(وأما موسى فكان يرعى غنم حميه يثرون كاهن مديان، فقاد الغنم إلى ما وراء
الطّرف الأَقصى من الصحراء حتى جاء إلى حوريب جبل الله. وهناك تجلّى له
ملاك الرب بلهيب نار وسط عُلّيقة. فنظر موسى وإذا بالعلّيقة تتّقد دون أن
تحترق. فقال موسى: أقترب الآن أكثر لأستطلع هذا الأمر العظيم. لماذا لا
تحترق العلّيقة؟» وعندما رأى الرب أنّ موسى قَد دنا ليستطلع الأمر، ناداه
من وسط العلّيقة قائلا: «موسى». فقال: ها أنا». فقال : لا تقترب إلى هنا:
اخلع حذاءك من رجليك، لأنّ المكان الَّذي أنت واقف عليه أرض مقدّسَةٌ». سفر
خروج /الإصحاح الثالث.
يبدو أن ملامسة أقدام موسى عليه السلام حافيًا لأرض هذا الوادي المقدس كانت هى سرّ إجراء معجزات تالية على يديه بداية بالعصا التي لامست أرض الوادي فتحولت إلى حيَّة تتحرك, ارتعب منها موسى! ثم يده التي وضعها في عبّه فخرجت بيضاء كالثلج! فضربات مصر, وانشقاق البحر وغير ذلك.
وفي نصوص القبَّالا (وهى طريقة لتفسير النصوص برموز باطنيّة غير ظاهرها, وتعدّ طريقة صوفية في اليهودسة) هناك تعبير مركزي أو أساسي في كل موضوع أو قضيّة من قضايا التوراة؛ فكلمة "في البدء : בראשית" التي هى أول كلمة نزلت من التوراة, هى التعبير المركزي فيها والذي يضم تحته كل التوراة! ومثل هذا التعبير في موضوع نبوّة موسى عليه السلام, والتي بدأ به الله تكليفه بمهمة النبوة هو "اخلع نعليك من رجليك" فهو سرّ أو كلمة السرّ في بداية مسيرة نبوة موسى عليه السلام.
والمقصود بالنعل هنا كما جاء في التفسير القبّالي هو كل ما علمه موسى من قبل وعرفه! من عادات وتقاليد وخبرات وكل شيء, أي طُلب منه أن يتجرد من كل ما عدا نفسه الصافية كأنه في ميلاد جديد! ذلك تمهيدًا لمرحلة النبوّة التي قد يطلب منه فيها أشياء ربما تناقضت مع ما خبره وتعلمه في حياته السابقة على النبوة.
بدأ بالعليقة المشتعلة لكنها لا تحترق؛ والعليقة هى نبات ينتمي إلى فصيلة الورديات أو عشب كان سائغًا للغنم. كانت العليقة مشتعلة لكنها لم تحترق وهذه هى المعجزة الربانية التي أظهرها الله كبداية لاصطفاء موسى عليه السلام لمهمة النبوّة والتصدِّي لجبروت فرعون! ولإخراج بني إسرائيل من مصر.
وترمز العليقة المشتعلة التي لم تحترق في نصوص القبّالا إلى "شعب إسرائيل" الذي تتكالب عليه الشعوب بالذبح والحرق والاضطهاد وغير ذلك تريد إنهاءه والإجهاز عليه لكنه يقاوم ومستمر في الحياة.
وتعود بداية النار التي لم تحرق "إسرائيل" إلى إبراهيم الذي قذف في النار لكنه خرج منها حي دون أذى, ويعدّ إبراهيم أساس الإسرائيليين. وممن لم يحترقوا بالنار من الإسرائيليين أيضًا بعد ذلك, حننيا, وميشائيل, وعزريا, اللذين رفضوا أن يسجدوا لصنم ذهبي صنعه "نبوخد نصّر", ملك بابل كرمز لأبديّة مُلْكِه, حينئذ ألقى بهم في أتون النار لكنهم لم يحترقوا وأنقذهم جبريل عليه السلام فلم يصيبهم أذى وخرجوا أحياء.
أراد الله إذن من عبارة "اخلع نعليك" أن يتخلص موسى من كل أفكاره السابقة, وأن ينسى إي قوّة أو سلطان عرفه, او قوانين أو تشريعات أو غير ذلك, لأنه سوف يتلقى وحيًا جديدًا بشريعة جديدة من الله غير تلك التي اعتاد عليها في الأرض, سيحمل قبسًا من وحي النبوّة والحكمة والتوراة, أشياء جديرة بأن يستعد لها ويتهيأ كما أمره الله.
وتكرر أمر "خلع النعل" مرة أخرى مع يوشع بن نون, للغرض نفسه؛ فجاء:
(وفيما كان يشوع قريبًا من أريحا تطلّع أمامه وإذا به يشاهد رجلاً ينتصب في مواجهته، شاهرًا سيفه بيده، فاتّجه إليه يشوع وسأَله: هل أنت منّا أو من أعدائنا؟ فأجابه: لا، إنّما أنا رئيس جند الرب، وقد أَقبلت الآن. فأكب يشوع على وجهه إلى الأرض ساجدًا وقال: أيّ رسالة يحملها سيّدي إلى عبده؟ فقال رئيس جند الرب ليشوع: اخلع نعليك، لأَن الموضع الّذي أَنت واقِف عليه مُقدس. فنفذ يشوع الأَمر) سفر يوشع/الإصحاح الخامس.
وهكذا نجد أن الأمر بخلع النعل يتكرر كلما كان الموقف يتطلب تهيئة نفسية يتناسب مع مهمة النبي أو رجل الله لذلك امتثل موسى عليه السلام ومن بعده يوشع بن نون.
وجاء في المصادر العربية أن سبب خلع موسى لنعله كما جاء في تفسير آية "إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى" أن النعل كان مصنوعًا من جلد حمار ميت! وفي رواية من جلد حمار غير ذكي! وفي المطلق كان السبب هو دخول موسى لمكان مقدس ومقام كريم حيث سيستمع إلى كلام الله جلّ شأنه.
د. سامي الإمام
أستاذ الديانة اليهودية
يبدو أن ملامسة أقدام موسى عليه السلام حافيًا لأرض هذا الوادي المقدس كانت هى سرّ إجراء معجزات تالية على يديه بداية بالعصا التي لامست أرض الوادي فتحولت إلى حيَّة تتحرك, ارتعب منها موسى! ثم يده التي وضعها في عبّه فخرجت بيضاء كالثلج! فضربات مصر, وانشقاق البحر وغير ذلك.
وفي نصوص القبَّالا (وهى طريقة لتفسير النصوص برموز باطنيّة غير ظاهرها, وتعدّ طريقة صوفية في اليهودسة) هناك تعبير مركزي أو أساسي في كل موضوع أو قضيّة من قضايا التوراة؛ فكلمة "في البدء : בראשית" التي هى أول كلمة نزلت من التوراة, هى التعبير المركزي فيها والذي يضم تحته كل التوراة! ومثل هذا التعبير في موضوع نبوّة موسى عليه السلام, والتي بدأ به الله تكليفه بمهمة النبوة هو "اخلع نعليك من رجليك" فهو سرّ أو كلمة السرّ في بداية مسيرة نبوة موسى عليه السلام.
والمقصود بالنعل هنا كما جاء في التفسير القبّالي هو كل ما علمه موسى من قبل وعرفه! من عادات وتقاليد وخبرات وكل شيء, أي طُلب منه أن يتجرد من كل ما عدا نفسه الصافية كأنه في ميلاد جديد! ذلك تمهيدًا لمرحلة النبوّة التي قد يطلب منه فيها أشياء ربما تناقضت مع ما خبره وتعلمه في حياته السابقة على النبوة.
بدأ بالعليقة المشتعلة لكنها لا تحترق؛ والعليقة هى نبات ينتمي إلى فصيلة الورديات أو عشب كان سائغًا للغنم. كانت العليقة مشتعلة لكنها لم تحترق وهذه هى المعجزة الربانية التي أظهرها الله كبداية لاصطفاء موسى عليه السلام لمهمة النبوّة والتصدِّي لجبروت فرعون! ولإخراج بني إسرائيل من مصر.
وترمز العليقة المشتعلة التي لم تحترق في نصوص القبّالا إلى "شعب إسرائيل" الذي تتكالب عليه الشعوب بالذبح والحرق والاضطهاد وغير ذلك تريد إنهاءه والإجهاز عليه لكنه يقاوم ومستمر في الحياة.
وتعود بداية النار التي لم تحرق "إسرائيل" إلى إبراهيم الذي قذف في النار لكنه خرج منها حي دون أذى, ويعدّ إبراهيم أساس الإسرائيليين. وممن لم يحترقوا بالنار من الإسرائيليين أيضًا بعد ذلك, حننيا, وميشائيل, وعزريا, اللذين رفضوا أن يسجدوا لصنم ذهبي صنعه "نبوخد نصّر", ملك بابل كرمز لأبديّة مُلْكِه, حينئذ ألقى بهم في أتون النار لكنهم لم يحترقوا وأنقذهم جبريل عليه السلام فلم يصيبهم أذى وخرجوا أحياء.
أراد الله إذن من عبارة "اخلع نعليك" أن يتخلص موسى من كل أفكاره السابقة, وأن ينسى إي قوّة أو سلطان عرفه, او قوانين أو تشريعات أو غير ذلك, لأنه سوف يتلقى وحيًا جديدًا بشريعة جديدة من الله غير تلك التي اعتاد عليها في الأرض, سيحمل قبسًا من وحي النبوّة والحكمة والتوراة, أشياء جديرة بأن يستعد لها ويتهيأ كما أمره الله.
وتكرر أمر "خلع النعل" مرة أخرى مع يوشع بن نون, للغرض نفسه؛ فجاء:
(وفيما كان يشوع قريبًا من أريحا تطلّع أمامه وإذا به يشاهد رجلاً ينتصب في مواجهته، شاهرًا سيفه بيده، فاتّجه إليه يشوع وسأَله: هل أنت منّا أو من أعدائنا؟ فأجابه: لا، إنّما أنا رئيس جند الرب، وقد أَقبلت الآن. فأكب يشوع على وجهه إلى الأرض ساجدًا وقال: أيّ رسالة يحملها سيّدي إلى عبده؟ فقال رئيس جند الرب ليشوع: اخلع نعليك، لأَن الموضع الّذي أَنت واقِف عليه مُقدس. فنفذ يشوع الأَمر) سفر يوشع/الإصحاح الخامس.
وهكذا نجد أن الأمر بخلع النعل يتكرر كلما كان الموقف يتطلب تهيئة نفسية يتناسب مع مهمة النبي أو رجل الله لذلك امتثل موسى عليه السلام ومن بعده يوشع بن نون.
وجاء في المصادر العربية أن سبب خلع موسى لنعله كما جاء في تفسير آية "إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى" أن النعل كان مصنوعًا من جلد حمار ميت! وفي رواية من جلد حمار غير ذكي! وفي المطلق كان السبب هو دخول موسى لمكان مقدس ومقام كريم حيث سيستمع إلى كلام الله جلّ شأنه.
د. سامي الإمام
أستاذ الديانة اليهودية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق