الاثنين، 9 مارس 2015

مسيرة إحياء اللغة العبرية (2) ‫#‏תהליך_תחית_השפה_העברית‬

كان اليهود, في مدينة القدس, قبل مسيرة إحياء اللغة العبرية في نهاية القرن التاسع عشر بعشرات السنين يتحدثون بأسواق المدينة بما يسمى اللغة اليهودية, والمقصود بذلك تحدّث اليهود السفارديم (اليهود الشرقيون), بلهجة اللادينو التي أشرنا إليها سابقًا (مزيج من العبرية والاسبانية), وتحدّث الأشكنازيم (اليهود الغربيون) اليديش (مزيج من العبرية والألمانية والإيطالية وغيرها من لغات أوروبا).
وكل أولئك كانوا في حاجة إلى لغة مشتركة للتفاهم بها لأغراض التجارة وغيرها من أمور الحياة الاجتماعية, ولذلك تحدثوا العبرية فيما بينهم. فلم تكن العبرية لغة أم بل كانت لغة حديث للغات/لهجات مشتركة وهى ما يسمى "لينجوا فرانكا" لليهود.
وبدأت مسيرة إحياء اللغة العبرية من منطلق تعامل الناس بلغة مزدوجة؛ بمعنى استخدام لغتين؛ إحداهما للكتابة؛ لغة الثقافة, وهى ذات جودة مرتفعة, مثال اللاتينية أو اليونانية, وأخرى للحديث؛ لغة شعبية بسيطة.
تحركت مسيرة إحياء اللغة في مسارين متوازيين: العبرية المكتوبة – الأدبية وعبرية الحديث. كان المساران منفصلين عن بعضهما البعض لعشرات السنين في بداية تلك المسيرة, كما كانا منفصلين في الموقع والمكان أيضًا, فالعبرية الأدبية تطورت في بلدان أوروبا, أما عبرية الحديث فتطورت بشكل خاص في فلسطين, ولا يمنع هذا من وجود محاولات لإحياء العبرية كلغة حديث في أوروبا, لكنها لم تكن بالوضوح الكافي جراء المتغيرات الأيديولوجية التي لحقت بالفكر اليهودي في بدايات القرن العشرين.
بدأ التواصل بين المسارين في بداية القرن العشرين, وكانت هجرة الأديب والشاعر "حاييم نحمان بيالق" لإسرائيل, سنة 1924, بمثابة علامة بارزة في تلك المسيرة. وظلت فروق مميزة بين عبرية الأدب وعبرية الحديث حتى بعد أن انتقلت اللغة الأدبية إلى فلسطين, وهى فروق لا تزال موجودة إلى يومنا هذا.
جهود التنوير (الهسكالا)
"الهسكالا" كلمة عبرية تعني (التثقيف/التنوير) وهى حركة سبقت مسيرة إحياء اللغة العبرية الأدبية في أوروبا, في نهاية القرن التاسع عشر. حرص المثقفون فيها على الابتعاد عن الثقافة الدينية الحاخامية, اليديشية ورأوا أن الأدب الجيد يجب أن يدوَّن باللغة العبرية وخاصة العبرية المقرائية (التوراتية). وكانت لغة الحكماء هى الآرامية ولغات عبرية أخرى ولهجات عدّت من عوامل الاضطراب التي لا تلائم لغة الكتابة المأمولة من مسيرة الإحياء.

وقد ارتكزت عبرية أدب مرحلة التنوير على عاملين رئيسيين: النقاء (פוריזם), والمجاز (מליצה). فكان طبقًا لعامل النقاء, من الضرورة بمكان استخدام ألفاظ وكلمات ومصطلحات مصدرها كتاب "العهد القديم", حتى لو كان الموضوع غير متصل بالمقرا. وكان طبقًا لعامل المجاز, من الضرورة بمكان الاستشهاد بصور مجازية متكاملة الأركان من نصوص "العهد القديم", وكلما تضمّن النص المستشهد به عناصر مجازية كلما كان أكثر جودة.
وكان من مناقب رواد المسكيليم إنشاء صحافة عبرية في فلسطين, ودوريات من أجل التواصل فيما بينهم, وكانت توزع في بلدان أوروبا أيضًا, وتضمنت تعليقات, ومقالات, ومقتطفات من الأعمال الأدبية والشعرية. وكان لها أثر كبير في تجديد العبرية وتوسيع استخدامها في اللغة على مدى أجيال متلاحقة.
من أبرز ممثلي حقبة الهسكلا, الكاتب والأديب " مندلي موخير سفاريم" (وهى عبارة تعني مندلي بائع الكتب) (1836 – 1917), وكان دوّن نتاجه الأدبي مراعيًا كل قواعد عبرية الهسكالا. في مرحلة معينة تعمّد مندلي الكتابة باليديش, محدثًا ثورة كبيرة تبدّت في استخدام لهجة اليديش الشائعة في الحياة اليومية في لغة الأدب. عاد بعد ذلك واستخدم العبرية لكنه لم يلتزم بعبرية العهد القديم وأدخل في قاموس مصطلحاته الأدبية وقواعده لغة الحكماء وعبرية العصر الوسيط. وفي مرحلة لاحقة استخدم مندلي عبرية مشتركة من كل الفترات التاريخية. وفي أعماله الأخيرة اضطر مندلي للتحرر من جميع القيود السابقة وصاغ نتاجه بلغة الحكماء الممزوجة بلغات أوروبية.
(يتبع)
د. سامي الإمام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق