تعدّ فكرة الميراث من الأمور الممتدة الجذور في التشريع العبري. ففي سفر التكوين نجد فقرة تتناول الميراث: (إنك لم تعطني نسلاً وهوذا ابن بيتي وارث لي). (التكوين 15 : 3).
ومن الإشارات المهمة في أيضًا عن الميرات ما جاء عن تحريم التوراة تفضيل ابن المرأة الأثيرة على ابن المرأة المكروهة, في الميراث :
(إن كان رجل متزوجًا من امرأتين، يؤثر إحداهما وينفر من الأخرى، فولدت كلتاهما له أبناءً، وكان الابن البكر من إنجاب المكروهة، فحين يوزع ميراثه على أبنائه، لا يحلّ له أن يقدّم ابن الزوجة الأثيرة ليجعله بكره في الميراث على بكره ابن الزوجة المكروهة. بل عليه أن يعترف ببكوريّة ابن المكروهة، ويعطيه نصيب اثنين من كل ما يملكه؛ لأنه هو أوّل مظهر قدرته، وله حقّ البكوريّة) .
ومع ذلك فلا يرث من الأب إلا ابن السيدة, حتى لو كان صغيرًا جدًا, أمّا ابن الجارية فلا يرث. ونجد أحكامًا للميراث أكثر تفصيلاً في الفقرة التي تتحدث عن بنات شخص يسمى "صلفحاد" يبدو فيها التمييز بين الرجل والمرأة. فنجد في سفر العدد جدول أفضلية لإرث التركة :
(إن بنات صلفحاد قد نطقن بحق، فأعطهِنَّ نصيباً ملكاً لَهنَّ بين أعمامهِنَّ. انقل إليهِنَّ نصيب أبيهِنّ. وأوص بني إسرائيل أَن أي رجل يموت من غير أن يخلف ابناً، تنقلون ملكه إلى ابنته. وإن لم تكن له ابنة تعطون ملكه لإخوته. وإن لم يكن له إخوة، فأعطوا ملكه لأعمامه. وإن لم يكن له أعمام، فأعطوا ملكه لأقرب أقربائه من عشيرته، فيرثه. ولتكن هذه فَريضَةَ قضاء لبني إسرائيل كما أمر الرّب موسى).
ويتضح أن الترتيب الأساسي في استحقاق التركة هو:
1. الابن. 2. البنت. 3. الأخ. 4. العم. 5. أقرب أقربائه.
كما يأتي الحديث, عن الميراث, في نصوص الحكماء (بالمشنا) :
وإذا كان الميراث قليلاً, فطبقًا للتشريعات اليهودية, فالرجل يطوف على الأبواب (يتسول) أما المرأة فتحصل على هذا الميراث. فقد ورد في فصل العقود "كتوبوت":
يقول "أدمون" سبعة: من مات وترك أولادًا وبنات إذا كانت ثروته كبيرة فالأولاد يرثون أما البنات فيأخذن ما يقيم حياتهن, وإذا كانت ثروته قليلة فالبنات يأخذنها ليقمن حياتهن, أما الأولاد فيطوفون على الأبواب. يقول "أدمون" لأنني ذكر فقد خسرت.
ويوضح ذلك الراب موسى ابن ميمون, في تشريعات الأحوال الشخصية :
"من مات وترك أولادًا وبنات, يرث الأولاد كل ثروته وعلى الأولاد الصرف على البنات حتى يكبرن, أو حتى يخطبن, كيف ذلك إذا كان المتوفى قد ترك ثروة تكفي للصرف على الأولاد والبنات معًا حتى تكبر البنات, وهذه ما يطلق عليها ثروة كبيرة, أما إذا كانت ثروته قليلة فيؤخذ منها ما يكفي للصرف على البنات حتى يكبرن ويعطى المتبقي للأولاد, وإذا لم تكف الثروة إلا للصرف على البنات فقط, يأخذنها بالكامل ويصرفن منها حتى يكبرن أو حتى يخطبن, أما الأولاد فيسألون على الأبواب.
وقام الجاءونيم (الجاءونيم: كنيّة كانت تطلق على رؤساء مدرستي سورا وبومبيديثا الدينيتين اليهوديتين في بابل - العراق حاليًا - في القرن السادس الميلادي ) بعمل تعديل تتم النفقة بموجبه على الورثة من الأموال المنقولة؛ أي أن البنين والبنات سويًا يُنفق عليهم من تلك الأموال القليلة. ويبدو أنهم لجأوا إلى ذلك التعديل كي لا يتسول البنين, ويتقاسم الجميع الأموال المتروكة حتى لو كانت قليلة.
وإذا مات الزوج وكان عليه دين, أو إذا اتفق مع زوجته على أن يُنفق على ابنتها (من زوج آخر) على الذكور أن يسددوا دين أبيهم وأن ينفقوا على الابنة المدة المحددة في عقد الزواج.
وإذا كان الورثة بنات فقط تقسّم الأموال بينهن بالتساوي صغارًا وكبارًا. وإذا كن قصّرًا فكل من تبلغ إذا تقدم أحد لزواجها تُعطى عُشر أمواله, وإذا تقدم أحد لأخرى للزواج منها تُعطى عُشر المال المتبقي, وهكذا تُعطى الثالثة, عُشر المتبقي من سابقتها.
ولنضرب لذلك مثلا:
نفترض أن التركة 100 شيقل, فللمتزوجة الأولى عشرة شواقل, ويتبقى تسعين شيقلا, وللثانية تسعة شواقل ويتبقى واحد وثمانون شيقلا, وللثالثة ثمانية شواقل وعُشر الشيقل, ويتبقى ثلاثة وسبعين شيقلا وعشر وهكذا.
وهناك خصائص أخرى انتقلت بالوراثة, عبر التاريخ؛ مثل : الكهانة, والمَلكيّة, وحيازة الأراضي, والأموال, والحرف, والثروات, ومكونات الهوية؛ مثل : الطائفة, والجنس, والقومية, والدين من العناصر التي تخضع للتوريث, وكذا الصفات الشخصية؛ كالمهارة, ومميزات النفس والجسد, والمعرفة , والأخلاق وغيرها.
حقوق الميراث المعمول بها الآن :
............................................
الورثة, في غياب الوصية, هم الابن/الابنة , الزوج القانوني/القانونية (من كان متزوجًا من شخص مات, أو كان مشهورًا في مجتمعه, بما في ذلك المشهور بين أفراد مجتمعه من جنسه), والأقارب حتى الدرجة الثالثة : أبناؤه, والداه, أجداده, وأحفاده.
الأولاد والأحفاد وإن نزلوا, أولى من الوالدين. الوالدان وأحفادهم (الأخوة وأحفادهم) أولى من الأجداد.
إذا ترك المورِث زوجًا بالإضافة إلى أولاده وأحفاده أو والديه: فللزوج نصف التركة, والنصف المتبقي يتقاسمه أولاده ووالداه.
إذا ترك المورِث زوجًا بالإضافة إلى إخوة وأحفادهم أو أجداده, فللزوج الثلثان.
إذا ترك المورِث زوجًا بالإضافة إلى أحفاد وأجداده, فللزوج كل التركة.
وإذا لم يكن هناك أقارب من الدرجة الأولى تنتقل التركة إلى أقارب الدرجة الثانية؛ كالوالدين, أو الأخوة, أو أحفادهم. أما إذا لم يكن هناك أقارب من الدرجة الثانية فتنتقل التركة للأجداد وأحفادهم.
طبقًا للمادة 155 من قانون المواريث, فإن المحكمة الدينية, المختصة بقضايا المواريث, تحكم بموجب أحكام الميراث . وصلاحية هذه المحكمة مشروطة بموافقة كتابية من جميع الورثة.
ويستطيع الشخص أن يكتب وصيته, حال حياته, وهو في كامل قواه العقلية, ويوزع ثروته كيفما يشاء, وباستطاعته أن يحرم ورثته الشرعيين, وأن يغير جميع قواعد الميراث أو ينقل ثروته إلى أية عناصر أخرى كالنساء, أو أية جهة اعتبارية.
ولكي تورِّث شخصًا ما يجب استصدار أمر توريث, تصادق المحكمة فيه على ثبوت الوصيّة أو موافقة الورثة, ويستصدر حكمًا بنقل الأموال لمن يستحقها.
في حالة موت شخص ليس له ورثة حتى الدرجة الثالثة, ولم يترك وصية, فإن ثروته تنتقل إلى الدولة, إلى مكتب الوصي العام, الذي يصرف هذه التركة في متطلبات الدولة. وينطبق الحال أيضًا على الودائع التي لا تجري عليها معاملات لمدد طويلة, تنتقل إلى الوصي العام .
د. سامي الإمام
أستاذ الديانة اليهودية.
كلية اللغات والترجمة
جامعة الأزهــر.
مصر.
تعب الكلام من الكلام
ردحذف