الأحد، 12 أبريل 2015

أحد الشعانين (4) - تمرد اليهود وخراب الهيكل

أراد الله ألا يبني الملك داود بيت الرب؛ الهيكل, تذكر التوراة الحجة في ذلك حيث وصف داود بأنه (سفك دمًا كثيرًا), ولا يليق به أن يقوم بهذا العمل, أمّا ابنه سليمان فهو رجل سلام وهو من سيقوم ببناء بيت الرب.
أتمّ سليمان بناء بيت الرب؛ هيكل سليمان (953 – 586 ق.م) وبدأ الهيكل يحلّ محل الخيمة ويلعب دوره الكبير في حياة اليهود؛ فكان محور حياة الفرد والجماعة, وكان بمثابة مؤسسة دينية, اجتماعية, تجارية, مالية ضخمة, يقوم عليها فريق غفير من المسئولين على رأسهم (الكاهن الأكبر) المنوط به قيادة طقوس يوم الغفران, ومعاونوه من الكهنة, ومراقب النفقات المسئول عن الخزائن, والمدير المسئول عن الأبواب والاحتفاظ بمفاتيح الساحات, والخازن وهو أمين الصندوق وهو مسئول عن خزائن بيت الرب التي تحتوي على الدقيق, والخبز, والثمار, والفواكه, والحبوب, والملابس, والخمور, والأخشاب, بالإضافة إلى ضريبة "فضة نصف الشيقل" التي كانت تؤخذ على كل رأس يهودي!
كان للهيكل أهمية بالغة في حياة اليهود لدرجة أن توصف بأن "يومًا واحدًا في رحاب الهيكل خير من ألف بعيدًا عنه"! وكان واجبًا على كل يهودي يعمل بالزراعة أن يحضر حزمة من أول حصاده تسمى "العُمِر" إلى الكاهن وهى ما يميز بداية موسم الحصاد, هذا طبعًا بعد أن تعلم بنو إسرائيل الزراعة هناك. ولا يجوز الأكل من محاصيل الحقول قبل تقديم هذا القربان في الهيكل فهو فريضة دينية. وكانت كل عائلة يهودية تقدم أيضًا خروفًا صحيحًا خاليًا من العيوب محرّقة للرب. وفي موسم جمع الثمار يأتي المزارعون بباكورة ثمار الأرض للهيكل ويجب أن تكون من أجود الثمار وتدفع للكاهن! أما صاحب الباكورة فكان عليه أن يتذكر فضل الله في موقف إخراج بني إسرائيل من مصر, وكيف أن الرب وهبهم أرض كنعان أرضًا تفيض لبنًا وعسلا. وقدمت أيضًا للهيكل أبكار الحيوانات والبهائم بل وأبكار البشر أيضًا.

كان المتجهون إلى الهيكل لتقديم البواكير يصطحبون معهم البهائم التي ستقدم كـ "قرابين سلامة" وكان الثور المخصص لذبيحة السلامة يسير أمام المسافرين إلى بيت الرب وقرونه مطلية بطبقة من الذهب, ويعلو رأسه غصن زيتون, كل ذلك بمصاحبة أنغام الناي وكان خزنة الهيكل ووكلاؤه يخرجون في استقبال الركب ومعهم اهل أورشليم.
كان الهيكل بهذه الصورة ملتقي لبني إسرائيل للذبح والصلاة عنده, والشكر فكانوا يزورون الهيكل ليقدموا قرابين الخطية والاثم على الذنوب التي اقترفوها ولتقديم قرابين السلامة والمحرقات والتقدمات مع اللبان كنذور أو صدقات أو قرابين شكر.
وكانوا يأتون للهيكل ليسجدوا أمام يهوه في السبوت والأعياد ورؤوس الشهور وكان تدفق الجمهور إلى الهيكل يزداد بخاصة في أعياد فرضت الشريعة اليهودية على كل ذكر بالغ "بَر مِتْسْفَا" فما فوق أن يأتي إلى الهيكل ثلاث مرات في السنة حسب نص التوراة.
هذه الأعياد الثلاثة هى عيد الفطير (الفصح), وعيد الأسابيع (الحصاد, والبواكير), وعيد الظلل أو المظال.
وإذا أضفنا إلى تلك القرابين قرابين أخرى كان يقدمها النساء والرجال على مدار العام في حالات حيض المرأة ونفاسها, وسيلان الرجل والبرء منه, وغير ذلك من القرابين حين ارتكاب اثم او ذنب, أو أي غرض آخر يستوجب القدوم إلى مكان الهيكل, ولو وضعنا في اعتبارنا كل ذلك, لأدركنا أهمية هذا البناء ومكانته في الحياة الدينية اليهودية والاجتماعية ولاستطعنا رسم صورة لصخب الحياة عند هذا البناء.
أدى اختلاط هذا الكم الغفير عند الهيكل, واستغلال التجار حاجة الناس, والتعامل بالربا, وابتعادهم عن الشريعة جعل بنو إسرائيل يخالفون أوامر الرب ويعصونها, كما أدى إلى ظهور الفواحش والتمرد على أحكام الشرع, قال الرب في ذلك: "لقد تأمّلت في هذا الشعب، وإذا به شعب عنيد متصلّب القلب". خروج 32 : 9
وجاء في سفر أشعيا كلام الرب عن تمرّد الإسرائيليين ووصفه لهم بأنهم أضلّ من الثيران والحمير:
الرب يتكلم: "ربيت أبناء وأنشأْتهم ولكنهم تمرّدوا علي. الثّور يعرف قانيه، والحمارُ معلف صاحبه، أما إسرائيل فلا يعرف، وشعبي لا يدرك. ويل للأُمة الخاطئة، الشعب المثقل بالإثم، ذرية مرتكبي الشر، أبناء الفساد. لقد تركوا الرب واستهانوا بقُدوس إسرائيل وداروا على أعقابهم. على أي موضع أضربكم بعد؟ لماذا تواظبون على التمرد؟ إن الرأس بجملته سقيم والقلب بكامله مريض" أشعيا 1 : 2 –
أدى عصيانهم وتمردهم إلى خراب أورشليم ودمار الهيكل وسلب محتوياته وسبي أعداد كبيرة من اليهود إلى بابل سنة 586 ق.م
(يتبع)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق