الخميس، 26 مارس 2015

معضلات المجتمع الإسرائيلي ‫#‏דלמות_החברה_הישראלית‬

نشأ المجتمع الإسرائيلي على أسس علمانية تخالف الطبيعة الدينية التي عاشت عليها المجتمعات اليهودية في الشتات عبر مئات السنين. وكان ذلك واضحًا في رؤوس المخططين الصهاينة أن دولة حديثة مرهونة بالتخلّص من تأثير الدين, والتحرر منه! وهو أمر ناتج عن تأثر المجتمعات اليهودية في الشتات/الدياسبورا (الذي استمر من سنة 136 م إلى 1948 - في العصر الحديث), بالفكر الغربي.
كان الاحتياج للدين في نظر الصهاينة هو عنصر أساسي وملّح لدفع جماهير اليهود في أنحاء الشتات إلى الإيمان بأفكار الصهيونية, وتطلب ذلك صياغة تلك الأفكار في إطار يهودي بعد إعادة تفسير الدين بشكل يجعل من الصهيونية حتمية تاريخية لا مناص من الإيمان بها كنهاية لهذا التاريخ الطويل. وتحولت مكونات الديانة اليهودية إلى أدوات موظفة لخدمة المشروع الصهيوني وأيديولوجيته الخبيثة.
ومن هنا برز صراع محتدم بين فئتين في المجتمع الإسرائيلي يعبر عن جدلية معقدة تتزايد خيوطها تشابكًا يومًا بعد يوم, بين المتدينين الراغبين في أن تكون دولة مبنية على مباديء الدين, والعلمانيين الراغبين في بناء الدولة ذاتها على أسس الحضارة الغربية العلمانية.
وانعكس ذلك بشكل واضح في رغبة الفريق الأول في أن تكون مصادر الشريعة, التوراة وتفاسيرها وأدبياتها هى دستور الدولة, في حين رغب الفريق الآخر في أن يكون الشعب ومؤسسات المجتمع المدني هى مصدر التشريعات والقوانين الحاكمة لهذا المجتمع!
ظل الكيان الصهيوني لهذا السبب بدون دستور يتفق عليه أطراف المعادلة الصعبة, فقد باءت كل محاولات التوفيق بين القطبين لمتنافرين بالفشل ما جعل من المفضّل تأجيل فكرة دستور الدولة إلى أجل غير مسمى.
أما حلبة الصراع الأخرى بين الفريقين فهى مجالات الحياة الاجتماعية اليومية ففريق المتدينين يرغب في فرض الشرائع الدينية على جوانب الحياة كافة في المجتمع الإسرائيلي بينما يرى فريق غير المتدينين, او العلمانيين أن تسير الحياة بعيدًا عن تلك الشرائع ويتم الفصل بين الدين والدولة.
وتكمن المعضلة هنا في أن للمتدينين/ الحريديم / المتشددين مطالب يرونها ملحّة في مجتمع تحكمه أسس العلمانية وهو ما يخلق توترًا من الصعب السيطرة عليه بغير ظهور جيتوهات يهودية منعزلة للمتدينين المتشددين غير القادرين على الاندماج, داخل الجيتو الكبير؛ إسرائيل.
ومن نتيجة ذلك أيضًا تكدّر العلاقة بين يهود الداخل ويهود الخارج الراغبين في الهجرة إلى إسرائيل لكنهم يخشون من الانتهاء إلى مصير غير واضح المعالم في دولة متناقضة الرؤى والتوجهات.
ويجد المتدينون أنفسهم مضطرون للتكيف للحياة المشتركة بين متناقضات الديني والعلماني, استجابة لواقع اجتماعي ثقافي سياسي.
ولا تنعدم وجود مؤسسات متفق عليها بين الفريقين, وتعدّ قيمة لا تنكر مزيتها في توحيد المجتمع, من ذلك المؤسسة العسكرية.
ومن ذلك أيضًا حرص مؤسسة الحاخامات على تغليف الأعمال القومية بتفسيرات دينية كرؤية بناء المستوطنات امتدادًا لغزوات يشوع, حين احتلال مدينة أريحا الفلسطينية قديمًا في القرن الثاني عشر قبل الميلاد, تنفيذًا لأوامر التوراة.
لكن الأمر لم ينته عند هذا الحد من التوافق الظاهري والذي كان يبطن عكس ذلك, فقد بدأ المتدينون يمارسون أشكالا من القوّة الناتجة عن بنية تنظيمية مستقلة لهم تبدّت في إدارة لشئونهم تمكنهم من الاستغناء عن المجتمع العلمانيّ فقد أنشأوا بنية خاصة من البنوك, والشركات, والأحياء السكنية, والمدارس, والتعليم, ومؤسسات الثقافة, وغير ذلك. وهو أمر زاد من عزلتهم.
لقد أصبح التعليم الديني من روافد تغذية الجماعات الدينية المتطرفة, التي تبنّت شكلا من أشكال الرهبنة تعدّ نفسها من خلاله صفوة اجتماعية تمثّل أصول الدين ومثله العليا. وهى؛ أي تلك الصفوّة بذلك أصبحت في انفصال شبه تام عن المجتمع العلماني.
إن حالة انعزال المتدينين عن المجتمع هى وجه من وجهي التناقض أو الازدواجية, فهم يحرصون على الحياة على هامش المجتمع وفي مركزه أيضًا. فالغالبية العلمانية تحتم أن تكون المسئولية الاجتماعية معلقة في رقبة العلمانيين, ومن ثم تهميش الجماعات الدينية. في حين تسعى جماعات المتدينين إلى امتلاك مكانة الزعامة بتمسكها بالتقاليد الدينية والعادات وبالانعزال عن العلمانيين, وهو ما يُعبر عنه في كتابات بعض باحثي الانثربولوجيا (علم الإنسان الاجتماعي), بوصف حالة الفصام الاجتماعي, والصراع المحتدم, هذه بتعبير "أبناء النور", وأبناء الظلام",
(يتبع)
د. سامي الإمام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق