انتهينا فيما سبق إلى أن كلمة (شعن/شعانين) لا أصل لها في العربية وإنما
هى محاكاة صوتية لهدير كان ينطلق من حناجر المحتفلين الداعين بعبارة
(هوشعنا ربَّا), التي تعني بالعربية (خلّصنا ياسيدنا/أنقذنا ياكبيرنا) وهى
نداء للمسيح عليه السلام الذي كان اليهود ينتظرونه آنذاك. ومعروف في
اللغات السامية كلها أن كلمة (رب) لا تعني خالق الكون فقط بل تحمل معان
عدّة أخرى منها: سيد, وكبير, وأب, ورئيس.
وكنت صدّرت حديثي عن (عيد الشعانين) بأنه يوم ثورة المسيح عليه السلام, على المادية اليهودية التي طغت وقضت على دعوة العقيدة اليهودية وحرفتها عن أصولها الإيمانية الروحانية وإيمانها بالغيبيات.
كان تقديم القرابين هى وسيلة التقرّب إلى إلله منذ قابيل وهابيل, حيث لم تكن الصلاة وأنواع التعبّد الأخرى فرضت على الإنسان بعد, وكانت القرابين مظهرًا من مظاهر حياة أولئك الذين يؤمنون بوجود خالق للكون ومدبر لأمره! وظل الحال على ذلك حقبًا طويلة من الزمن, وكان البعض يقدمون أبناءهم, أو غيرهم كقرابين للخالق أو كوفاء للنذر, أو استدرارًا لرحمة الرب وطلبًا لرضاه, أو شفاء لمريض وغير ذلك من أغراض. وجاءت التوراة مقرّة بتقديم القرابين وجعلتها أساسية في عبادة اليهودي لربه ونظمت أمورها وجعلتها فريضة وقاسمًا مشتركًا في جميع صور العبادة ومرتبطة بأحوال الناس ذكورًا وإناثًا.
ولا شكّ أن بني إسرائيل تأثروا بأنماط وصور من العبادات الوثنية في مصر خاصة في تلك الحقبة التي عاشوها قبل نزول التوراة والتي تربو على 400 عام (من حوالي 1750 ق.م إلى حوالي 1350 ق.م) في بعض التقديرات. وكان لذلك أكبر الأثر في تمردهم على موسى, عليه السلام, وطلبهم عمل عجل الذهب وعبادته في صحراء سيناء, وهو ما جعل الله يغضب على هذا الجيل ويكتب عليه التيه أربعين عامًا إلى أن يبيد هذا الجيل بأكمله وينشأ جيل جديد صالح لعبادة الله بعيدًا عن الوثنية والشرك به.
وأمر الله موسى بعمل "خيمة الاجتماع", وهى خيمة أظهر الله تعالى بقدرته نموذجًا لها في الصحراء لعيني موسى ليصنع بأدق بتفاصيلها, وهو ما يذكرنا بقصة صناعة فلك نوح التي كان الله أظهر نموذجًا له لعيني نوح عليه السلام في قصة الطوفان.
كانت الخيمة مكانًا لظهور وحي الله لموسى في فترة التيه, وكان بها "تابوت عهد الرب" أقدس مقدسات بني إسرائيل’ لأنه كان يضم لوحي العهد, منقوشة عليهما الوصايا العشر, صلب شريعة بني إسرائيل.
كانت الخيمة مركزًا تتوزع حوله أسباط إسرائيل الاثنتي عشرة (يهودا, ولاوي, رأوبين, وشمعون, وزبولون, ويَسْسَاكر, وجاد, وأشير, ويوسف, وبنيامين, ودان,ونفتالي), في ترتيب محدد من قبل الرب؛ ثلاثة أسباط أو قبائل في كل جهة من جهات الخيمة.
وكانت الخيمة مركزًا لطقوس العبادة القربانية تقدم عندها على مذبح الرب جميع القرابين المختلفة في حياة الإسرائيليين الدينية واحتفالاتهم وأعيادهم.
مات موسى عليه السلام على مشارف كنعان (فلسطين), جهة الشرق من نهر الأردن, ودفن هناك في مكان مجهول لا يعرفه أحد !! ولذلك سبب سيتضح بعد قليل, ولم تطأ قدماه الأرض المقدسة, وترك فتح كنعان لخليفته "يوشع بن نون".
نُصبت "خيمة الاجتماع" هناك في كنعان وتوزعت القبائل حولها ومورس تقديم القرابين وطقوسها التي كما قلنا هى عماد التقرب إلى الله وعبادته. ولما كانت أرض كنعان هى أرض موعودة لبني إسرائيل فقد لاحت الضرورة لإرساء مظاهر الاستقرار فيها, ففي زمن داود عليه السلام (1040 ق.م – 790 ق.م) أمره الرب بالتمهيد لبناء الهيكل الذي سيحل محل خيمة الاجتماع وسيقوم بدورها المركزي في تقديم القرابين وطقوس العبادة حوله. جهّز الملك داود لبناء الهيكل أما الذي بناه فهو الملك سليمان عليه السلام.
(يتبع)
د. سامي الإمام
أستاذ الديانة اليهودية/كلية اللغات والترجمة/جامعة الأزهــر
وكنت صدّرت حديثي عن (عيد الشعانين) بأنه يوم ثورة المسيح عليه السلام, على المادية اليهودية التي طغت وقضت على دعوة العقيدة اليهودية وحرفتها عن أصولها الإيمانية الروحانية وإيمانها بالغيبيات.
كان تقديم القرابين هى وسيلة التقرّب إلى إلله منذ قابيل وهابيل, حيث لم تكن الصلاة وأنواع التعبّد الأخرى فرضت على الإنسان بعد, وكانت القرابين مظهرًا من مظاهر حياة أولئك الذين يؤمنون بوجود خالق للكون ومدبر لأمره! وظل الحال على ذلك حقبًا طويلة من الزمن, وكان البعض يقدمون أبناءهم, أو غيرهم كقرابين للخالق أو كوفاء للنذر, أو استدرارًا لرحمة الرب وطلبًا لرضاه, أو شفاء لمريض وغير ذلك من أغراض. وجاءت التوراة مقرّة بتقديم القرابين وجعلتها أساسية في عبادة اليهودي لربه ونظمت أمورها وجعلتها فريضة وقاسمًا مشتركًا في جميع صور العبادة ومرتبطة بأحوال الناس ذكورًا وإناثًا.
ولا شكّ أن بني إسرائيل تأثروا بأنماط وصور من العبادات الوثنية في مصر خاصة في تلك الحقبة التي عاشوها قبل نزول التوراة والتي تربو على 400 عام (من حوالي 1750 ق.م إلى حوالي 1350 ق.م) في بعض التقديرات. وكان لذلك أكبر الأثر في تمردهم على موسى, عليه السلام, وطلبهم عمل عجل الذهب وعبادته في صحراء سيناء, وهو ما جعل الله يغضب على هذا الجيل ويكتب عليه التيه أربعين عامًا إلى أن يبيد هذا الجيل بأكمله وينشأ جيل جديد صالح لعبادة الله بعيدًا عن الوثنية والشرك به.
وأمر الله موسى بعمل "خيمة الاجتماع", وهى خيمة أظهر الله تعالى بقدرته نموذجًا لها في الصحراء لعيني موسى ليصنع بأدق بتفاصيلها, وهو ما يذكرنا بقصة صناعة فلك نوح التي كان الله أظهر نموذجًا له لعيني نوح عليه السلام في قصة الطوفان.
كانت الخيمة مكانًا لظهور وحي الله لموسى في فترة التيه, وكان بها "تابوت عهد الرب" أقدس مقدسات بني إسرائيل’ لأنه كان يضم لوحي العهد, منقوشة عليهما الوصايا العشر, صلب شريعة بني إسرائيل.
كانت الخيمة مركزًا تتوزع حوله أسباط إسرائيل الاثنتي عشرة (يهودا, ولاوي, رأوبين, وشمعون, وزبولون, ويَسْسَاكر, وجاد, وأشير, ويوسف, وبنيامين, ودان,ونفتالي), في ترتيب محدد من قبل الرب؛ ثلاثة أسباط أو قبائل في كل جهة من جهات الخيمة.
وكانت الخيمة مركزًا لطقوس العبادة القربانية تقدم عندها على مذبح الرب جميع القرابين المختلفة في حياة الإسرائيليين الدينية واحتفالاتهم وأعيادهم.
مات موسى عليه السلام على مشارف كنعان (فلسطين), جهة الشرق من نهر الأردن, ودفن هناك في مكان مجهول لا يعرفه أحد !! ولذلك سبب سيتضح بعد قليل, ولم تطأ قدماه الأرض المقدسة, وترك فتح كنعان لخليفته "يوشع بن نون".
نُصبت "خيمة الاجتماع" هناك في كنعان وتوزعت القبائل حولها ومورس تقديم القرابين وطقوسها التي كما قلنا هى عماد التقرب إلى الله وعبادته. ولما كانت أرض كنعان هى أرض موعودة لبني إسرائيل فقد لاحت الضرورة لإرساء مظاهر الاستقرار فيها, ففي زمن داود عليه السلام (1040 ق.م – 790 ق.م) أمره الرب بالتمهيد لبناء الهيكل الذي سيحل محل خيمة الاجتماع وسيقوم بدورها المركزي في تقديم القرابين وطقوس العبادة حوله. جهّز الملك داود لبناء الهيكل أما الذي بناه فهو الملك سليمان عليه السلام.
(يتبع)
د. سامي الإمام
أستاذ الديانة اليهودية/كلية اللغات والترجمة/جامعة الأزهــر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق