***************************************
هناك اعتقاد سائد بأن شخصية العبد الصالح؛ الخضر, في المصادر الإسلامية, هى شخصية النبي "إلياهو/إليا" في اليهودية, وهى شخصية "مار إلياس" في المسيحية. فهل هناك ما يدعم هذا الاعتقاد في نصوص الديانتين اليهودية والمسيحية؟ أو تراثهما الديني؟
فشخصية الخضر, بناء على ذلك, موجود في جميع الديانات, وله مكانة خاصة, لكن تختلف صفاته؛ ففي اليهودية هناك اعتقاد بأنه حي لا يموت؛ يبعثه الله كل حقبة من الزمان ليدعو إلى الإيمان به, واسمه عند اليهود إلياهو النبّي "إلياهو هَنَّبي" أو إلياهو هَتشبِّي؛ والتشبي لفظ مجهول غامض لكن أغلب الظنّ انه اسم بلدة كان التشبي ينتسب اليها.
وعند المسيحيين يسمى "مار إلياس" أو "مار جريس" أو "مار جورجيوس/مار جرجس", ومار تعني في اللغات الساميّة "سيد/رب/كبير". وله قصة مع التنين ولوحة متداولة مشهورة.
وللعبد الصالح عليه السلام, مقامات عدة يبلغ عددها حوالي 70 مقامًا في فلسطين، وهذه المقامات والمواقع عبارة عن أماكن جلوس واستراحات, وإقامه قصيره.
تقع هذه المقامات في مدن عدة وقرى, منها: اللد, ودير البلح, ويافا, وتل الصافي, وفي بيت لحم "دير مار إلياس", وهناك كنيسة الخضر, برام الله. وفي القدس, أماكن عدة تحمل اسم الخضر يبلغ عددها 13 مكانًا, وفي نابلس أيضًا عدة أماكن تحمل اسم الخضر يبلغ عددها 11 مكانًا, وفي طول كرم عدة أماكن تحمل اسم الخضر يبلغ عددها 5 أماكن, وفي جنين 3 أماكن.
وتزداد مقامات العبد الصالح عليه السلام, كلما اتجهنا شمالاً ففي حيفا المقامات التاليه: مقاماته في بسمة طبعون, وصبارين, وقيساريا, وعتليت, وعرب الحلف, وصفوريا, وفي حيفا أيضا مغارة "مار إلياس", بشفا عمر, ومغارة الخضر في أبو سنان, وكنيسه على اسم القديس "جورجيوس", وفي "البصّه" مقام الخضر وفي البعنه "دير الأسد", وفي الرامة, وكرسي إلياهو إلى الجنوب من ميرون في الحولة تل الخضر وعلى الشاطئ الشرقي لبحيرة طبريا خان اسمه خان الخضر, ومقام النبي إيليا بالقرب من قرية "مسعده", وهناك موقع الخضر في منطقة بيسان وموقع آخر في عسقلان.
وتحتفل طائفة الدروز, التي لا تعدّ من المسلمين, كل عام بزيارة مقام الخضر عليه السلام, الكائن بقرية "كفر ياسيف" في الجليل بإسرائيل. ويتوافد أبناء الطائفة من الجولان, والجليل, والكرمل لتأدية الصلاة والابتهال هناك.
ويبدو أن كثرة مقامات الخضر في فلسطين يجب أن تعدّ دليلا على أنها كانت مسرح أحداث قصته المشهورة مع موسى عليه السلام, أو على الأقل كان ذلك على حدودها لأن رحلة موسى ويوشع الذي كان فتاه الوفي كانت في حدود الأردن الغربية الموازية لحدود فلسطين الشرقية, وكان ذلك في حوالي سنة 1300 ق.م, لأنه من الثابت والمعروف أن موسى عليه السلام لم تطأ أقدامه أرض كنعان (فلسطين).
وللخضر عليه السلام قصص وروايات كثيرة فقد كان كثير التعبد ويقال سمي بالخضر لاخضرار الأرض التي كان يسير عليها او يجلس لعبادة خالقه وقصتة مع موسى عليه السلام التي ذكرت في سورة الكهف مشهورة فيها يعلّم النبي موسى تأويل الأشياء مع الصبر والرضى بأحكام الرب, وكان اسمه العبد الصالح, معروفة عند الناس.
وما يهمنا في هذا المقام هو تبيان شخصيّة النبي "إلياهو/الياسع/إليا" في اليهودية.
فيبدو من حديث "العهد القديم" عن النبي إلياهو/إلياس أن هذا الرجل أخذته الغيرة على الدين والأخلاق أمام الانحلال والفساد والكفر التي تفشّت في إسرائيل, ممثلة في الملك (آخاب بن عمري - حوالي سنة 900ق.م) نفسه, الذي تصفه التوراة بأنه عمل الشرّ في عيني الرب؛ فعبد البعل, وسجد له, وأقام مذبحًا له في السامرة, كما عمل أوثانًا خشبية وأمعن في إغضاب الرب إله إسرائيل.
فقام النبي إلياهو ينادي بالإصلاح وأقسم بالله رب إٍسرائيل أنه لن ينزل المطر من السماء إلا بناء على قوله هو (الملوك الأول 17 : 1).
والظاهر أن الملك آخاب وقف منه موقفًا عنيفًا جدًا حتى خاف إلياهو على نفسه, ولذلك جاءه كلام الرب قائلا:
"انطلق من هنا, واتجه نحو الشرق, واختبيء عند نهر "كريث" الذي في مواجهة نهر الأردن, فتشرب من النهر, وتقتات مما تحضره لك الغربان التي أمرتها ان تعولك هناك, فانطلق ونفذ أمر الرب، وأقام عند نهر كريث مقابل نهر الأردن، فكانت الغربان تُحضر إليه الخُبز واللّحم صباحًا ومساء، وكان يشرب من ماء النهرِ".
ثم تأتي قصته مع امرأة أرملة تعيش هى وابنها في إحدى القرى. وكان ذلك في زمن القحط والمجاعة الذي أمر إلياهو بعدم نزول المطر فيه!, وكان كل ما في بيت المرأة لا يكاد يكفي لصنع فطيرة واحدة. فطلب منها إلياهو أن تصنع له فطيرة صغيرة وتصنع الباقي لها ولإبنها. وظلت تصنع الفطائر لها ولأهلها جميعًا طيلة زمن المجاعة فلا يفرغ الدقيق ولا ينقص وعاء الزيت.!
إلى هنا والأمر يبدو عاديًا, لكننا نقرأ ما :
ففي أثناء ذلك - المجاعة - مرض ابن الأرملة ومات "فأخذه إلياهو من حضنها, وصعد به إلى العليّة التي كان يقيم بها وأرقده على سريره, وصرخ إلى الرب وقال:
أيها الرب إلهي, أكذلك قد أسأت! إلى الأرملة التي انا عندها بإماتتك ابنها؟ ثم تمدد على الولد ثلاث مرات , وصرخ إلى الرب وقال: يارب إلهي, لتُرْجِع نفس هذا الولد لجوفه. فسمع الرب لصوت إليا, ورجعت نفس الولد إلى جوفه فعاد إلى الحياة. فأخذ إليا الولد ونزل به من العلية إلى البيت ودفعه لأمه. وقال إليا: انظري, إبنك حيّ, فقالت المرأة لإليا: الآن علمت انك رجل الله, وأن كلام الرب في فمك حق.!
(يتبع)
د. سامي الإمام
أستاذ الديانة اليهودية.
هناك اعتقاد سائد بأن شخصية العبد الصالح؛ الخضر, في المصادر الإسلامية, هى شخصية النبي "إلياهو/إليا" في اليهودية, وهى شخصية "مار إلياس" في المسيحية. فهل هناك ما يدعم هذا الاعتقاد في نصوص الديانتين اليهودية والمسيحية؟ أو تراثهما الديني؟
فشخصية الخضر, بناء على ذلك, موجود في جميع الديانات, وله مكانة خاصة, لكن تختلف صفاته؛ ففي اليهودية هناك اعتقاد بأنه حي لا يموت؛ يبعثه الله كل حقبة من الزمان ليدعو إلى الإيمان به, واسمه عند اليهود إلياهو النبّي "إلياهو هَنَّبي" أو إلياهو هَتشبِّي؛ والتشبي لفظ مجهول غامض لكن أغلب الظنّ انه اسم بلدة كان التشبي ينتسب اليها.
وعند المسيحيين يسمى "مار إلياس" أو "مار جريس" أو "مار جورجيوس/مار جرجس", ومار تعني في اللغات الساميّة "سيد/رب/كبير". وله قصة مع التنين ولوحة متداولة مشهورة.
وللعبد الصالح عليه السلام, مقامات عدة يبلغ عددها حوالي 70 مقامًا في فلسطين، وهذه المقامات والمواقع عبارة عن أماكن جلوس واستراحات, وإقامه قصيره.
تقع هذه المقامات في مدن عدة وقرى, منها: اللد, ودير البلح, ويافا, وتل الصافي, وفي بيت لحم "دير مار إلياس", وهناك كنيسة الخضر, برام الله. وفي القدس, أماكن عدة تحمل اسم الخضر يبلغ عددها 13 مكانًا, وفي نابلس أيضًا عدة أماكن تحمل اسم الخضر يبلغ عددها 11 مكانًا, وفي طول كرم عدة أماكن تحمل اسم الخضر يبلغ عددها 5 أماكن, وفي جنين 3 أماكن.
وتزداد مقامات العبد الصالح عليه السلام, كلما اتجهنا شمالاً ففي حيفا المقامات التاليه: مقاماته في بسمة طبعون, وصبارين, وقيساريا, وعتليت, وعرب الحلف, وصفوريا, وفي حيفا أيضا مغارة "مار إلياس", بشفا عمر, ومغارة الخضر في أبو سنان, وكنيسه على اسم القديس "جورجيوس", وفي "البصّه" مقام الخضر وفي البعنه "دير الأسد", وفي الرامة, وكرسي إلياهو إلى الجنوب من ميرون في الحولة تل الخضر وعلى الشاطئ الشرقي لبحيرة طبريا خان اسمه خان الخضر, ومقام النبي إيليا بالقرب من قرية "مسعده", وهناك موقع الخضر في منطقة بيسان وموقع آخر في عسقلان.
وتحتفل طائفة الدروز, التي لا تعدّ من المسلمين, كل عام بزيارة مقام الخضر عليه السلام, الكائن بقرية "كفر ياسيف" في الجليل بإسرائيل. ويتوافد أبناء الطائفة من الجولان, والجليل, والكرمل لتأدية الصلاة والابتهال هناك.
ويبدو أن كثرة مقامات الخضر في فلسطين يجب أن تعدّ دليلا على أنها كانت مسرح أحداث قصته المشهورة مع موسى عليه السلام, أو على الأقل كان ذلك على حدودها لأن رحلة موسى ويوشع الذي كان فتاه الوفي كانت في حدود الأردن الغربية الموازية لحدود فلسطين الشرقية, وكان ذلك في حوالي سنة 1300 ق.م, لأنه من الثابت والمعروف أن موسى عليه السلام لم تطأ أقدامه أرض كنعان (فلسطين).
وللخضر عليه السلام قصص وروايات كثيرة فقد كان كثير التعبد ويقال سمي بالخضر لاخضرار الأرض التي كان يسير عليها او يجلس لعبادة خالقه وقصتة مع موسى عليه السلام التي ذكرت في سورة الكهف مشهورة فيها يعلّم النبي موسى تأويل الأشياء مع الصبر والرضى بأحكام الرب, وكان اسمه العبد الصالح, معروفة عند الناس.
وما يهمنا في هذا المقام هو تبيان شخصيّة النبي "إلياهو/الياسع/إليا" في اليهودية.
فيبدو من حديث "العهد القديم" عن النبي إلياهو/إلياس أن هذا الرجل أخذته الغيرة على الدين والأخلاق أمام الانحلال والفساد والكفر التي تفشّت في إسرائيل, ممثلة في الملك (آخاب بن عمري - حوالي سنة 900ق.م) نفسه, الذي تصفه التوراة بأنه عمل الشرّ في عيني الرب؛ فعبد البعل, وسجد له, وأقام مذبحًا له في السامرة, كما عمل أوثانًا خشبية وأمعن في إغضاب الرب إله إسرائيل.
فقام النبي إلياهو ينادي بالإصلاح وأقسم بالله رب إٍسرائيل أنه لن ينزل المطر من السماء إلا بناء على قوله هو (الملوك الأول 17 : 1).
والظاهر أن الملك آخاب وقف منه موقفًا عنيفًا جدًا حتى خاف إلياهو على نفسه, ولذلك جاءه كلام الرب قائلا:
"انطلق من هنا, واتجه نحو الشرق, واختبيء عند نهر "كريث" الذي في مواجهة نهر الأردن, فتشرب من النهر, وتقتات مما تحضره لك الغربان التي أمرتها ان تعولك هناك, فانطلق ونفذ أمر الرب، وأقام عند نهر كريث مقابل نهر الأردن، فكانت الغربان تُحضر إليه الخُبز واللّحم صباحًا ومساء، وكان يشرب من ماء النهرِ".
ثم تأتي قصته مع امرأة أرملة تعيش هى وابنها في إحدى القرى. وكان ذلك في زمن القحط والمجاعة الذي أمر إلياهو بعدم نزول المطر فيه!, وكان كل ما في بيت المرأة لا يكاد يكفي لصنع فطيرة واحدة. فطلب منها إلياهو أن تصنع له فطيرة صغيرة وتصنع الباقي لها ولإبنها. وظلت تصنع الفطائر لها ولأهلها جميعًا طيلة زمن المجاعة فلا يفرغ الدقيق ولا ينقص وعاء الزيت.!
إلى هنا والأمر يبدو عاديًا, لكننا نقرأ ما :
ففي أثناء ذلك - المجاعة - مرض ابن الأرملة ومات "فأخذه إلياهو من حضنها, وصعد به إلى العليّة التي كان يقيم بها وأرقده على سريره, وصرخ إلى الرب وقال:
أيها الرب إلهي, أكذلك قد أسأت! إلى الأرملة التي انا عندها بإماتتك ابنها؟ ثم تمدد على الولد ثلاث مرات , وصرخ إلى الرب وقال: يارب إلهي, لتُرْجِع نفس هذا الولد لجوفه. فسمع الرب لصوت إليا, ورجعت نفس الولد إلى جوفه فعاد إلى الحياة. فأخذ إليا الولد ونزل به من العلية إلى البيت ودفعه لأمه. وقال إليا: انظري, إبنك حيّ, فقالت المرأة لإليا: الآن علمت انك رجل الله, وأن كلام الرب في فمك حق.!
(يتبع)
د. سامي الإمام
أستاذ الديانة اليهودية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق