كان الشر ملازمًا للخير
منذ بدء الخليقة. لكنه كان قبل خطيئة جنة عدن منفصلا عن الخير تمام الانفصال, حيث
كان في درجة سفلى من العالم, وبعد... خطيئة "شجرة المعرفة" اختلط الخير
بالشر اختلاطًا تامًا لدرجة لا يمكن معها الفصل بين الخير والشر, وأصبح لا خير
بدون شرّ ولا شرّ بدون خير: "إن الرب قد جعل السرّاء مع الضرّاء"
(الجامعة 7 : 14).
ففي مقابل القداسة
والخير, خلقت النجاسة والشرّ "الوجه الآخر" أو "سطرا أحرا"
والكلمة مصطلح آرامي يُقصد به جميع قوى الشر, والشيطان بالطبع.
لقد كانت تلك القوى في
بادئ الأمر منفصلة عن بعضها البعض, ولم يكن الإنسان يدرك وجود قوى الشرّ, كما لم
يكن يتأثر بها. إلا أنه منذ اللحظة الأولى لخطيئة الأكل من "شجرة
المعرفة" تفجرت الحدود, بين الخير والشرّ, وطفا الشرّ الذي كان مسجورًا في
درجة سفلى, على السطح وامتزج بالخير امتزاجًا كليًا ولم يعد من الممكن الفصل
بينهما.
ويتمثل وجود الخير في
النور اللانهائي, أما وجود الشرّ فيتمثل في "سطرا أحرا" أو "الوجه
الآخر" أو "الشيطان. ويشبه "الوجه الآخر" أو "سطرا
أحرا" بالقشرة التي تُغلف الثمرة التي قُدر لها من البداية أن تزال وتلقى في
النفايات, والتي كان الهدف من وجودها المحافظة على الثمرة وحمايتها لكن مآلها
الأخير الانفصال عن الثمرة.
فبعد خطيئة الإنسان, في
جنة عدن, التصقت القشرة بالثمرة, ويتحتم إزالتها وفصلها إذا أريد الوصول إلى تلك
الثمرة. وفي بعض الأحيان يجب إزالة القشرة تمامًا لكي تؤكل الثمرة, وفي أحيان أخرى
تكون القشرة من الرقّة بمكان بحيث يمكن معها أكلها مع الثمرة. لكن في كل الأحوال
فإن القشور تنمو مع الثمار وتتغذى من الجذور نفسها التي تتغذى عليها الثمار. ومثل
ذلك العلاقة بين الخير والشر, فالقشور النجسة تتغذى من القداسة وتغطيها وتسترها,
وبدون القشور كان من الممكن مشاهدة المخلوقات الإلهية في كل شيء بشكل واضح جلي.
موسوعة "الفكر
العقدي اليهودي"
د. سامي الإمام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق