وطبقًا لما ورد في
"القبالاه" فإن معظم الأنفس التي تخرج للحياة كل يوم هى عبارة عن انتقال
لأرواح "قديمة" إلى أجساد جديدة, والقليل منها هى أرواح جديدة. والتعليل
في التناسخ, أو انتقال الأرواح من أجساد إلى أجساد أخرى هو أن هذه الأرواح لم تكمل
بعد دورها في الحياة, لذلك فبعد خروجها من الجسد المؤقت, عند الموت الظاهر, تبحث تلك
الأرواح لنفسها عن مكان آخر في جسد كائن حيّ آخر, وبذلك تصبح هناك روحان في جسد واحد,
روح أساسية, وروح إضافية .
ويعتقد أن انتقال الأرواح
من جسد إلى جسد آخر, في عملية التناسخ, مرتبطة بأعمال الإنسان, خيرًا أم شرًا, وطبقًا
لذلك تسكن الروح جسدًا جديدًا بحسب سابقة أعماله. لذلك ارتبطت فكرة التناسخ, في
"القبالاه", بفكرة البعث بعد الموت والثواب والعقاب.
وتكثر قصص التناسخ في الفكر
الحسيدي (الحسيديم : الأتقياء/المتصوفة من اليهود), خاصة في مجموعة القصص التي تتناول
حياة "بعل شيم طوف" مؤسس الفكر الحسيدي, حينما سأله مُريدوه عن الحاخام الذي
قتل على يد أحد الجوييم (الأغيار/غير اليهود): أهذه هى التوراة وهذا هو الأجر؟, يقصدون
أن الحاخام كرس حياته لدراسة التوراة فهل جزاؤه الموت على يد أحد الأغيار؟ قال لهم
: إن هذا الشخص بعينه كان رئيس السنهدرين (محكمة الأحبار العليا), في عصر النبي زكريا,
وحينما تنبأ زكريا بالمصائب والكوارث, لطمه هذا الشخص على خده, وقال له: أيها الجاهل,
من سمح لك بالتنبؤ؟ قام الجمهور الحاضر عقيب ذلك بقتل زكريا, عليه السلام, ومنذ ذلك
الحين حُكم عليه بالتناسخ مرات عدة يُقتل في كل مرة ثم يعود من جديد ويُقتل وهكذا لأنه
تسبب في قتل النبي زكريا.
ويرمز القوس في فكر
"القبالاه" إلى ظهور السكينة (الحلول الإلهي) من بين الطبقات. ويرمز القوس,
في الفكر الصوفي في اليهودية, للعالم الجديد, بعد الطوفان, عالم أكثر شفافية, تستطيع
فيه أشعة الشمس اختراق طبقات السحاب, والتعبير عن أصله, الشمس, وبذلك يمكن قبول فكرة
الغيبيات, التي تساعد الإنسان على اكتشاف مصدره - الخالق.
جذور بث الرعب ضد الأغيار
في الفكر اليهودي
............................................................
وقعت معركة في بلدة
"مجِدُّو" في عام 609 ق.م, حيث زحف الجيش المصري بقيادة الفرعون نيخاو الثاني
(حكم بين 609 ق.م – 593 ق.م) إلى كركميش (جرابلس حاليًا وكانت تعد بوابة الشام إلى
بلاد الأناضول) للانضمام إلى حلفائه الأشوريين ضد البابليين في كركميش بشمال سوريا.
وتطلب ذلك المرور عبر أراضي مملكة يهوذا، فطلب نيخاو الإذن بالمرور من الملك يوشياهو.
لكن يوشياهو رفض منح الإذن بمرور قوات نيخاو وتسبب هذا في المعركة التي لقي فيها الأول
مصرعه، وانتهت بانتصار قوات الفرعون المصري نيخاو.
ظل الفرعون نيخاو سيدًا
في منطقة كنعان (فلسطين), ودمشق مدة أربع سنين. إلى أن أُرسل نبوخذ نصَّر الملك البابلي
لقتال نيخاو فلما سمع نيخاو بذلك جمع قواته وأسرع لملاقاته على نهر الفرات, وذلك عام
605 ق.م, فالتحم الفريقان عند كركميش, حيث هزم جيش نيخاو, واضطر للتقهقر بسرعة في فلسطين
فتأثر أهالي مملكة يهودا منه كثيرًا, وكان, إذ ذاك النبي إرميا يتنبأ لأهالي دمشق بأحوال
الأمم فأخذ يصب جام غضبه على المصريين المتقهقرين ويسخر منهم. من ذلك ما ورد في التوراة
:
(نُبُوءة عن مصر، عن جيش
فرعون نخاو ملك مصر.. حيث قضى عليه نبوخذنصَّر ملك بابل أعدُّوا المجَنَّ والتُرس وازحفوا
للقتالِ. أسرِجوا الخيل وامتطوها أيها الفرسان، وانتصبوا بالخوذِ. .. ولكن مالي أراهم
يولُون الأدبار مرتعبين؟ قد دحر محاربوهم وفرُّوا مسرعين. لم يلتفتوا إلى الوراء، قد
حاصرهم الهول من كل جانب، يقول الربّ. عجز الخفيف عن الجري للفرار، وليس في وسعِ المحارب
الهرب. في الشمال عثروا وسقطوا إلى جوار نهر الفرات. من هذا الطّاغي كالنّيل، كالأنَهار
المتلاطَمة الأمواج؟ تتعالى مصر كفيضان النيل، كالأنهار المتلاَطمة الأمواج. تقول:
أفيض وأغمر الأرض، أهدم المدن وأُهلك سكانها. اقتحمي أيتها الخيل، وثوري يامركبات،
وليبرز المحاربون .. فهذا اليوم هو يوم قضاء السيد الرب القدير، يوم الانتقام. فيه
يثأَر لنفسه من أعدائه، فيلتهم السيف ويشبع، ويرتوي من دمائهم، ... اصعدي إلى جلعاد
وخذي بلساناً ياعذراءَ ابنة مصر. ولكن باطلاً تكثرين من العقاقير، إذ لا شفاء لك. تسمع
الأُمم بما لحق بك من عار، ويملأُ صراخك الأرض، لأن بطلاً محارباً يصطدم ببطل محارب
فيسقطان كلاهما معاً).
وفي رأينا أن منذ ذلك الحين
أخذت رؤى الأنبياء تتوعد مصر بكل سوء, كما أن للثأر القديم بين قوم موسى والمصريين
دور كبير في ذلك. وبعد موقعة كركميش بسنوات عدة حدثت إغارة ملك بابل نبوخذنصر على أورشليم
فدمرها ودمر هيكلها (586 ق.م) وساق كثيرًا من الإسرائيليين أسرى إلى بابل, وكان هذا
بمثابة الشتات الأول.
فمنذ ذلك الزمن درج اليهود
على إثارة الفزع والمخاوف في نفوس الأغيار (غير اليهود) الذين تعدّهم اليهودية وثنيين.
واعتمدت في ذلك على أفكار أسطورية, أكثر منها واقعية.
ولا ينسوا ختم بصمات الرب
على هذه الأخرويات كما يطلق عليها. وتعد أحداث "هار مجدون", و"آخر الأيام",
و"يوم الرب", وكذلك "بروتوكولات حماء صهيون", و"لفائف قمران",
وفكر القبالاه, وخفايا التلمود, كل ذلك يندرج تحت فكرة الانتقام من الشعوب الأخرى,
الجوييم.
(يتبع)
د. سامي الإمام.
أستاذ الديانة اليهودية
ملحوظة: بالصورة للطاقة
لدى الإنسان في المركبة, ودرجة وصلها بين السماء والأرض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق