*******************************************
جاءت قصة قتل قايين لأخيه هابل, في التوراة, ومن بين أحداث القصة جعلْ الرب علامة لقايين بعد ارتكابه جريمة قتل أخيه هابل, كي لا يتعرّض له أحد ويقتله.
نقرأ في ذلك:
تك 4 : 13 - 16
" فقال قايين للرب: عقوبتي أعظم من أن تحتمل. ها أنت اليوم قد طردتني عن وجه الأرض، ومن أمام حضرتك أختفي، وأكون شريدًا طريدًا في الأرض، ويقتلني كل من يجدني. فقال الرب له: «سأعاقب كل من يقتلك بسبعة أضعاف العقوبة التي عاقبتك بها. ووسم الرب قايين بعلامة تحظر على من يلقاه اغتياله".
جاء بالتفاسير اليهودية آراء عدَّة في معنى العلامة, أحدها أن العلامة لم تكن على جبهته أو على وجهه, بل معنى العلامة أن الرب يكون معه يعلمه أي الطرق يسلك فكان الرب معه كمرشد يبعده عمَّا يمكن أن يتعرض له بأذى, وبذلك لا يحدث له مكروه. وقيل إنه قيَّد له مخلوقًا لحمايته, كان كلبًا يسير أمامه, بأمر الرب يختار له طريق الأمان. وقيل إن العلامة كانت في قلبه, أي ما جعل قلبه قويًا لا يهاب أحدًا, كما وضع خشيته في قلوب الآخرين فكل من كان يشاهده يقع في قلبه رعب منه سواء من بني البشر أو الحيوانات, وكانت هذه هى العلامة. يقول الفيلسوف اليهودي والمفسِّر "راشي" إن العلامة كانت حرفًا من اسم الرب طُبع على جبهته, وأن الخوف إنما كان من وحوش البريَّة, حيث لم يكن هناك بشر يخشى منهم, لأن الذين كانوا موجودين هم عائئلته وأقاربه. وفسِّر خوف البشر منه مع وجود العلامة لأنه كان عصى الرب بقتله أخيه فلو لم تكن العلامة لقتلته الوحوش البريَّة وهو ما يعطي انطباعًا بأن الوحوش كانت تعرف الشخص العاصي! لكن علامة اسم الرب ستجعلهم يخشون من الاقتراب منه, ولن يؤذوه. وأمّا الفقيه موسى ابن نحمان فيرى أن العلامة كانت سمة في وجهه, أو وسيلة ما, يمكنه السير بإرشادها, فلا يصيبه مكروه.
وذهب أصحاب الأجادا (الحكايات/الأساطير) لتفسير العلامة, بالعبرية (אות) التي تعني (حرف) أيضًا, إلى أن المقصود بالعلامة هو عمل وشمٍ على صورة أحد حروف أبجدية العبرية الاثنين والعشرين, التي هى أبجدية كتابة التوراة, على أحد ذراعيه, أو على جبهته. بينما ذهب غيرهم إلى أن العلامة كانت عبارة عن تعرّجات جلدية شبيهة بما تصنعه بعض الأمراض, على جبهته.
هذه العلامات التي أمر بها الرب لتكون إشارة في حالات معينة هى التي اتخذت حجة لشيوع الوشوم في اليهودية, على الرغم من ورود تحريم عمل الوشم في نصّ التوراة:
"وكتابة وسم لا تجعلوه فيكم".
وجاء عن الوسم بالقرآن الكريم الآية (سنسمه على الخرطوم), قال ابن عباس:
معنى سنسمه سنخطمه بالسيف. قال: وقد خطم الذي نزلت فيه يوم بدر بالسيف; فلم يزل مخطومًا إلى أن مات. وقال قتادة: سنسمه يوم القيامة على أنفه سمة يعرف بها; يقال: وسمته وسمًا وسِمَة إذا أثرت فيه بسمة وكيّ. وقد قال تعالى: يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فهذه علامة/سمة ظاهرة. وقال تعالى: ونحشر المجرمين يومئذ زرقًا وهذه علامة أخرى ظاهرة. فأفادت هذه الآية علامة ثالثة وهي الوسم على الأنف بالنار; وهذا كقوله تعالى: يُعرف المجرمون بسيماهم قاله الكلبي وغيره. وقال أبو العالية ومجاهد: سنسمه على الخرطوم أي على أنفه، ونسوّد وجهه في الآخرة فيعرف بسواد وجهه.
والخرطوم: الأنف من الإنسان. ومن السباع: موضع الشفة.
وخراطيم القوم: ساداتهم. قال الفراء: وإن كان الخرطوم قد خص بالسمة فإنه في معنى الوجه; لأن بعض الشيء يعبر به عن الكل. وقال الطبري: نبين أمره تبيانا واضحًا حتى يعرفوه فلا يخفى عليهم كما لا تخفى السمة على الخراطيم. وقيل: المعنى سنلحق به عارًا وسبّة حتى يكون كمن وسم على أنفه. قال القتبي: تقول العرب للرجل يسب سبة سوء قبيحة باقية: قد وسم ميسم سوء; أي ألصق به عار لا يفارقه ; كما أن السمة لا يمحى أثرها. قال جرير :
لما وضعت على الفرزدق ميسمي *** وعلى البعيث جدعت أنف الأخطل
أراد به الهجاء. قال: وهذا كله نزل في الوليد بن المغيرة. ولا نعلم أن الله تعالى بلغ من ذكر عيوب أحد ما بلغه منه; فألحقه به عارًا لا يفارقه في الدنيا والآخرة; كالوسم على الخرطوم . وقيل : هو ما ابتلاه الله به في الدنيا في نفسه وماله وأهله من سوء وذل وصغار ; قاله ابن بحر . واستشهد بقول الأعشى :
فدعها وما يغنيك واعمد لغيرها بشعرك واعلب أنف من أنت واسم
وقال النضر بن شميل: المعنى سنحده على شرب الخمر،
والخرطوم: الخمر، وجمعه خراطيم، قال الشاعر :
تظل يومك في لهو وفي طرب *** وأنت بالليل شرّاب الخراطيم
قال الراجز العجاج : صهباء خرطومًا عقارًا قرقفًا وقال آخر :
أبا حاضر من يزن يعرف زناؤه *** ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكرًا
قال ابن العربي: كان الوسم في الوجه لذي المعصية قديما عند الناس، حتى إنه روي - كما تقدم - أن اليهود لما أهملوا رجم الزاني اعتاضوا منه بالضرب وتحميم الوجه.
ومن الوسم الصحيح في الوجه: ما رأى العلماء من تسويد وجه شاهد الزور علامة على قبح المعصية وتشديدًا لمن يتعاطاها لغيره ممن يرجى تجنبه بما يرجى من عقوبة شاهد الزور وشهرته ; فقد كان عزيزًا بقول الحق وقد صار مهينًا بالمعصية. وأعظم الإهانة إهانة الوجه. وكذلك كانت الاستهانة به في طاعة الله سببا لخيرة الأبد والتحريم له على النار; فإن الله تعالى قد حرم على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود; حسب ما ثبت في الصحيح .
د. سامي الإمام
أستاذ الديانة اليهوديَّة
كلية اللغات والترجمة/جامعة الأزهر
جاءت قصة قتل قايين لأخيه هابل, في التوراة, ومن بين أحداث القصة جعلْ الرب علامة لقايين بعد ارتكابه جريمة قتل أخيه هابل, كي لا يتعرّض له أحد ويقتله.
نقرأ في ذلك:
تك 4 : 13 - 16
" فقال قايين للرب: عقوبتي أعظم من أن تحتمل. ها أنت اليوم قد طردتني عن وجه الأرض، ومن أمام حضرتك أختفي، وأكون شريدًا طريدًا في الأرض، ويقتلني كل من يجدني. فقال الرب له: «سأعاقب كل من يقتلك بسبعة أضعاف العقوبة التي عاقبتك بها. ووسم الرب قايين بعلامة تحظر على من يلقاه اغتياله".
جاء بالتفاسير اليهودية آراء عدَّة في معنى العلامة, أحدها أن العلامة لم تكن على جبهته أو على وجهه, بل معنى العلامة أن الرب يكون معه يعلمه أي الطرق يسلك فكان الرب معه كمرشد يبعده عمَّا يمكن أن يتعرض له بأذى, وبذلك لا يحدث له مكروه. وقيل إنه قيَّد له مخلوقًا لحمايته, كان كلبًا يسير أمامه, بأمر الرب يختار له طريق الأمان. وقيل إن العلامة كانت في قلبه, أي ما جعل قلبه قويًا لا يهاب أحدًا, كما وضع خشيته في قلوب الآخرين فكل من كان يشاهده يقع في قلبه رعب منه سواء من بني البشر أو الحيوانات, وكانت هذه هى العلامة. يقول الفيلسوف اليهودي والمفسِّر "راشي" إن العلامة كانت حرفًا من اسم الرب طُبع على جبهته, وأن الخوف إنما كان من وحوش البريَّة, حيث لم يكن هناك بشر يخشى منهم, لأن الذين كانوا موجودين هم عائئلته وأقاربه. وفسِّر خوف البشر منه مع وجود العلامة لأنه كان عصى الرب بقتله أخيه فلو لم تكن العلامة لقتلته الوحوش البريَّة وهو ما يعطي انطباعًا بأن الوحوش كانت تعرف الشخص العاصي! لكن علامة اسم الرب ستجعلهم يخشون من الاقتراب منه, ولن يؤذوه. وأمّا الفقيه موسى ابن نحمان فيرى أن العلامة كانت سمة في وجهه, أو وسيلة ما, يمكنه السير بإرشادها, فلا يصيبه مكروه.
وذهب أصحاب الأجادا (الحكايات/الأساطير) لتفسير العلامة, بالعبرية (אות) التي تعني (حرف) أيضًا, إلى أن المقصود بالعلامة هو عمل وشمٍ على صورة أحد حروف أبجدية العبرية الاثنين والعشرين, التي هى أبجدية كتابة التوراة, على أحد ذراعيه, أو على جبهته. بينما ذهب غيرهم إلى أن العلامة كانت عبارة عن تعرّجات جلدية شبيهة بما تصنعه بعض الأمراض, على جبهته.
هذه العلامات التي أمر بها الرب لتكون إشارة في حالات معينة هى التي اتخذت حجة لشيوع الوشوم في اليهودية, على الرغم من ورود تحريم عمل الوشم في نصّ التوراة:
"وكتابة وسم لا تجعلوه فيكم".
وجاء عن الوسم بالقرآن الكريم الآية (سنسمه على الخرطوم), قال ابن عباس:
معنى سنسمه سنخطمه بالسيف. قال: وقد خطم الذي نزلت فيه يوم بدر بالسيف; فلم يزل مخطومًا إلى أن مات. وقال قتادة: سنسمه يوم القيامة على أنفه سمة يعرف بها; يقال: وسمته وسمًا وسِمَة إذا أثرت فيه بسمة وكيّ. وقد قال تعالى: يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فهذه علامة/سمة ظاهرة. وقال تعالى: ونحشر المجرمين يومئذ زرقًا وهذه علامة أخرى ظاهرة. فأفادت هذه الآية علامة ثالثة وهي الوسم على الأنف بالنار; وهذا كقوله تعالى: يُعرف المجرمون بسيماهم قاله الكلبي وغيره. وقال أبو العالية ومجاهد: سنسمه على الخرطوم أي على أنفه، ونسوّد وجهه في الآخرة فيعرف بسواد وجهه.
والخرطوم: الأنف من الإنسان. ومن السباع: موضع الشفة.
وخراطيم القوم: ساداتهم. قال الفراء: وإن كان الخرطوم قد خص بالسمة فإنه في معنى الوجه; لأن بعض الشيء يعبر به عن الكل. وقال الطبري: نبين أمره تبيانا واضحًا حتى يعرفوه فلا يخفى عليهم كما لا تخفى السمة على الخراطيم. وقيل: المعنى سنلحق به عارًا وسبّة حتى يكون كمن وسم على أنفه. قال القتبي: تقول العرب للرجل يسب سبة سوء قبيحة باقية: قد وسم ميسم سوء; أي ألصق به عار لا يفارقه ; كما أن السمة لا يمحى أثرها. قال جرير :
لما وضعت على الفرزدق ميسمي *** وعلى البعيث جدعت أنف الأخطل
أراد به الهجاء. قال: وهذا كله نزل في الوليد بن المغيرة. ولا نعلم أن الله تعالى بلغ من ذكر عيوب أحد ما بلغه منه; فألحقه به عارًا لا يفارقه في الدنيا والآخرة; كالوسم على الخرطوم . وقيل : هو ما ابتلاه الله به في الدنيا في نفسه وماله وأهله من سوء وذل وصغار ; قاله ابن بحر . واستشهد بقول الأعشى :
فدعها وما يغنيك واعمد لغيرها بشعرك واعلب أنف من أنت واسم
وقال النضر بن شميل: المعنى سنحده على شرب الخمر،
والخرطوم: الخمر، وجمعه خراطيم، قال الشاعر :
تظل يومك في لهو وفي طرب *** وأنت بالليل شرّاب الخراطيم
قال الراجز العجاج : صهباء خرطومًا عقارًا قرقفًا وقال آخر :
أبا حاضر من يزن يعرف زناؤه *** ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكرًا
قال ابن العربي: كان الوسم في الوجه لذي المعصية قديما عند الناس، حتى إنه روي - كما تقدم - أن اليهود لما أهملوا رجم الزاني اعتاضوا منه بالضرب وتحميم الوجه.
ومن الوسم الصحيح في الوجه: ما رأى العلماء من تسويد وجه شاهد الزور علامة على قبح المعصية وتشديدًا لمن يتعاطاها لغيره ممن يرجى تجنبه بما يرجى من عقوبة شاهد الزور وشهرته ; فقد كان عزيزًا بقول الحق وقد صار مهينًا بالمعصية. وأعظم الإهانة إهانة الوجه. وكذلك كانت الاستهانة به في طاعة الله سببا لخيرة الأبد والتحريم له على النار; فإن الله تعالى قد حرم على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود; حسب ما ثبت في الصحيح .
د. سامي الإمام
أستاذ الديانة اليهوديَّة
كلية اللغات والترجمة/جامعة الأزهر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق