين من أكل الطعام في مصر يأكلون لحمًا وخبزًا حتى الشبع, وهو ما ينفي أنهم كانوا مضطهدين طيلة حقبة مكوثهم بمصر التي امتدّت حوالي 400 سنة.
لماذا التيه (بحسب التوراة)
*********************
يرجع السبب الرئيسي لتيه بني إسرائيل (في التوراة) إلى ما يعرف فيها رحلة الجواسيس لتقصّى الأرض ومعرفة أخبارها تمهيدًا لدخولها كما أمر الرب, وقد مكثوا فيها 40 يومًا, حين أرسلهم موسى عليه السلام لهذه المهمة.
تخاذل الجواسيس
***********
جاء بالتوراة عن تخاذل الجواسيس (وَلَكِنَّ كَالِبَ هَدَّأَ رَوْعَ الشَّعْبِ الْمَاثِلِ أَمَامَ مُوسَى وَقَالَ: «لِنَمْضِ وَنَمْتَلِكِ الأَرْضَ لأَنَّنَا قَادِرُونَ حَقّاً عَلَى ذَلِكَ». 31فَعَارَضَهُ الرِّجَالُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ وَقَالُوا: «لاَ نَقْدِرُ أَنْ نُقَاوِمَ سُكَّانَهَا لأَنَّهُمْ أَقْوَى مِنَّا». 32وَبِذَلِكَ أَشَاعُوا الذُّعْرَ بَيْنَ الإِسْرَائِيلِيِّينَ مِنَ الْبِلاَدِ الَّتِي تَجَسَّسُوهَا قَائِلِينَ: «سَتَفْتَرِسُنَا الأَرْضُ الَّتِي تَجَسَّسْنَاهَا، وَجَمِيعُ مَنْ شَاهَدْنَاهُمْ مِنْ سُكَّانِهَا عَمَالِقَةٌ. 33فَقَدْ رَأَيْنَا هُنَاكَ الْجَبَابِرَةَ بَنِي عَنَاقَ، فَبَدَوْنَا فِي أَعْيُنِ أَنْفُسِنَا كَالْجَرَادِ، وَكَذَلِكَ كُنَّا فِي عُيُونِهِمْ). (سفر العدد 13 : 30 – 33)
المتذمّرون يطالبون موسى بالعودة إلى مصر!
*************************************
فَرَفَعَ الشَّعْبُ كُلُّهُ صَوْتَهُ وَبَكَى فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، 2وَتَذَمَّرَ عَلَى مُوسَى وَهَرُونَ، وَقَالُوا: «لَيْتَنَا مُتْنَا فِي دِيَارِ مِصْرَ، أَوْ لَيْتَنَا مُتْنَا فِي الصَّحْرَاءِ. 3لِمَاذَا أَحْضَرَنَا الرَّبُّ إِلَى هَذِهِ الأَرْضِ لِنَهْلِكَ بِحَدِّ السَّيْفِ، وَتُؤْخَذَ نِسَاؤُنَا وَأَطْفَالُنَا سَبَايَا؟ أَلَيْسَ مِنَ الأَفْضَلِ لَنَا أَنْ نَرْجِعَ إِلَى مِصْرَ؟» 4وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «لِنَنْتَخِبْ لَنَا قَائِداً وَنَرْجِعْ إِلَى مِصْرَ».
يتبع للأهمية
د. سامي الإمام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق